رهانات معركة الشتاء في سورية

بسام رياحي

تسير العمليات العسكرية بوتيرة متصاعدة في سورية خصوصاً في ريف دمشق حيث يستخدم الجيش السوري كثافة نارية غير مسبوقة، ووسائل جديدة ككاسحات الألغام والقنابل الحاملة للمناظير والوحدات الخاصة… عملية «درع العاصمة» حققت مكاسب استراتيجية للقوات السورية المقاتلة من خلال دفع جيوب الخطر المسلح وغرف عملياتها من واجهة العاصمة دمشق.

يتابع الجيش السوري تقدمه في محاور عديدة على رغم جسامة التحدي والجهد العسكري والتضحيات، خصوصاً على مستوى المنطقة الوسطى والتراجع آواخر آب بعد الاختراق الحاصل في مقر الفرقة 17 وسقوط مطار الطبقة على مستوى الرقة شرقاً بيد مسلحي «داعش» والاستيلاء على ذخائر مهمة ومعسكرات للتدريب ومستشفيات ميدانية.

نفذ الجيش عملية مناورة بالقوات وإخلاء لتأمين ما تبقى من قوى بشرية وعتاد من مطار الطبقة العسكري ونجحت بعد تضحيات عناصر التأمين من الفرق المدافعة.

الآن تتجه الأنظار إلى معركة الشتاء في سورية، كل التقديرات والرؤى الاستراتيجية تشير إلى أهميتها وربما فداحتها، كونها ستكون حاسمة في تقرير وضعية الجبهات ومعنويات القوات في ظل الزخم السياسي والاستعلاماتي الكبير المضاد بطبيعة الحال، وبالتالي عندما تفتح العمليات العسكرية الأبواب للسياسة سيكون سقف التفاوض لمصلحة الطرف المتفوق على الأرض. فعندما ندقق في خريطة العمليات العسكرية في سورية نتنبه إلى عديد النقاط.

على مستوى ريف دمشق، لا تزال المجموعات المسلحة متمركزة على شريط يقيها من وطأة النار والقصف المدفعي، وتستخدم شريطاً جبلياً لتأمين الإمدادات من خلال الحاضنات اللوجستية على مستوى البقاع اللبناني حتى طرابلس شمالاً.

في المنطقة الوسطى، فإن مركز ثقل «النصرة» و»الجبهة الإسلامية» في إدلب بخاصة وحمص تطحن هذه المجموعات بعضها بعضاً للتمركز وتأمين منطقة نفوذ استراتيجي بعد تصفية جماعة حسان عبود المعروفة «بأحرار الشام».

شمالاً على مستوى حلب حيث يوجد مقاتلو «داعش» يقادون من الفراش إلى النار في «عين العرب»، وينتج من ذلك استقدام إمدادت مهمة للتنظيم من الرقة ودير الزور تجعل من خلفيتهم عارية مع استماتة الأكراد السوريين وفتح خط إمداد من العراق وتركيا نسبياً على رغم أنف أردوغان والعدالة والتنمية وبالضغط المسلط عليه.

هاجم «داعش» أخيراً حقل الشاعر بحمص، وحاول القادة الميدانيون للتنظيم التمويه على القدرات بالهجوم لتثبيت القوات السورية الرابضة هناك وإرسال إشارات نفسية لمنع التقدم باتجاه معسكرات «داعش» التي غدت رخوة باستنزاف جبهة الشمال… الوضعية تفرض على الجيش ترتيب أوراقه الاستراتيجية والتحكم الرشيد في موارده البشرية واستغلال وسائل تفوقه.

معركة الشتاء معركة ضدّ المناخ أولاً، حيث تخضع الجغرافية السورية لتقاطعات مناخية، حيث يتسرّب الهواء الجاف البارد المؤذي إلى تلال الريف والمناطق المرتفعة بعد الخروج من نطاق الدائرية المناخية المتوسطية الرطبة على مستوى طرطوس واللاذقية الساحل السوري هذه المناطق هي نواة محصنة للإمدادات. أين تنزل الأسلحة الروسية؟ في ميناء طرطوس، الذي هو خط إمدادات تعلن به موسكو رفض سقوط دمشق ربما منذ عهد الرئيس السوفياتي أندروبوف الذي قام ببناء سلاح الجو السوري بعد معركة سهل البقاع ضد العدو «الإسرائيلي» في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد.

ثانياً، وكنتيجة لقسوة المناخ خصوصاً الجاف المؤذي كلما تدرّجنا من الغرب إلى الشرق، يحتاج الجيش السوري إلى خط إمداداتي متين، يعني عليه فك حصار الوحدات المدافعة حتى ينتقل للهجوم الإيجابي الذي يفتح طرق الإمداد والتطوير لتطويق العدو في مناطق ثباته العسكري.

نتحدث هنا خصوصاً على المنطقة الوسطى ريف حمص الغربي ودير الزور وريف حلب شمالاً التي يسعى فيها الجيش إلى فرض واقع عسكري تقليدي بعيداً من حرب مدن وعصابات قاسية يتيح له التفوق.

ثالثاً، تفوق القوات السورية سيكون من خلال قوة وسائطه النارية وسلاح الجو، معركة الشتاء ستتيح نزول المجموعات المسلحة من التلال والمرتفعات تحت تأثير البرد، هنا على الجيش الانقضاض الناري الكثيف وجعلهم في نطاق ناري غزير ومميت يؤمّن اندفاع القوات والتثبيت استراتيجياً.

كلّ هذه القراءات ستغدو مهمة إذاً في ذهن العسكريين الميدانيين السوريين مع ضرورة تعاون وتكامل مع أجهزة الاستخبارات التي ستصبح مطالبة باختراق حاضنات الإرهابيين بعينها والتي سيزيد نشاطها في الشتاء تبعاً لمنطق الإمداد، وبالتالي الدخول في عمليات خصوصاً لتفكيك غرف العمليات وإرباك قيادتهم واتصالاتهم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى