ماذا تقول مواجهات غزة للبنانيين؟
ناصر قنديل
– خلال يومين شهد قطاع غزة مواجهة نوعية بين قوى المقاومة وجيش الاحتلال. المواجهة بدأت بعملية نوعيّة لمخابرات الاحتلال داخل غزة، نجحت المقاومة بمنعها من تحقيق أهدافها وكانت الحصيلة شهداء فلسطينيين ومقتل ضابط مخابرات صهيوني رفيع الرتبة وجرح آخر، ولم تكتف المقاومة بهذه الحصيلة بل نظمت رداً نوعياً في اليوم التالي تجسّد باستهداف مواقع الاحتلال والمستوطنين بعشرات الصواريخ ليضاف للحصيلة مقتل جندي وإصابة آخر. وعاد بنيامين نتنياهو على وجه السرعة قاطعاً زيارته لباريس واجتمع بمجلسه الأمني المصغر، وكان الرد شن غارات إسرائيلية على غزة، وتواصل إطلاق الصواريخ، وأعلنت المقاومة أنها سترد بمدى أبعد ونوعية أشد قوة من الصواريخ إذا تواصل العدوان، خصوصاً بعدما أظهرت المواجهات محدودية قدرة القبة الحديدة في تعطيل صواريخ المقاومة من جهة، وضعف القدرة الاستخبارية للاحتلال الذي تورّطت مخابراته بعملية تبين أن المقاومة جاهزة لمواجهتها، بينما أطلقت المقاومة صاروخاً حرارياً تمكّن من بلوغ هدفه المرصود بعناية وهو حافلة تنقل عشرات الجنود، فأصابها ونجا الجنود بأعجوبة لمغادرتهم لها قبل دقيقة من إصابتها واحتراقها بصورة كاملة.
– هذه الوقائع برسم الذين يفترضون أن ميزان الردع الذي تملكه المقاومة في فلسطين، وفي لبنان بصورة أشدّ وأقوى، قد اهتزت بفعل العقوبات على إيران، أو بفعل التعاون والتطبيع بين كيان الاحتلال وحكام الخليج. فالمواجهة التي شهدتها غزة تقول شيئاً واحداً، وهو أن اليد العليا في أي جولة حرب صغيرة أم كبيرة لا تزال لقوى المقاومة، وأن كيان الاحتلال أمام مأزق العجز المركب، العجز عن احتمال الصمت على تنامي مقدرات قوى المقاومة، والعجز عن استهداف هذه المقدرات دون التورط في مواجهة يجد نفسه مضطراً لوقفها بشروط المقاومة، وعجزه عن صدّ صواريخ المقاومة، كما عجزه عن تحدي المقاومة في الميدان الاستخباري.
– خلافاً لكل الأوهام التي يتم الترويج لها، يثبت أن معادلات القوة في المنطقة وتوازناتها راجحة بصورة ثابتة لصالح قوى المقاومة، وأن المعسكر المقابل الذي يمثله تحالف كيان الاحتلال وحكام الخليج مأزوم وعاجز، رغم ضخامة ما يمتلك من مقدرات مالية وتسليحية. ففي سورية هذا التحالف يخرج من المعادلة، وفي فلسطين مصاب بالعجز، وفي اليمن من فشل إلى فشل، بل إن هذا الحلف عاجز عن إطلاق عملية سياسية عنوانها رعاية أميركية لما عرف بصفقة القرن، لأن قوى المقاومة نجحت في تعميم ثقافتها في صفوف شعبها، وباتت هذه الثقافة رادعاً يمنع إيجاد أي شريك فلسطيني في هذه الصفقة، أما في لبنان فالذين يتوهّمون ويروّجون أن حزب الله في أزمة فهم في حالة غيبوبة عن الحقائق والوقائع التي لا مجال لتعديلها، وهي أن المقاومة في لبنان تعيش زمن الانتظار الهادئ لحصاد زرعها، وهذا مصدر قدرتها على تحمّل كل هذه الهيستيريا التي يعيشها حلف خصومها الداخليين وأعدائها الخارجيين، الذين يرسمون لأنفسهم أحلاماً وأوهاماً ويريدون تصديقها، وحقيقة غزة الساطعة تقول ما يجب أن يفهموه، أن زمن الهزائم قد ولى وزمن الانتصار تجلّى، والحديث عن كون لبنان في دائرة الخطر من عدوان إسرائيلي كلام يجب أن يشطب من الخطاب السياسي، لأن مبرره الوحيد هو عدم منح العدوانية الإسرائيلية شهادة براءة ذمة، لكن الحقيقة الثابتة هي أن لبنان خارج دائرة الخطر، وإن تجرأ بنيامين نتنياهو وعساكره بالذهاب في غزة إلى مواجهة أوسع فسيرون العجب العجاب، وهو ليس إلا بعض البأس الذي ينتظرهم عندما يحاولون العبث مع المقاومة في لبنان.
– لبنان أمام خطر وحيد، هو الخطر في الجبهة التي لا تتولى المقاومة حراستها، ويتولى ادعاء حراستها خصوم المقاومة منذ ثلاثة عقود. وهي الجبهة الاقتصادية والمالية والاجتماعية، ووفقاً لكلامهم هم، لم تكن النتيجة إلا فاتورة دين يبلغ مرحلة الخطر، ووضعاً اقتصادياً يصفونه هم بشديد الخطورة، وحافة الانهيار، وعلى هؤلاء أن يتعظوا من الخبرة العظيمة التي تقولها تجربة المقاومة في ما تولته من مسؤولية وفازت فيه بالنصر العظيم، ويعرفوا أنه قابل للتكرار في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، وعنوان الخبرة هو الثقة بالشعب واحترامه، وعدم السماح بربط مصيره بتسديد فواتير للخارج، أي خارج.