شراكة «إسرائيلية» إماراتية في ترتيبات قتل الخاشقجي… واحتمال متورّطين آخرين الحكومة العراقية دون ضغوط سعودية… والحريري يبرّئ ابن سلمان أملاً بالتحرّر

كتب المحرّر السياسيّ

لا يبدو أن أحداً من حلفاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يتصرّف على قاعدة أن هناك إمكانية لتعويم الوضع السعودي دون تغييرات كبرى في البنية والدور، يكون أولها رحيل إبن سلمان نفسه، لكن لا يبدو بالمقابل أن الغموض حول مستقبل السعودية يريح خصومها وأصدقاءها في آن واحد، في ظل تقدير التأثيرات التي يتركها أي دخول للسعودية في الفوضى على المنطقة والعالم سياسياً واقتصادياً وأمنياً. فالسعودية صاحبة الثروة الهائلة والإنتاج النفطي الأول في العالم، والراعي العقائدي لتنظيمات التكفير الإرهابية، ستحدث دوياً هائلاً في حال إصابتها بالتشظي وغياب صيغة تضمن الانتقال السلس بها من حال إلى حال. ويبدو من هنا وفقاً لمصادر دبلوماسية رفيعة أن تفاهماً دولياً إقليمياً قد تم على التعويم المؤقت لولي العهد السعودي، عبر عدم ذهاب أي من اللاعبين الكبار الدوليين والإقليميين لخيار توظيف كرة الثلج التي تكبر في العالم ضده، لخلق مسارات دراماتيكية تزعزع استقرار السعودية وتخرج بالأمور عن السيطرة.

الاتصال بين الرئيس التركي رجب أردوغان وولي العهد السعودي والكلام الذي تبادلاه حول طبيعة العلاقة بينهما، كان التعبير الأبرز عن هذا الخيار بالتعويم، ومثله الكلام الروسي عن التعاون، وغياب الاستثمار الإيراني لمأزق محمد بن سلمان بدرجة تتناسب مع حجم المأزق الذي يضغط على السعودية، مؤشرات على ثنائية باتت محور تفاهم إقليمي دولي، عنوانها الأول لا يمكن للسعودية أن تبقى على ما هي عليه، وعنوانها الثاني لا يمكن ترك السعودية تنهار بلا بدائل مدروسة تمنع وقوع كارثة، كما تقول المصادر.

على ضفة موازية لا تزال قضية قتل الخاشقجي مصدر إرباك إعلامي وسياسي للرئيس الأميركي دونالد ترامب المتهم بكونه الراعي الدولي لولي العهد السعودي، والمدافع الأول عنه. وترامب يجهد للتبرؤ من حماية إبن سلمان عشية الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي، بينما تتكشف خيوط جديدة في العملية عبر التساؤلات التي تطرحها الصحافة الإسرائيلية والتركية، حيث تلاقت صحيفة يديعوت أحرونوت مع صحيفة يني شفق التركية بالسؤال عن طبيعة التنسيق السعودي الإسرائيلي الإماراتي في العملية، كل من موقعها، ومصدر التساؤل لا ينحصر بالحاجات اللوجستية لعملية تتم بمتابعة انتقال الخاشقجي من دولة إلى أخرى والتي تملك فيها «إسرائيل» خبرات قديمة وإمكانات واسعة، أو من مصلحة إسرائيلية بتفجير العلاقة التركية السعودية كما تقول يني شفق التركية، بل من كون الفريق السعودي الذي بات مجمعاً على توليه تنفيذ العملية والذي يقوده نائب رئيس المخابرات السعودية أحمد العسيري والمستشار الأول في الديوان الملكي سعود القحطاني، هو الفريق ذاته الذي قالت يديعوت أحرونوت أنه المكلف من ولي العهد السعودي بالتنسيق الأمني مع الإسرائيليين. والتحقيق في علاقات هذا الفريق خارج السعودية يشكل مادة اهتمام إعلامية في الصحف الأوروبية، خصوصاً أن هذا الفريق يرعى علاقات السعودية بأطراف في العراق ولبنان وفلسطين والأردن.

في ظل الانشغال الأميركي بالوضع السعودي، وانشغال السعودية بوضعها، بدا المساران الحكوميان في لبنان والعراق على خط الإنجاز، فمع ولادة الحكومة العراقية بما يحفظ التوازنات التي حملتها الرئاسات العراقية، ومعنى تولي فالح الفياض وزارة الداخلية فيها، كان الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري يزور السعودية حاملاً ورقة البراءة من اختطافه لولي العهد السعودي في لحظته الحرجة التي يحتاج فيها لهذه البراءة، أملاً بتخفيف حجم الدعم الذي تلقاه القوات اللبنانية من الرياض، خصوصاً أن الفريق الذي كان يرعى القوات هو الفريق ذاته الذي خرج من المشهد السعودي مع اكشاف مسؤوليته التنفيذية في مقتل الخاشقجي وعلى رأسه العسيري والقحطاني اللذين كانا وراء خطف واحتجاز الحريري والتعرّض له، لكن السؤال يبقى حول تمثيل النواب السنة بعد المتغيرات السعودية، حيث لم يعد معيار القبول السعودي ذا قيمة في تحديد من يمثل السنة اللبنانيين، وهل سيتقبل الحريري الثنائية السياسية في الطائفة بعد سقوط حصريتها الإقليمية والداخلية، بعيداً عن محاولات تحميل حصة رئيس الجمهورية مقعداً مستحقاً لممثلي ثلث مقاعد الطائفة في البرلمان والحائزين على ثلث أصوات ناخبيها؟

الحريري منحَ خاطفه براءة الذمة!

غابت اللقاءات والاتصالات عن مسرح التفاوض الحكومي وبقيت الحكومة مُعلّقة على حبال عقدتي الحقيبة القواتية الرابعة وتمثيل سُنة المعارضة، وخطفت الزيارة المفاجئة لرئيس الحكومة المكلف سعد الحريري الى السعودية الأضواء، والتي لم تكن مُدرجة مسبقاً على جدول زيارات الحريري بحسب مصادر «البناء»، بل أُدرِجت وأُعدّت على عجل أشبه باستدعاء «غب الطلب» من جانب دوائر القصر الملكي الذين أخرجوا ايضاً مسرحية لقاء الحريري ولي العهد محمد بن سلمان في مؤتمر الاستثمار المنعقد في الرياض من حوار وتوزيع أدوار. فالظاهر أن الرئيس المكلف كان بكامل حريته وملء إرادته كما عبر من على المنبر، حيث توسط ولي العهد السعودي وولي عهد البحرين في فندق «الريتس كارلتون»، لكنه بالتأكيد كان معتقلاً ايضاً لكن بأسلوب حضاري وسلمي و»طوعي» وفي الفندق نفسه. فما أشبه تشرين اليوم بتشرين العام الماضي!

أراد ولي العهد السعودي في قمة أزمته استخدام رئيس حكومة لبنان كغطاءٍ لممارساته الاجرامية وآخرها اغتيال الصحافي جمال الخاشقجي، مستغلاً عالمية المؤتمر لتبييض وطي صفحته السوداء مع الحريري وانتزاع براءة ذمة من صاحب العلاقة شخصياً ومباشرة على الشاشات ليرى الرأي العام العالمي ويسمع، وكان له ما أراد. ما يدعو للتساؤل: هل كان الحريري ليحظى بهذه الرعاية والاهتمام ومعسول الكلام من حفاوة استقبال وتبادل للمزاح مع إبن سلمان ولقاءات على رأسها الملك سلمان في قصر اليمامة لولا حاجة السعودية الى الحريري في هذا الوقت العصيب؟ ولماذا لم يلتقِ الحريري الأمير خلال الزيارتين الأخيرتين الى المملكة خلال العام المنصرم، علماً انه كان رئيساً أصيلاً لحكومة لبنان وليس تصريف أعمال؟

وتوجه إبن سلمان الى الحريري خلال كلمته في المؤتمر بالقول: «رئيس الوزراء سعد الحريري سيبقى في المملكة يومين، أرجو ألا تكون هناك شائعات»، ليردّ عليه الحريري قائلاً: «بكامل إرادتي» وذلك في إشارة إلى التقارير التي تحدثت عن احتجاز الحريري في تشرين الثاني الماضي لينفجر الحضور ضاحكاً.

وأكد الحريري في جلسة حوارية خلال المؤتمر أن «لبنان يواجه تحديات كبرى ونسعى لتشكيل حكومة الوفاق وطني في الايام المقبلة». وشدد على ان «الحكومة التي نشكلها ستنفذ كل مقتضيات «سيدر» للخروج من الازمة الاقتصادية، وانا متفائل أنها ستكون حكومة عمل واستعادة ثقة المواطن اللبناني».

وتابع: «دور المرأة سيكون كبيراً في الحكومة ولو سلّمناها البلد لأصبح أفضل بكثير وكنا «ارتحنا اكثر». واضاف: «الحكومة المقبلة ستكون صورة عن مجلس النواب الجديد الذي أقر كل القوانين الضرورية من أجل تنفيذ «سيدر». وفي براءة ذمة ثانية للسعودية من مسؤولية تعطيل تأليف الحكومة، اعتبر الحريري انه «في لبنان، الحكومة تأخذ بعض الوقت لأن اللبنانيين «بحبوا يشتغلوا ببعض».

وأبدت مصادر سياسية لـ«البناء» استغرابها الشديد للصورة التي قدّمها رئيس حكومة لبنان عنه شخصياً وعن لبنان ثانياً، إذ إن المشهد بكليته يشكل إهانة جديدة للبنان شكلاً ومضموناً، أولاً طريقة تحديد موعد للرئيس المكلف في الرياض كأنه استدعاء، علماً أن توجيه دعوات لزيارات بين الدول له أصول وقوانين وبرتوكولات ولا يتم على عجل، ولفتت المصادر الى أن «الحريري أراد من تلبيته الدعوة إظهار حسن النية للمملكة في ظل المقاطعة الدولية لها لأنه لا يزال يسكنه هاجس الخوف من ردة فعل السعوديين ويريد أيضاً بخطوة استباقية كسب ود السعودية والتخفيف من ردة فعلها على أي خطوة قد يقدم عليها في مسألة تأليف الحكومة في وجه حليفة المملكة القوات اللبنانية». واستغربت المصادر عدم صدور موقف رسمي لبناني إزاء ما نشرته وكالة «رويترز» عن وقائع احتجاز رئيس حكومة لبنان وتعرضه للضرب والمعاملة السيئة في فندق الريتس كارلتون العام الماضي.

أما على خط تأليف الحكومة، فلم يُسجل يوم أمس أي جديد بانتظار عودة الرئيس المكلف من السعودية المتوقع مساء اليوم ليطلق جولة مفاوضات أخيرة ستكون حاسمة بحسب مصادر «البناء»، فإما ولادة طبيعية للحكومة وإما ولادة قيصرية أي ربما من دون القوات، وأشارت قناة «المستقبل» الى أنه «كان من المفترض ان يزور الحريري بعبدا اليوم لاطلاع الرئيس عون حول آخر المستجدات في الملف الحكومي واللقاء تأجل الى حين عودة الحريري من السعودية»، لكن ما بدأ يدور في الاوساط السياسية هو هل يعود الحريري الى بيروت أكثر تشدداً في مسألة تأليف الحكومة تترجم بمعادلة «لا حكومة بلا القوات» أم يعود ظافراً بغطاء ملكي لحكومة العهد الاولى؟ في المقابل أرجأت دوائر قصر بعبدا موعداً بين رئيس الجمهورية ووزير الإعلام في حكومة تصريف الاعمال ملحم الرياشي بسبب تزامنه مع موعد آخر، إلا أن ذلك قد يخفي رسالة سلبية أراد الرئيس عون توجيهها الى الرياشي بعد التسريبات التي نقلها عن عون المناقضة لموقفه.

وقالت مصادر «البناء» إن لا جديد على صعيد حل العقدة القواتية، في ظل تمسك معراب بحقيبة توازي العدل التي باتت خارج التفاوض بحسب مصادر مطلعة في تكتل لبنان القوي لـ«البناء»، والتي أكدت بأن «الحكومة ستولد في نهاية المطلف والرئيس عون لن يسمح بتآكل عهده ويقف مكتوف الايدي بل سيبذل كامل جهوده مع الرئيس المكلف لإخراج الحكومة من مربع التعطيل»، ولفتت الى أن «الرئيس عون قدم كافة التسهيلات لتحقيق هذا الهدف لا سيما تنازله عن موقع نائب رئيس الحكومة المكرّس عرفاً له وتقديمه للقوات اللبنانية». وعلمت قناة الـ»أو تي في» أن «الحريري قد يعود من السعودية غداً وهناك أمور جديدة في الـ48 ساعة القادمتين». مشيرة الى أن «الرئيس عون أعطى كل ما لديه من أجل تشكيل الحكومة وكل تأخير في هذا الإطار يسبب مشاكل للمواطنين و الاقتصاد اللبناني ».

على صعيد عقدة رفض الحريري تمثيل سنة المعارضة خارج المستقبل، أكد اللقاء التشاوري للنواب السنة المستقلين أن تمثيله في الحكومة لا يحتاج الى منّة من أحد. واستغرب النائب فيصل كرامي الذي تلا بيان اللقاء بعد اجتماع في دارته «الدفاع الشرس للرئيس المكلف عن الاحادية السنية المتمثلة في تياره»، وقال: «لم يعد من مبرر له لحصر التمثيل السني به لأن الانتخابات اظهرت وجود ثقل سني خارج المستقبل.» وأضاف «لسنا في وارد لا التسويات ولا التنازلات في شأن تمثيلنا في الحكومة».

وفي وقت نقل أكثر من مصدر اعلامي عن بعبدا موقفها من عقدة تمثيل القوات وسنة المعارضة في عهدة الحريري، قالت أوساط سنية لـ«البناء» إن «للمعارضة السنية الحق في تمثيلها في الحكومة لا سيما وأنا نالت 30 في المئة من الأصوات السنية في الانتخابات الاخيرة اضافة الى أنهم سيشكلون كتلة مستقلة موحدة في المجلس النيابي»، وعلمت «البناء» أن «رئيس الجمهورية سيأخذ المبادرة ويحسم تمثيل سنة اللقاء التشاوري من حصته والمرجح فيصل كرامي مقابل وزير للحريري مسيحي هو غطاس خوري»، واتهمت المصادر الحريري بأنه يريد احتكار تمثيل الطائفة السنية في لبنان وإقصاء أي مكون آخر والاحتفاظ بموقع رئاسة الحكومة له، أما السبب الأهم بحسب الأوساط فهو احتفاظه بالميثاقية السنية في الحكومة وأن لا يواجه معارضة سنية لسياساته المالية والخارجية من داخل الحكومة، لا سيما العلاقة مع سورية وإيران وسلاح المقاومة والنازحين وغيرها من الملفات الخلافية مع فريق 8 آذار».

بري: تآلف الحكومة أكثر أهمية…

وجدد رئيس مجلس النواب التأكيد على وجوب تأليف حكومة، الامر الذي بات اكثر من ضرورة، مؤكداً خطورة الوضع الاقتصادي في البلاد استناداً الى الواقع والوقائع التي يملكها. وأشار أمام النواب في لقاء الاربعاء الى أن اذا كان تأليف الحكومة في غاية الاهمية فإن تآلف الحكومة هو اكثر أهمية، مجددا الدعوة الى تطبيق القوانين وتشكيل الهيئات الناظمة. لفت بري الى انه لن تكون هناك مشكلة حول البيان الوزاري بعد تأليف الحكومة لأنه يستند في خطوطه الاساسية الى بيان الحكومة الحالية. ونقل عن بري قوله إن «أمامنا 48 ساعة فاصلة وستشكل الحكومة».

وكان رئيس الجمهورية قال خلال استقباله وفدًا من جامعة سيدة اللويزة «الحديث عن تخفيض قيمة الليرة والانهيار المالي وهي شائعات من شأنها زعزعة الثقة بالمصارف، وقد اضطررنا الى التدخل من اجل وضع الامور في نصابها وطمأنة اللبنانيين، لأن من غير الجائز أن يتم التركيز على الاخبار السيئة من اجل خلق انكماش في المجتمع وتخفيف الدورة الاقتصادية فتنشأ الأزمة».

وطمأن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إلى أن «الليرة اللبنانية مستقرة، وسعرها ثابت تجاه الدولار الأميركي وسائر العملات الأجنبية». وأعلن أن «الحاكمية اتخذت قرارات مهمة تتعلق بالمحافظة على الاقتصاد الوطني، ونحاول أن نستقطب الأموال لمصلحة لبنان وقطاعه المصرفي، لذلك نتّجه نحو سياسة الفوائد الواقعية المرتفعة ».

على صعيد آخر، أعلنت المديرية العامة للأمن العام انها ستقوم بتأمين العودة الطوعية لمئات النازحين السوريين من مناطق مختلفة في لبنان الى سورية عبر مركزي المصنع و العبودية الحدوديين، اليوم الخميس، اعتباراً من الساعة السادسة صباحاً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى