حالة
بلال رفعت شرارة
لا شفاء لحالي إلا بالكتابة، لذلك فإنّ قصدي ليس إرهاقكم بالقراءة فبإمكانكم تجاهل الحقيقة كما أراها، بإمكانكم سحب عاطفتكم من التداول أثناء قراءتي ومنع دموعكم من الانهمار، بإمكانكم اعتبار أنفسكم طبيعيين واعتباري ثرثاراً متوهّماً وقلقاً أتحدّث في السياسة من المحيط الى الخليج ولا تغادره فلسطين تبقى ساهرة مستيقظة في عيونه… بإمكانكم إغلاق ورقة صفحتي في دفاتركم أو نزعها ورميها في النفايات طبعاً لا تنقصكم نفايات ولكن تحتاجون الى مطامر أو محارق … بإمكانكم، ببساطة، إغلاق صفحتي الالكترونية… وفي كلّ الحالات أستميحكم عذراً على صرف وقتكم على شخص مثلي أكل الدهر عليه وشرب وما زال يقيم في التاريخ ويشعل ناراً على تلّ لعلّ الصعاليك العرب والفرسان الأوائل وقادة الحروب والفتوحات والفدائيين يأتون الى استراحة المحارب في خيمته التي تتدثر الليل فيقيمون لساعة قبل انصرافهم إلى المنازلة والميدان.
كما أستميحكم عذراً على صرف انتباهكم احياناً على الوقائع في هنا وهناك، لأني إذ أفعل ذلك فإني على قصد مني أحاول أن أرشّ ملحاً على جراح أصواتكم، وإذ أدخل بمخيلتكم المسارب والمهالك وأركب متن أمواج الآمال وأنا أصول وأجول بين أقطارنا وأنا لا سمح الله لا أقصد منافسة المحللين الاستراتجيين الذين يكتمون أنفاسنا على الشاشات ويتحدّثون ليس كمثل السماسرة عن أرض لم يدوسوها وهم لم يسبق لهم أن خاضوا غمار حرب واحدة، وجلّ وما يعرفونه هو قراءة الخرائط بالاستفادة من دروس الكليات الحربية.
أنا لا شفاء لحالي سوى بالكتابة. قال لي أصدقاء وصديقات إنني أفتح شهيتهم على الأحزان، وإنه كفى… فقد آن الاوان لكتابة حقيقة او مخيّلة فرحة. حاولت وفشلت، اذ ربما أنّ الفرح لا يكتب مثله ومثله الحب والشوق والنصر، وأنّ هذه معانٍ يعيشها الإنسان ولا يكتبها لذلك أستميحكم عذراً وأنا أهرب من الخاص الى العام او العكس، وأُبسط بأحزاني وآلامي ومعاناتي، إذ كيف لي أن أتجاهل زيادة الفاتورة التربوية والغذائية والطبية والدوائية على وقع السلسلة وسرقتها حتى قبل الإحساس بمفعولها؟ كيف لي أن أتجاهل صيحات غضب رجل بالأمس وهو يجد نفسه أمام ضرورة دفع مليون ليرة تأمين مقابل إدخال مريضه الى المستشفى، وإلا فإنه لن يجد له مكاناً، وراتب الرجل نفسه لا يتجاوز المبلغ المذكور شهرياً؟ كيف لي أن أتجاهل مشاعر بلدة نائية وهي تأتي لتتفقد أحوال أحد أبنائها على فراش الموت؟ كيف لي أن أتجاهل مشاعر الفلسطينيين إزاء سلب سلطات الاحتلال لمساحات من الأراضي في فلسطين بدواعٍ عسكرية وإقامة المستوطنات عليها؟
كيف لي أن آخذ الأمور ببساطة او لا مبالاة؟
من كتابي المقبل «سوالف».