حزبان يتزاملان الطريق… وحزب ثالث
ناصر قنديل
– في هذه الأيام يحتفل حزب البعث العربي الاشتراكي في سورية بذكرى إعادة التأسيس التي تمثلها الحركة التصحيحية التي قادها الرئيس الراحل حافظ الأسد، وأرست لسورية قواعد القوة والحضور التي خاضت بها حروبها وانتصرت، ولا زالت تنتصر، ويحتفل الحزب السوري القومي الاجتماعي بذكرى تأسيس الحزب على يد الزعيم الراحل أنطون سعادة. وهذا التزامن الذي قد يبدو مجرد مصادفة بلا معنى يستحق التوقف أمامها، يصير له معنى ونكهة خاصة عندما نرى الحزبين اللذين تنافسا وتخاصما لعقود بعد تأسيسهما، قد تصالحا وترافقا الطريق وتزاملا بعد إعادة التأسيس التي قادها الرئيس حافظ الأسد لحزب البعث، والمراجعات التي أجراها القوميون لكثير من محطات تتصل بتصويب موقعهم في جبهات الصراع منذ رحيل المؤسس أنطون سعاده.
– جوهر ما جمع الحزبين كان ما هو جوهر عقيدتيهما، حشد طاقة الأمة نحو بوصلة الصراع الوجودي الذي يمثله التحدي الصهيوني التقسيمي والعدواني، ولا مشكلة في أن يرى القوميون الأمة بحدود سورية التاريخية وهي القاعدة الجغرافية والتاريخية التي يعتبرها البعث نواة النهضة العربية، كما لا مشكلة في أن يرى البعث الأمة بحدود ما بين المحيط والخليج وهو ما يعتبره السوريون القوميون الاجتماعيون وفقاً لنظرية مؤسس حزبهم سعاده إطاراً لا غنى عنه لتنسيق وتكامل استراتيجي في المدى الحيوي للأمة السورية. وكان هذا الجوهر للتلاقي المستمر والمتواصل في مسيرة الحزبين، رغم تجمّد بعض الحزبيين هنا وهناك على نكء نقاش عبثي حول قضايا عقائدية في زمن امتزجت فيه دماء البعثيين والقوميين في معارك الدفاع عن سورية بمثل ما سبق وامتزجت في معارك المقاومة والدفاع عن لبنان.
– في منتصف الطريق تلاقى الحزبان مع حزب ثالث يقود مسيرة المقاومة اليوم هو حزب الله، الذي يحمل نظرية الأمة الإسلامية، ولم يفسد الخلاف في الودّ قضية. فالحزب الثالث، الأول في المقاومة حول التلاقي إلى عقيدة، عندما استبدل معادلة العمل الحزبي القائمة على وحدة الهوية وتعدّد الأهداف بمعادلة وحدة الهدف والهويات المتعددة، فكان أمينه العام أول من إبتكر مصطلح الأمتين العربية والإسلامية، فيما كان الإسلاميون والعروبيون يقتتلون لنصف قرن تحت عنوان أمة عربية أم أمة إسلامية، وحول حزب الله هذا المفهوم العملي والنظري للتلاقي إلى نظرية كاملة، بتمييز الإسلام المقاوم عن الإسلام التكفيري الذي تموضع في المشروع المناهض للأمة سواء كانت سورية أم عربية أم إسلامية، فنشأت جبهة مقاومة قومية إسلامية عالمية، في مواجهة جبهة موازية تضم عرباً ومسلمين ولبنانيين وسوريين، وتقف واشنطن على خط نهايتها، ويختصر التهاون مع خطر الاحتلال جوهر هويتها، وصولاً إلى الاستعداد بالتصريح والتلميح للتعاون مع كيان الاحتلال.
– الجيش العقائدي الذي صنع النصر في سورية هو جيش البعث، وحزب الله الذي شارك في صناعة النصر السوري وصنع النصر المقاوم في لبنان هو حزب العقيدة الإسلامية، والحزب السوري القومي الإجتماعي الذي شارك في صناعات الانتصارات وقدّم التضحيات في كل الجبهات هو حزب عقيدة سعاده القائمة على الإيمان بالأمة السورية وأهليتها للوحدة وقدرتها على الانتصار، وقد جمعتهم بوصلة واحدة حاضرة بقوة في كل مفردة هي فلسطين.
– الاحتفال في هذه الأيام هو احتفال لفلسطين بوصلة لا تعدّل وجهتها قوة.