مرّ نصف قرن من عمري وليس للبنان الرسمي فضل عليّ…
خلود الوتار قاسم
إيماني بالتراب وبالأرض، أنا مثل كلّ مواطن ومواطنة لبنانية، صامدة بالرغم من كلّ الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية التي مررت بها، أنا صامدة…
منذ نعومة أظافري وأنا أذهب الى المدرسة تحت القصف والقتل… ولبنان الرسمي مساهم… لكن لبنان الوطن مثلي يُصارع…
رسمتُ لنفسي خطوطاً عريضة وقرّرت أن أغيّر في نفسي وأخرج عن كلّ ما فُرض عليّ من تراكم تقاليد لأغيّر في مُحيطي. دخلت الجامعة الأميركية درستُ علم الاجتماع وعلم الإنسان، لكن دراستنا كانت متقطعة بسبب كثرة القتل والإجرام بين أبناء الوطن الواحد… ولبنان الرسمي مساهم… لكن لبنان الوطن مثلي يُصارع ليبقى…
أذكُر مرة أنَّ جارنا أعدم تحت شرفة منزلي… شاب كان بعمري… في غياب أمه أُعدم على الطريق.. ثم وُضع في كيس نفايات ورُمي في المستشفى، ركضت إلى المستشفى أفتّش عنه بين الأكياس المتراكمة من القتلى لأنظّف وجهه كي لا تراه أمه في حالة كهذه. منذ ذلك الوقت وأنا مصمّمة على التغيير فليس لوطني ذنب بالذي يحصل ويدور، إنما ذنب لبنان الرسمي…
أصبح هاجسي الخدمة العامة وخدمة كلّ من لا يجرؤ،
أصبح عملي نشر الوعي ومحاربة الجهل…
أصبح شغفي نشر المحبة والتآلف بين قلوب أبناء الوطن الواحد. ولكن لبنان الرسمي يعمل مناقضاً لهذه القيم، ولبنان الوطن الذي يفتّش عن نفسه بدأ يتلاشى مع تقطّع أوصاله.
لكنني عملت كافحت تطوّعت وخدمت وجاهدت لأكوّن نفسي فبنيتُ عائلتي الصغيرة وتبنّيتُ عائلات كثيرة وليس للبنان الرسمي فضلٌ عليّ…
مرّ نصف قرن من عمر السنين وأمضيتُ عمري أكافح…
في وطني أرض المياه أرض الخير والكرم ما زلت أشتري «ستيرن المي» إلى منزلي…
في وطني ما زلت أغلق نوافذ غرفتي هرباً من ضجيج المولدات ورائحة المازوت القاتلة…
في وطني وطن الحرف ووطن الثقافة أصبح العلم قليلاً والجهل كثيراً…
في وطني يموت المريض على أبواب المستشفيات وليس هناك من محاسب…
في وطني ما زال أبناء المرأة اللبنانية بلا هوية وبلا وجود، هل نحن نعي أهمية وخطورة قضية كهذه…
في وطني الفساد مستشر في كافة مؤسسات الدولة وليس هناك من مُحاسب…
في وطني «إذا ما إلك ضهر ما إلك وجود»… ممكن أن تُسجن ويضيع ملفّك في غياهب أروقة المحاكم وتبقى سنوات محبوساً من دون حكم ولا أحد يعرف شيئاً عنك… والأنكى من ذلك أنك ممكن أن تُقتل في الحبس من قبل المافيات ولا أحد يدري ما حدث…
في وطني لبنان الرسمي يُترك لمدة طويلة من دون رئيس لحسابات مذهبية أساسها شخصية وعندما تتلاقى المصالح يصبح للوطن رئيس.
في وطني تُترك الحكومة مشلولة لفترات طويلة لأنّ المكاسب الضيّقة مُتعارضة وسياسة الكيدية مُتفاقمة والشعب يموت من الجوع وحياته متدهورة…
في وطني الذي يتغنّى بدستوره، لبنان الرسمي لا يحترم دستوراً ولا قانوناً ويُخيّط الأمور ويُقولب القوانين لتُناسب مقاسه.
في وطني النواب يمدّدون لأنفسهم ثلاث دورات ضاربين بعرض الحائط كلّ القوانين والدستور والأعراف «والخير لقدام»…
في وطني يُترك البلد من دون حكومة وذلك لحسابات طائفية أساسها شخصية ضيّقة…
في وطني أنا رقم لا أعرف إذا كنت معدوداً… في وطني أنا ليس لي حقوق أنا لستُ إنسانة…
وهذا كلّه بسبب لبنان الرسمي بينما لبنان وطني يُصارع ليبقى، فينتظر خارج الوطن…
في السفارات، للحصول على الفيزا، أنا أُهان…
في المطارات… أنا لبنانية وكأنها كلمة موازية لشيء مُخيف مشبوه بالإضافة إلى كوني درجة ثالثة في الإنسانية…
في المحافل الدولية… أفتخر لأنني أمثل بلدي الذي عملت كلّ عمري في خدمته، ولكن أجد لبنان الرسمي قد سبقني في الوجود فأجد ترتيب وطني في أسفل اللوائح من الإنجازات والعمل الدؤوب والتغيير، ذلك لأنّ لبنان الرسمي يذهب إلى المؤتمرات بهدف السياحة والترف، بالإضافة إلى الرسوم التي تُدفع للرسمي لكي يمثّل الوطن!
ترتيبنا في اللوائح العالمية على جميع الأصعدة والمجالات هو شيء مخزٍ ومُهين إلى أقصى درجة…
السؤال هنا، من ذا الذي يجعل لبنان الرسمي رسمياً؟ من ذا الذي يُكلّف هذا أو ذاك في منصب يُسخّره لمصلحته الخاصة ولملذّاته؟
من ذا الذي يسمح لهذا أو ذاك أن يغتصب خيرات وطني؟
من ذا الذي يسمح لهذا أو ذاك أن يُختصر وطني في اسمه؟
من ذا الذي أعطى هذا أو ذاك صك ملكية الوطن ليبيع ويشتري فيه كيف ما يشاء؟
ألسنا نحن مَن نأتي بهؤلاء؟
ألسنا نحن مَن نخاف أن نغيّر؟
كيف من الممكن أن تكون الأوضاع أسوأ من ذلك؟ فلنتجرّأ ونجرّب التغيير، كفانا إهانةً وذلّا…
نريد أن نُعيد للوطن كرامته…
نريد أن نعمل جميعاً بيدٍ واحدة ونُبعد أفكارهم الخبيثة عن فكرنا…
نريد أن نغيّر…
نريد أن نكون في هذا الوطن كتلة واحدة مجبولة مع بعضها وليست مُتعايشة في حالة طارئة…
نريد أن نكون رجلاً وامرأة متساويين في الحقوق والواجبات.
نريد أن نحاسب كلّ من يتجرأ ويتعدّى على حقوق كلّ مواطن ومواطنة…
نريد أن نعيش بسلام مع أنفسنا ومحيطنا… لم نعرف في تاريخنا سوى الأزمات والخضّات والحروب…
نريد أن نُطّور وأن ننتج وأن نحقق…
نريد أن يبقى أولادنا في الوطن وأن يكونوا هم «دينامو» التطور والتقدّم…
نريد أن نرفع رأسنا في وطننا وفي الخارج ونقول: أنا لبناني… أنا لبنانية…
فكلّ إنسان مسؤول…