البديل «الإسرائيلي» الحاضر دوماً

د. رائد المصري

بهدوء… لسْنا من هواة الراديكالية في إطلاق المواقف إلاّ بما يتعلّق بالعداء للكيان الصهيوني العنصري الغاصب لأرض فلسطين ولكلّ الأرض العربية التي يستبيحها المستعمر الأميركي والأوروبي بمساعدة نواطيره الإقليميين وحكّامه الذين يتركّزون في المنطقة العربية، فيتنقّل «الإسرائيلي» ويقفز كـ«الكنغر» من محمية إلى أخرى متى فقد توازنه أو تعثّر رهان مشروعه التطبيعي مع المحيط العربي الذي أسْتبيحت قومياته التي كانت مسيّجة بعرق الكرامة والدم منذ أيام السادات إلى اليوم. ولا زلنا نبحث عن مخارج ومصطلحات مخفّفة علّها تحفظ ماء الوجه لحكّام تلطّخت أياديهم بالدم وتثبّتت عروشهم بالدم.. ويريدون تصفية كلّ القضايا العربية العالقة في أمّة لا زالت الجاهلية تطوّقها من كلّ جانب…

لقد تهاوت وتقطّعت أذرع وأرجل الكيان الإسرائيلي في المنطقة العربية بين ليلة وضحاها، بسبب مقتلة مقززة لصحافي يفترض أنه كان معارضاً وصار التقرّب تهمة ونقيصة بعد عملية التقطيع والكذب والإخفاء، ثم الاعتراف الذي هو سيّد الأدلّة، وأدخل الإقليم في متاهات نفق مظلم وشرعية دولية وإقليمية صار مشكوكاً بأمره، وتحوّل سلوك بعض الدول الذي تكرّس مذهباً وأريدَ له أن يكون بديلاً عن الدولة القومية المواجهة لمشاريع الهيمنة الغربية الى عدوى طاعون متقرّح يخاف الكلّ أن يقترب منه، خصوصاً بعد السّير في صفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينية التي فشلت وفشل معها مسلسل تفجير وتفتيت سورية والعراق. وارتدّ هذا المشروع سلباً على الكيان الصهيوني بعد أن صار محكوماً بمعادلات ردع وقواعد اشتباك جديدة في الداخل وفي الإقليم..

طبعاً، لا يفيد هنا الحديث عن توقيت وتحليل الزيارة الرفيعة المستوى لنتنياهو التي ضمّت زوجته وكبار القادة والسياسيين الصهاينة الى سلطنة عُمان، في اليوم نفسه الذي ينحر فيه هذا العنصري الصهيوني كلّ جمعة وكلّ يوم العديد من الشبان والشابات الفلسطينيين المدنيين الذين يتظاهرون حول سياج غزة سلمياً، بحجّة تفعيل عملية السلام التي صار تكرار عبارتها ينمّ عن حبّ التطبيع وصارت تشكّل مدخلاً ومبرّراً لمصافحة الصهاينة على الملأ… فلن نفرض على أحد أية سياسات خارجية تخصّه، لكن تعالوا الى القسمة وليس قسمة بين الحدود وبين الشعوب العربية المشرقية والخليجية إنّما قسمة خيارات وعدّادات فصرنا نخجل من تعداد دولنا العربية الممتدّة من الخليج الهادر إلى المحيط الثائر الذي أصابته تشوّهات البترودولار وصار عديم الجدوى إلاّ في استجرار الخراب والدمار وتفكيك النّظم وإسْباغ الشرعية على الكيان الصهيوني الغاصب عند كلّ يوم تقترب نهايته وتتحجّم سطوته وتسلّطه وجبروته على شعوبنا العربية المظلومة…

ليس صدفة أنّه تمّ اختيار السلطان قابوس الذي عوّدنا منذ القدم على سياسة الهدوء والطمأنينة لزيارة نتنياهو قيل إنها أتت بعد مفاوضات طويلة من أجل عملية السلام، هي زيارة ربّما تشكّل بديلاً آنياً ومحطّ قدم للكيان الصهيوني بعد أن خرّت بقرته أرضاً وتكاثرت عليها سكاكين الإعلام والمجالس الأممية والحقوقية بتهمة القتل والتصفية والتقطيع، وباتت تشكّل عنواناً للتصفيات السياسية وعاملاً مربحاً في خوض غمار أيّة عملية انتخابية، ومعها فشلت «صفقة القرن» وحيّدت السعودية من على المسرح الإقليمي الشريك الأساسي في تصفية القضية الفلسطينية والقدس، فكان لا بدّ من حرْف الأنظار وتهدئة النفوس عمّا يدور في الكواليس بين أردوغان وترامب وابن سلمان من صفقات تعيد ترتيب وتوضيب ما خرّبته أيادي ولي العهد الذي يبكي اليوم على أمجاد ضاعت كالأطفال لم يحافظ عليها محافظة الرجال….

إنّها لعْنة التاريخ والجغرافيا ولعْنة قتل الأطفال الأبرياء في فلسطين واليمن وسورية والعراق فها هي تحاصرهم، ومعهم ربّما تكون أثمان إخفاقات المحور الأميركي في المنطقة أمام محور المقاومة في سورية واليمن والعراق وفلسطين قد شكّلت فاتورة كبيرة ويجب أن تدفع، وكأنّ مقتل الصحافي الخاشقجي كان باباً من أبوابها ومنطلقاً لتغيّر المشهد السياسي في الإقليم على قاعدة الربح والخسارة، وبناءً عليه يبدو أنّ حلفاء أميركا العرب خسروا في سورية والعراق ولبنان وأخيراً اليمن لتأتي الخطوة «الإسرائيلية» المتقدّمة تعويضاً عن انكسارين: الأول تمثّل في فشل فرض التسوية – الذلّ على الشعب الفلسطيني والتي كان عرابها محمد بن سلمان وجاريد كوشنير، والثانية تمثّلت وتكفّلت بإتمام ما عجزت عنه فصائل داعش الإرهابية في المنطقة من قتل وتصفيات، حيث إنه الآن في قضية مقتل جمال الخاشقجي سيتظهّر لنا كيف ستتعاطى أميركا وأوروبا مع حليفيها التقليديين في المنطقة، وهل الأمور مرشحةٌ لتصعيد سياسي واقتصادي؟ وهل هنالك من صفقات سياسية يمكن لها أن تدار من خلف الكواليس؟ فدعونا نترقّب ما يحصل لأنّ ناب الحليف بجلد الحليف وكلّهم غدروا بنا وبشعوبنا وبدولنا وبقضيتنا فلسطين، ويحق للشعوب الفقيرة مشاهدة الأفلام التركية والعربية والأميركية بالمجان ولو مرة واحدة…

أستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى