الحريري احتوى شارعه ولم يُغلق باب الحلّ…

محمد حمية

لم يأتِ كلام الرئيس سعد الحريري كما اشتهى وتوقع كثيرون، بل جاء تحت سقف المتوقع، فحملة التهويل الإعلامية التي سبقت عقد المؤتمر تبدّدت بعد دقائق من بدء الحريري حديثه الذي اتسم بالهدوء والواقعية السياسية، ليتبيّن أنّ هدف التصعيد الإعلامي هو تحسين الموقع التفاوضي للرئيس المكلف أمام حزب الله وسنة 8 آذار.

فيبدو أنّ رئيس الحكومة العتيد نزل عند نصائح الرئيس نبيه بري والوزير جبران باسيل خلال الجلسة التشريعية بعدم اللجوء الى التصعيد، فلم يخرج عن ضوابط التسوية وربط النزاع مع حزب الله ولم يَمسّ الشروط الضمنية للاتفاق بين حارة حريك وبيت الوسط على عودة الحريري الى السراي الكبير.

ولم يخلُ مؤتمره من رسائل إيجابية باتجاه الضاحية عبر لفتة الترحيب الذي خصّ بها مراسلة قناة «المنار»، وحاذر الصدام مع الحزب بقوله: «البلد يستأهل التنازل والتضحية»، وكأنه يجدّد التسوية مع الحزب، مستعرضاً محطات تنازله وسيره عكس التيار والطائفة. فزعيم الأغلبية السنية لم يتوجّه الى حزب الله بقدر ما خاطب تياره السياسي والشعبي، فكان «التون الخطابي» كما المضمون السياسي متوازناً، فمن جهة استثار القاعدة السياسية والطائفية عندما قال «أنا بَيْ السنة في لبنان وأعرف مصلحتهم وكيف أدافع عنهم»، وكان حاسماً برفض كسره في عقدة تمثيل سنة المعارضة، ومن جهة ثانية لم يرفض الحوار حول هذه النقطة، فهو خير العارفين بأنّ إقفال أبواب بيت الوسط على الحلول يعني أنّ أبواب السراي الحكومية ستبقى موصدة أمامه الى قيام الساعة، أما خيار الاعتذار بالنسبة للحريري فأشبه بالانتحار السياسي…

أما عن المفاوضات والحلول فأوحى كلام الشيخ سعد بأنّ هناك مساعي جدية للحلّ واقتراحات عدة يجري تداولها لم تصل الى خواتيمها، وآثر إبقاء مضمون النقاش بينه وبين باسيل، غير أنّ مصادر اللقاء التشاوري رفضت التعليق على كلام الحريري مشيرة لـ«البناء» الى أنّ «أيّ موقف لن يصدر إلا بعد اجتماع اللقاء بعد عودة بعض أعضائه من السفر»، وقد عمّم اللقاء على أعضائه عدم إصدار مواقف فردية.

وإذ لم يصدر أيّ موقف من حزب الله علمت «البناء» أنّ قيادة الحزب قرّرت عدم الردّ، إلا أنّ مطلعين على موقفه يلفتون لـ«البناء» الى أنّ «الحزب لم يتلقف كلام الحريري باستياء ولم يغيّر في العلاقة القائمة بين الطرفين ولا في المعادلة الجديدة منذ انتخاب الرئيس عون حتى الآن»، موضحة أنه ملتزم موقف حلفائه وأيّ حلّ يقبلون به يرتضيه». غير أنّ الحلّ المرجح هو أن يوزّر أحد النواب الستة أو من يسمّونه من حصة رئيس الجمهورية.

ونفى الحريري الخلفية الخارجية لموقف السيد حسن نصرالله، بل وضع العقدة السنية في إطار الخلاف على إدارة البلد والصلاحيات الدستورية، ورفض الحريري اتهام نصرالله احتكار السنة ما اضطره الى كشف مضمون اتفاقه مع الرئيس نجيب ميقاتي في الحكومة ما يُفسّر رفض الأخير الالتحاق باللقاء التشاوري ودعم الحريري مقابل نيله وزيراً في الحكومة، إضافة الى الاتفاق المعروف بين رئيسي الجمهورية والحكومة بتبادل وزير سني بآخر ماروني.

فرغم إسهابه في كيل المدائح لعون، إلا أنّ الأخير لم يسلم من شظايا الحريري الكلامية، فأصابه سهم عبر اتهام الحزب بتعطيل المؤسسات الدستورية لعامين ونصف في إشارة الى انتخاب رئيس الجمهورية، ما يدفع للتساؤل ألم يعطل الحزب الانتخاب كرمى لعيون عون الذي يدافع عنه الحريري اليوم؟

وكان لافتاً حضور صقور المستقبل المؤتمر من الرئيس فؤاد السنيورة الذي لم يجد كرسياً فارغاً وانتظر وقوفاً بعض الوقت قبل أن يتكفّل المنظمون إجلاسه في مكانه، ثم حضر النائب السابق أحمد فتفت الذي يعيش في «عزلة سياسية» منذ عامين تقريباً كما حضر النائب السابق خالد الضاهر والوزيران معين المرعبي وجمال الجراح، فخُيّلَ لهؤلاء للوهلة الأولى بأنّ الحريري سيرفع منسوب خطاب التحدّي في وجه حزب الله لعلهم يستعيدون دوراً فقدوه في المشهد السياسي منذ التسوية الرئاسية حتى الآن، ليظهر بعد دقائق معدودة عندما اعتلى الحريري المنصة بأن تمنيات ورهانات الصقور الزرق لم تكن أكثر من سراب، فخيّم الذهول والخيبة على وجوهمم لعلهم كانوا يتوقعون من الحريري أكثر.

حضور رؤوس حربة المستقبل في بيت الوسط يدعو للتساؤل: لماذا لم نرَ هذا الحشد السياسي الكبير خلال أزمة احتجاز الحريري؟ ولماذا الحريري نفسه لم «يبق البحصة» في تلك المرحلة ويرفع اليوم من لهجته ضدّ الحزب بسبب موقف سياسي؟ أليست السعودية مَن حاول كسره وإنهاء حياته السياسية وربما الشخصية؟ ووقف خصومه السياسيون آنذاك معه بعكس حلفائه من القوات اللبنانية وبعض المستقبليين الذين أيّدوا استقالة «رئيسهم» بدلاً من المطالبة أولا بعودته سالماً الى لبنان؟

غصّت القاعة بالحضور من سياسيين نواب ووزراء حاليين وسابقين وإعلاميين من وسائل الإعلام المختلفة وكأن مواقف الحريري النارية سبقته الى الداخل قبل أن يتبيّن العكس، أما السياسيون فملأوا فراغ الانتظار بتبادل المصافحات والقبل، فدخل الحريري على وقع التصفيق والتحميس والتجييش لعله يُثلج قلب البعض بمواقف تُغيّر المعادلة الإعلامية والسياسية في الداخل.

الإرباك الحريري في توزيع المقاعد الوزارية انسحب على المنظمين في توزيع مقاعد الحضور ما اضطر المنظمين الى إحضار مقاعد اضافية لاستيعاب الحشد. أما الأكثر واقعية فكان النائب السابق أحمد فتفت الذي قال إن «الحريري لا يستطيع فعل ما يفعله ولا قول أكثر مما قاله»، مشيراً لـ«البناء» الى «أنني أؤيد الرئيس الحريري برفض توزير سنة 8 آذار كما أؤيده بعدم الاعتذار تحت أي ضغط»، وعن مدى قدرة الرئيس المكلف على إعلان الحكومة من دون حزب الله وسنة اللقاء قال: «من الناحية الدستورية يستطيع لكن في الحسابات السياسية والواقع الحالي لا يمكنه ذلك»، وعن عودته الى المشهد السياسي أجاب فتفت: «لن أعود، وابني سامي سيكمل المشوار».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى