بين الدهشة والشهقة!!

مأساتنا أعمق من مأساة أبناء كاليوني، وهي المأساة التي حدّدها كاليوني نفسه حين قال: «مأساة أولادي أنهم يتكلمون حين يجب أن ينصتوا، وينصتوا حين يجب أن يتكلمواً. مأساتنا اليوم أننا دائمو الدهشة التي يعقبها شهقة.

ومن عظيم الدهشة كثرة الأسئلة حيث إنها تمظهر يدل على عدم المعرفة والحاجة الملحّة لجواب شافٍ. والتطور الإنساني عموماً جاء لإزالة الدهشة عن حياة الإنسان، فعلى سبيل المثال وجدت الأديان لتكشف للإنسان أسئلة الوجود من موت وحياة وخلود وغيرها. لكنّ الدولة المدنية والتطور السياسي الحالي قلّص من أسئلة الدهشة بتحويلها أسئلة تجد أجوبتها عند مؤسساتها وأفرادها. فعندما يشعر المجتمع بأنّ الدهشة سمة يومية يبدو جلياً أنّ ثمة خطأ في حياته وثمة توعكاً في مسيرته وخطاه.

من عظيم الدهشة أنّ المؤسسات والبرلمانات التي وجدت لتخلصنا من الدهشة وتشفي العليل بأجوبتها عن الأسئلة اليومية لكل مواطن يحاول فك طلاسم القرارات والشعارات اليومية حوّلت المواطن من حالة الدهشة إلى حالة الشهقة!

من عظيم الدهشة أن أضحت مجتمعاتنا عبارة عن بصّامة تبصم حتى على شهادة وفاتها دون أن تدري فتعقبها شهقة!

من عظيم الدهشة أنّنا نوالي من يجلس على الكرسي الوثير ونقدم له الورد والتهاني وهو الآخر يستقبل المنصب بشهقة لا يفيق منها حتى آخر أيامه على كرسي المنصب. ينسى مَن حوله سوى من عيّنه، لا يتذكر من المسؤوليات سوى قرار تعيينه. ونحن مع كل هذا نبقى مصابين بحمّى الدهشة وعندما يرحل نُصاب بالشهقة خوفاً من المقبل المجهول. تُرى هل سيزيل عنّا الدهشة أم يجعلنا نشهق بكاءً على من رحل!

من عظيم الدهشة عندما نكتشف أنّ الأزمة أصبحت أزمة في الاعتقاد الدين وربط السياسة بالدين، بحيث تصبح أيّ أزمة سياسية هي بالضرورة أزمة دينية، تغيرات تحدث داخل العقلية الجمعية باتجاه الحرية الفكرية وحرية إبداء الرأي بشكل يأخذ منحنىً حاداً وعندما نكتشف أننا ضحية لعبة محكمة الصياغة وأنهم يسخّرون الدين لأهوائهم وترهاتهم نصاب بالدهشة التي تعقبها الشهقة! كل ما يحدث يُعد تآكلاً في مرجعية الدولة والحث على انتفاء العدل ولا بدّ أن نصاب بالدهشة أيضاً! المرء لا يعذبه الاضطهاد إذا كان عادلاً، ولا تفنيه المظالم إذا كان بجانب الحقّ، فسقراط شرب السمّ مبتسماً، ولكن هو الضمير الخفي الذي نخالفه فيوجعنا، ونخونه فيقضي علينا فنصاب بالدهشة! الدهشة في مجتمعنا عبارة عن مشروع للإجابة فقط وهذا هو سرّ عجزها، حتى الاختيارات المتعددة في الإجابة كما في الامتحانات المدرسية لا تُجدي ولا تمثل مخرجاً أو حلاً لانعكاس وضعية السائل والمجيب. وتلك مفارقة تاريخية تجعل من الشعوب العربية مصدراً للإجابة في حين أنها من المفترض أن تكون هي من تطرح السؤال ودون إرادة نصاب بالدهشة! صنّاع الحياة الجدد يرتبون مفارش يقظتنا ونومنا، ويفصّلون لأنفاسنا ثوباً على مقاس فمٍ آخر، ويضبطون بالمثل عقارب قدرنا على ساعات يقينهم ويسألوننا لما تصابون بالدهشة؟! وحدها شهقة الموت ستكون سرّ الإجابة…

صباح برجس العلي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى