«قصة أحداث يوم الجمعة من «بيت جن» حتى «شبعا»
يوسف المصري
خلال يوم الجمعة الماضي اجتاز لبنان بحسب مصادر أمنية وسياسية قطوعاً خطراً كان يهدد بانتقال مشهد الحرب الدائرة في منطقة القنيطرة السورية وضمنها منطقة بيت جن إلى مناطق العرقوب وشبعا اللبنانية. وتورد هذه المصادر لـ«البناء» تفاصيل ما حصل على النحو الآتي:
خلال بدايات الأسبوع الماضي كانت المعلومات الاستخبارية اللبنانية، تؤكد أن منطقة بلدة بيت جن السورية المشتملة على مزارعها ومجموعة بلدات وقرى مقطونة من مسلمين سنة وموحدين دروز، ستشهد احتداماً للمعارك بين لجان الحماية الدرزية المتحالفة مع الجيش العربي السوري وميليشيات «الجيش السوري الحر» المحتلة لبلدة بيت جن، وذلك بعد تعاظم تعديات مجموعات الأخيرة على قرى درزية قريبة للبلدة. وتقدر ميليشات «الجيش الحر» في منطقة بيت جن بنحو خمسة آلاف عنصر يقودها المدعو «المورو» الذي توجد لديه علاقات تنسيقية مع مجموعات «جبهة النصرة» الموجودة في منطقة القنيطرة. وهذه الأخيرة تعمل بغطاء استخباراتي وعسكري «إسرائيلي».
وسارعت الأجهزة الأمنية اللبنانية منذ يوم الخميس الماضي باتخاذ إجراءات أمنية وعسكرية في منطقة شبعا والعرقوب المقابلة لمسرح احتدام المعركة المرتقبة في بيت جن السورية ومزارعها، وذلك من باب التحسب لحصول أي انعكاسات لها على تلك المنطقة.
وتفيد المعلومات أن «لجان الحماية الدرزية» بدأت يوم الجمعة هجوماً على منطقة بيت جن بغطاء مدفعي وجوي من الجيش العربي السوري، وخلال تقدم إحدى «وحدات الحماية» في تلك المنطقة وقعت بكمين أدى لاستشهاد نحو 11 من عناصرها. وعندما حاولت مجموعات أخرى من «الحماية» التقدم لسحب الشهداء تم استهدافهم من قبل «الجيش السوري الحر» بناء على معلومات سربتها لـ«قوات المورو» «جبهة النصرة» التي حصلتها بدورها من الاستخبارات «الإسرائيلية».
وصلت أنباء ما يحدث في منطقة بيت جن إلى منطقتي راشيا وحاصبيا وشبعا، وتضمنت هذه المعلومات ارتكابات بشعة نفذتها ميليشيات «الجيش الحر» التابعة «للمورو» بحق مواطنين دروز و«لجان الحماية الدرزية». وكل ذلك كان يجري بفضل تحالف ثلاثي ناشئ في هذه المنطقة بين «الجيش الحر» و«النصرة» والاستخبارات «الإسرائيلية» وهدفه تهجير دروز منطقة القنيطرة لمصلحة إنشاء منطقة عازلة «إسرائيلية» على الأراضي السورية مقابل الجولان المحتل. وأيضاً إنشاء ممر يربط بين درعا على الحدود الأردنية والقنيطرة على الحدود مع فلسطين المحتلة. ويحتاج مشروع الربط هذا إلى ضرب الوجود الدرزي العربي في هذه المنطقة الرافض له أو أقله إخضاع إرادته.
وتضيف هذه المعلومات أن طائفة الموحدين في سورية سواء في إدلب أو في السويدا والقنيطرة ترفض زجها بمشروع «المورو» و«جبهة النصرة» الهادف للاستعانة بـ»إسرائيل» من أجل فرض معادلة سيطرتها على ما يسمى بالجبهة الجنوبية الممتدة من درعا للقنيطرة.
وتعتبر أحداث القتال التي حصلت يوم الجمعة في بيت جن ومزارعها وقراها، تطوراً مهماً في دفاع الدروز الموحدين في تلك المنطقة عن وجودهم وأيضاً عن قرارهم المناهض للسيناريو «الإسرائيلي» المطروح بخصوصها.
معلومات عن امتداد أحداث بيت جن إلى شبعا
علمت «البناء» أن لدى الأجهزة الأمنية اللبنانية معلومات حديثة تفيد بوجود تخطيط للهجوم على كل من بلدتي شبعا في البقاع الغربي وراس بعلبك في البقاع الشمالي. الأول تخطط للقيام به كل من «داعش» و«النصرة» والثاني تنوي القيام به ميليشيا «المورو» الجيش السوري الحر و«جبهة النصرة» الموجودة في منطقة القنيطرة.
وتفيد هذه المعلومات أن مجموعات «جبهة النصرة» في القنيطرة وميليشيا «المورو» في بيت جن المتحالفين تحت مظلة الاستخبارات «الإسرائيلية»، تعتزمان استخدام بلدة شبعا كملاذ خلفي لوجستي لها، وذلك على نحو يكرر تطبيقات خطة «داعش» و«النصرة» لجعل بلدة عرسال كملجأ لوجستي لعناصرهما المنتشرة في جرود عرسال والقلمون.
وخلال القتال الذي حصل يوم الجمعة الماضي في منطقة بيت جن بين «لجان الحماية الدرزية» وميليشيا «المورو»، حاولت الأخيرة جس نبض إمكانية تطبيق مبدأ جعل شبعا ملاذاً لوجستياً آمناً لها، فأجرت اتصالات مع جهات لبنانية من أجل السماح لنحو 11 جريحاً من عناصرها سقطوا خلال المعركة، لدخول شبعا لتلقي العلاج في مستشفيات لبنانية.
ومن المهم في هذا السياق رصد كيفية ردود فعل القوى السياسية اللبنانية على هذا الطلب، لكونه يسلط الضوء على أن الموقف السياسي اللبناني لا يزال يعتريه خلل عدم توحده بمواجهة عدم السماح للإرهابيين في سورية باستخدام بلدات لبنانية حدودية كساحات خلفية لوجستية لها.
وبحسب معلومات لـ«البناء» فان رئيس الحكومة تمام سلام كان لبعض الوقت مستجيباً لطلب «الجيش السوري الحر» بإدخال مسلحيه الـ 11 إلى شبعا للمعالجة، ولكنه عاد عن موقفه بعد تمعنه بمضمون التقدير الأمني اللبناني المحذر من أن هذه الخطوة ستؤدي إلى رد فعل عنيف من أهالي منطقتي راشيا وحاصبيا اللبنانيتين الغاضبين من ارتكابات «النصرة» و«الجيش الحر» ضد أبناء جلدتهم الدروز السوريين في منطقتي القنيطرة وبلدات يقطنونها في منطقة بيت جن، لا سيما أن هاتين المنطقتين تعيشان في هذه اللحظات حالة غليان نتيجة استشهاد نحو 11 من أبنائها خلال قتال يوم الجمعة في تلك المنطقة.
وتضيف هذه المعلومات إن قرار رئيس الحكومة سلام أمكن تعديله بعد إطلاعه على التداعيات الممكن حدوثها في حال سمحت الحكومة اللبنانية لجرحى «الجيش الحر» بدخول شبعا، وبخاصة لجهة رد فعل دروز لبنان على هذا الأمر.
وأمكن إيصال نفس هذه الرسالة إلى رئيس بلدية شبعا الذي كان في بداية الأمر حائراً تجاه الموقف الذي عليه أخذه من طلب «الجيش الحر». والثابت في هذا المجال أن الجماعة الإسلامية التي لها نفوذ في منطقة شبعا حاولت خلف الستار وعبر اتصالات أجرتها أن تخلق لوبياً محلياً في شبعا ورسمياً لبنانياً، يضغط باتجاه القبول بإدخال جرحى ميليشيات «الجيش الحر» لبلدة شبعا ليصار إلى معالجتهم في مستشفيات المنطقة.
وتثمن المصادر عينها في هذا المجال موقف قيادة الجيش التي رفضت إدخال جرحى «الجيش الحر» إلى شبعا، تحسباً من أمرين أولهما أن إدخالهم يهدد بنقل ما يحدث في منطقتي القنيطرة وبيت جن إلى المنطقة اللبنانية المقابلة لها، خصوصاً أن نسيجهما الاجتماعي متشابه. وثانيهما أن قيادة الجيش لا تريد أن تكرر في شبعا نفس معادلة عرسال.
كما تثمن هذه المصادر موقف تيار المستقبل في تلك المنطقة الذي لم يتعاطف مع توجه الجماعة الإسلامية لإدخال الجرحى الـ11 إلى شبعا.
شبعا وعرسال
هل انتهت عاصفة شبعا التي كادت أن تنفجر بفعل أحداث يوم الجمعة الماضي، والتي تم إخمادها نتيجة حكمة قيادة الجيش التي اقترحت كحل وسط: الاستعاضة عن إدخال الجرحى إلى شبعا بإرسال الصليب الأحمر اللبناني لمساعدة جرحى «الجيش الحر» حيث هم داخل الأراضي السورية؟
… أقله بحسب المعلومات المتوافرة للأجهزة الأمنية اللبنانية فان منطقة شبعا قد تشهد هجوماً تشنه «النصرة» و«الجيش السوري الحر»، ومرشح أن يتزامن مع هجوم تشنه «النصرة» و«داعش» ضد بلدة راس بعلبك.
وخلال الساعات الأخيرة وجد هذا السيناريو مستندات مادية تدعمه. وهي تمثلت بمعلومات تفيد عن قيام «الجيش الحر» باستقدام تعزيزات عسكرية من منطقة درعا إلى بيت جن ومزارعها.
.. أيضاً توافرت معلومات عن اجتماع جرى بإشراف «إسرائيلي» بين قيادة «المورو» في بيت جن وبين قيادة «النصرة» في القنيطرة لتنسيق خطواتهما العسكرية في هذه الجبهة المتصلة والمقابلة لمنطقة العرقوب وشبعا اللبنانية. ولا تستبعد هذه المصادر أن تكون الاستخبارات «الإسرائيلية» هي التي بادرت لعقد هذا لاجتماع وذلك لتوحيد جهدهما العسكري معروف أنه في منطقة بيت جن الإمرة العسكرية لـ«الجيش الحر». في حين أنه في منطقة القنيطرة الإمرة العسكرية لـ«النصرة» ولو على نحو غير مرئي .
ثمة أمر هام يخضع حالياً لتشخيص دقيق من قبل الأجهزة الأمنية اللبنانية، مفاده أن أي هجوم لـ«النصرة» أو لـ«الجيش الحر» على بلدة شبعا لا يمكن حدوثه من دون ضوء أخضر «إسرائيلي». وتحديداً من دون سماح «إسرائيل» للمهاجمين باستخدام الأراضي التي تسيطر عليها للوصول إلى شبعا. فبيت جن تبعد عشر ساعات سيراً على الأقدام عن شبعا، ولا يمكن مهاجمتها عبر عربات رباعية الدفع لأنه لا توجد طرقات معبدة بين النقطتين. وتتركز الخشية في هذا المجال على أن تسمح «إسرائيل» للمهاجمين من «النصرة» و«الجيش الحر» باستخدام أراضيها ليصلوا إلى بركة النقار أو نقاط أخرى تبعد عن شبعا مسافة دقائق فقط. وهناك معلومات تفيد بأن نصائح وجهت مؤخراً للدولة اللبنانية كي تقوم باتصالات دولية للتدخل مع «إسرائيل» بهدف تحذيرها من مغبة سماحها للمسلحين في منطقة بيت جن باستخدام أراض تسيطر عليها للهجوم منها على شبعا!