القمة الرباعية في اسطنبول تخذل دي ميستورا… والرئاسة شأن السوريين الحكومة تبيت ليلتها الأخيرة في معراب… و«القومي» مع سفيرَي سورية وروسيا لعودة النازحين
كتب المحرّر السياسيّ
رفعت السلطات التركية تمنياتها بتسليمها المطلوبين في قضية قتل جمال الخاشقجي إلى مستوى الطلب القضائي، والسعودية رسمت إطار التعاون بحدود تبادل المعلومات وحصر التحقيق والمحاكمة بالقضاء السعودي ورفض الطلب التركي، ووقفت واشنطن في منتصف الطريق تطلب تحقيقاً شفافاً وكاملاً من السعودية وتدعو للبناء على القرائن التركية، بينما تتجه أوروبا والصحافة الأميركية، وربما لاحقاً تركياً إلى المطالبة بتحقيق دولي برعاية أممية.
المسلسل السعودي الطويل ستنقطع حلقاته لمدة أسبوع يقع بين الرابع والحادي عشر من شهر تشرين الثاني المقبل، حيث تدخل العقوبات الأميركية على إيران بنسختها المشدّدة حيز التنفيذ في الرابع من الشهر المقبل، وقد قالت إيران على لسان أكثر من مسؤول فيها أنها مستعدّة ولا تخشى نتائج العقوبات ومطمئنة لمبيعات نفطها المستقرة، وفي السادس من الشهر المقبل تخرج نتائج الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي وتبدأ السياسات الرسمية بالتبلور تجاه الملفات المتداولة في المنطقة والعالم خارج الحسابات الانتخابية. كما تظهر النتائج الكثير من المؤشرات حول وضع الكونغرس من جهة ومستقبل المعركة الرئاسية لتجديد ولاية الرئيس دونالد ترامب من جهة أخرى. وفي الحادي عشر من الشهر المقبل ستنعقد في باريس القمة الروسية الأميركية التي تم التوافق عليها والإعداد لها في زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون إلى موسكو الأسبوع الماضي.
انتظاراً واستعداداً للاستحقاقات المقبلة نجحت روسيا بعقد القمة الرباعية في اسطنبول التي استضاف فيها الرئيس التركي رجب أردوغان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الفرنسي أمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورغم حضور الملف السعودي في جدول أعمال القمة ومواقف المشاركين فيها، نال الملف السوري نصيبه المقرر، وكرّست القمة بوضوح سحب مصير الرئاسة السورية كموضوع تفاوضي من التداول، وتولى الرئيس التركي الإعلان عن ذلك بقوله للمرة الأولى إن الرئاسة السورية شأنٌ يخص السوريين وهم من يقرّره، وتحدد السقف السياسي للمسار التفاوضي بتوصل الحكومة والمعارضة للتوافق على دستور جديد يتم إجراء الانتخابات على اساسه برقابة أممية، تضمن أوسع مشاركة وحرية التنافس، لكن القمة التي كان الرهان الفرنسي الألماني التركي على النجاح بالخروج منها بموقف ينتصر للمبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا في خلافه مع الدولة السورية حول تسمية الثلث الثالث من أعضاء اللجنة الدستورية، خرجت بموقف خذل دي ميستورا بجعل موعد انعقاد اللجنة قبل نهاية العام، أي بعد نهاية ولاية دي ميستورا وفي عهد خليفته، ما لم يسارع للتفاهم مع دمشق على حلّ يرضيها ويضمن عقد اللجنة قبل نهاية ولايته، بصورة بدت معها الدولة السورية الرابح الرئيسي من نتائج أعمال القمة رغم المراهنات الكثيرة المعاكسة.
لبنانياً، بينما أكدت أكثر من جهة معنية بالاتصالات المرتبطة بتشكيل الحكومة الجديدة أن التشكيلة الحكومية المفترضة تبيت ليلتها الأخيرة في معراب، وأن الرئيس المكلف سعد الحريري أنهى تشكيلته الحكومية التي سيعرضها على رئيس الجمهورية ميشال عون عشية نهاية السنة الثانية من ولايته إذا تبلغ من القوات اللبنانية الموافقة على عرضه الأخير، الذي يمنح القوات نائب رئيس الحكومة وثلاث حقائب هي العمل والشؤون الاجتماعية والثقافة أو البيئة، وقالت مصادر متابعة لموقف القوات إن النقاش الداخلي الذي تشهده معراب يميل للقبول بعرض الحريري تحت شعار التملص من الإحراج الذي يهدف إلى الإخراج، وأن الحضور السياسي في حكومة ستبقى لأعوام قادمة بمعزل عن طبيعة الحقائب هو مصلحة القوات، وأن التفاوض لا يرسم سقوفاً يستحيل التنازل دونها، فعند نهاية التفاوض والتيقن من أن الخيارات باتت بين دخول الحكومة أو البقاء خارجها، فالخيار هو الدخول إلى الحكومة. أما عن تمثيل النواب السنة المنتخبين من خارج تيار المستقبل في الحكومة فقالت مصادر الرئيس الحريري إن هذا الأمر يبته الرئيسان عون والحريري قبل إصدار التشكيلة الحكومية رسمياً، ولن يشكل عقدة بينهما.
بالتوازي كان رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي حنا الناشف ورئيس المجلس الأعلى أسعد حردان يلتقيان بالسفيرين الروسي والسوري لمناقشة الأوضاع في المنطقة وسياق الإنجاز في الحرب على الإرهاب في سورية، حيث نالت المبادرات الخاصة لتفعيل عودة النازحين السوريين وفي مقدمتها المبادرة القومية حيزاً خاصاً من الاهتمام.
قد يكون اليوم هو اليوم الأخير على صعيد إقفال باب التفاوض على توزيع الحقائب، فالرئيس المكلف سعد الحريري الذي عاد منتصف ليل أمس من الأردن سيتلقى عصر اليوم جواب حزب القوات على العرض الحكومي المتمثل بحسب المعلومات بحقائب العمل الشؤون الاجتماعية والثقافة، بالإضافة الى منصب نائب رئيس مجلس الوزراء، علماً أن البعض المح الى ان القوات رغبت في الساعات الأخيرة بالحصول على حقيبة الاقتصاد او حقيبة الصناعة بدلاً من العمل، إلا ان الامور بقيت مقفلة في الرابية. فالوزير جبران باسيل رفض التنازل للقوات عن حقيبة الاقتصاد، بيد ان الامور على صعيد حقيبة الصناعة لا تزال غير واضحة، لا سيما ان المعطيات تشير الى ان هذه الوزارة باتت محط أخذ ورد الأسبوع الماضي بعدما كان حزب الله قد طالب بها الى جانب وزارة الصحة.
وعلى هذا الأساس تشير المعلومات الى ان القوات ليست متحمِّسة لطرح الحريري وستجد نفسها في نهاية المطاف أمام حل من اثنين إما القبول بما طرحه الرئيس المكلف عليها او الانتقال الى الصفوف المعارضة، وهذا ما ألمح إليه أمس نائب رئيس حزب القوات جورج عدوان في حديث تلفزيوني، عندما جزم أن «تشكيل الحكومة سيكون في الأيام المقبلة»، مشيراً الى أن «هناك احتمالاً كبيراً لعدم مشاركة القوات فيها». علماً أن الدكتور سمير جعجع سيترأس اجتماعاً استثنائياً لتكتل «الجمهورية القوية عند الساعة الثانية عشرة والنصف ظهر اليوم في معراب، لبحث آخر تطورات تأليف الحكومة واتخاذ الموقف المناسب منها، والذي على ضوئه ينتقل الرئيس المكلف الى بعبدا يوم غد الثلاثاء على أبعد تقدير لتقديم الرئيس الحريري تشكيلته الحكومية إلى رئيس الجمهورية. علماً ان مصادر مطلعة اعتبرت ان القوات اللبنانية ستمنى بخسارة كبيرة في حال عدم مشاركتها أو في حال شاركت لا سيما أنها لم تنجح في الحصول على الحقائب الوازنة التي نادت بها منذ بداية الاستشارات.
وفيما يبدو أن المشهد القواتي سيتبلور في الساعات المقبلة، فإن صورة تمثيل المعارضة السنية لا تزال غامضة، في ظل إصرار الرئيس المكلف على موقفه الرافض تمثيل أية شخصية من اللقاء التشاوري للنواب السنة المستقلين. وبالنسبة إلى الحريري فإن الأمر محسوم فإذا أراد الفرقاء تمثيل السنة المستقلين من حصته، فليفتشوا عن غيره لتأليف الحكومة.
وسط ما تقدّم، يمكن القول إن الحريري رمى الطابة في ملعب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، علما ان الاخير ليس في وارد إعطاء السنة المستقلين مقعداً وزارياً من حصته. وبحسب المقربين من بعبدا فان الرئيس عون قد يوزّر فادي العسلي عن أحد المقاعد السنية الستة في حال تفاهم والرئيس الحريري على عملية التبادل بحيث يوزّر الحريري شخصية مارونية. وتشير مصادر مطلعة لـ»البناء» الى ان النواب السنة المستقلين لم يتلقوا أي اتصال من الرئيس عون او الرئيس المكلف في شأن توزير أحدهم، فإن أحداً لم يناقش معهم موضوع مشاركتهم في الحكومة العتيدة، علماً ان حزب الله بحسب مصادره يؤكد ضرورة ان تسند حقيبة وزارية الى اللقاء التشاوري.
وأكد النائب فيصل كرامي في حديث تلفزيوني، أن لا مشكلة في أي شخصية يتم اختيارها من اللقاء لتمثيله في الحكومة المقبلة. ورأى كرامي أنه آن الأوان لتأليف الحكومة، لافتاً إلى أن «الجميع كان ينتظر تشرين بسبب الرهانات الإقليمية والخارجية، ومن كان يطالب بالحصول على 3 وزراء تراجع إلى 2، ومن كان يطالب بـ5 تراجع إلى 4».
ورأى رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد أنَّ ولادة الحكومة الجديدة ربما تكون خلال أيام وجيزة، آملاً أن تستجيب بتركيبتها لتطلعات جميع اللبنانيين. ونبّه رعد إلى أنّ أي تأخير في تأليفها لا يصبّ في مصلحة البلد. وأعلن الشيخ نبيل قاووق من جهته «أننا بتنا في أقرب وقت على مستوى تأليف الحكومة، وأن الأجواء تفاؤلية».
الى ذلك حضرت الأوضاع العامة والتطوّرات السياسية في اللقاء الذي عُقد في دارة رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي حنا الناشف والذي ضمّ رئيس المجلس الأعلى في الحزب النائب أسعد حردان وعضوي الكتلة القومية النائبين سليم سعادة ود. ألبير منصور، سفير روسيا الاتحادية الكسندر زاسيبكين، سفير سورية علي عبد الكريم علي، نائب رئيس الحزب وائل الحسنية وعميد الخارجية قيصر عبيد.
تطرّق اللقاء إلى الأوضاع في سورية والجهود التي تبذل لإعادة الإعمار وعودة النازحين، وكانت الآراء متفقة على أنّ سورية بدعم حلفائها قطعت شوطاً كبيراً في تثبيت الأمن والاستقرار، وصارت معركتها ضدّ الإرهاب على مشارف خط النهاية.
واعتبر الحاضرون أنّ ما تبقى من بؤر إرهابية في بعض المناطق السورية، يحظى بغطاء من دول غربية وإقليمية معروفة، لا سيما الولايات المتحدة الأميركية التي بذريعة محاربة الإرهاب، تحمي هذا الإرهاب وتستخدمه ذريعة لإقامة قواعد عسكرية بهدف تثبيت موطأ قدم لها تستثمره في السياسة والاقتصاد.
وفي موضوع النازحين السوريين أكد المجتمعون ضرورة إنجاح المبادرات بهذا الخصوص، وبذل جهود مضاعفة لتحقيق هذه العودة بعد أن أعادت الدولة السورية الأمن والأمان إلى معظم المناطق السورية. وفي السياق العام توقف الحاضرون عند اشتداد الهجمة التي تستهدف الدول الرافضة لمشاريع الهيمنة الأميركية ـ الغربية، واعتبروا أنّ العقوبات الأميركية على روسيا والصين وإيران، تشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليّين، ولدى الدول المستهدفة الكثير من الخيارات والإجراءات حين تقرّر الردّ بحزم.
الى ذلك تلتقي دوقة لوكسمبورغ الكبرى ماريا تريزا اليوم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس المكلف تأليف الحكومة سعد الحريري.
وستزور الدوقة، خلال فترة إقامتها في لبنان، مخيمات النازحين السوريين في البقاع للاطلاع على أوضاعهم، كما ستجري لقاءات، مع مسؤولين في منظمة اليونيسيف في بيروت.