هل الحريري رئيسٌ لحكومة لبنان؟
د. وفيق إبراهيم
يمزجُ الرئيس المكلّف بتشكيل الحكومة سعد الحريري بين الخاص المتصل بعلاقاته خارج مجلس الوزراء و»العام» المرتبط بترؤسه أهم مؤسسة دستورية تنفيذية في البلاد، فيضع ولاءاته السياسية الخارجية في موقع المتحكم بدوره كرئيس لحكومة لبنانية لها مصالحها التي قد تتناقض احياناً مع ارتباطات الشيخ سعد العربية والإقليمية.
الملاحظ حتى الآن أنه لم يتمكن من التمييز بين «بيت الوسط» و»السوليدير» والأملاك البحرية وبين السراي الحكومي والقصر الجمهوري ومجلس النواب ولا يفرّق بين لقاء في الشارع مع سياسي أو دبلوماسي معادٍ للسياسة السعودية وبين احتفال باستقلال لبنان كان الى جانب رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري يتقبّلون التهاني من السياسيين والبعثات الدبلوماسية. فكيف يُمكن لرئيس حكومة في بلد مستقلّ أن ينسحب فجأة من موقعه الى جانب الرئيسين كي لا يجد نفسه مضطراً الى مصافحة السفير السوري، ويعود الى مكانه بعد رحيله.
للتوضيح فإن لبنان يقيم علاقات دبلوماسية عادية مع سورية ولديه سفارة فيها، ولديها سفارة في بيروت معتمدة تمارس مهامها الدبلوماسية بكل حرية وتنسج علاقات مع معظم الوسط السياسي اللبناني.
فهل هذا أمر طبيعي ما يكرره الشيخ سعد من رفض لمصافحة السفير بهذا الشكل الذي يوحي وكأن سورية ولبنان ليسا على وفاق أو يشوب العلاقات بينهما تراكمٌ كبير من التدهور؟… فلو كان الأمر على هذا النحو لكانت العلاقات بينهما مجمّدة أو مقطوعة وبما أنها ليست كذلك، فإن ما يفعله الشيخ سعد كل عام في الأعياد الرسمية يشكل مخالفة دستورية خطيرة تتطلب مراجعته فيها من قبل الرئاسات الأخرى.
فهل يجوز لرئيس حكومة لبناني أن يعادي سفير دولة معتمدة في بلاده لأسباب غير لبنانية! وليست أيضاً شخصية.
وهذا يجعل من السهل الاستنتاج بأن هذا السلوك سببه ولاء الشيخ سعد للسياسة السعودية المعادية لسورية. الامر الذي يتسبب بفضيحة كبيرة عنوانها هو التالي: هو سعد الحريري رئيس لحكومة لبنان أو موظف في ديوان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان؟
وكيف يمكن لدولة الإمارات الأقرب الى السعودية من رئيس حكومة لبنان أن ترسل وفداً الى دمشق التقى معظم المسؤولين فيها، وكذلك الأردن الهاشمي الذي أوفد بدوره سياسيين قابلوا عدداً من الوزراء السوريين.
أما عُمان فلا تزال وثيقة الصلة بالرئيس بشار الأسد من دون نسيان الجزائر والعراق الذي يدفع بعلاقاته مع سورية نحو تنسيق شبه كامل، عسكرياً وسياسياً، ولولا الألاعيب الأميركية التي تحاول إرباك بغداد لكانت علاقاتها الجيدة بدمشق تحوّلت أكثر من مجرد تنسيق عابر.
أما مصر أكبر بلد عربي فعلاقاتها بالدولة السورية مستمرة وتتطوّر بسرعة على الرغم من الضغوط السعودية والأميركية عليها.
فماذا تبقى من دول هامة؟ جيبوتي والصومال والسعودية وبعض البلدان المرتبطة بالأميركيين والمال السعودي…
يكفي سورية فخرأً إنها تستقبل المنظمات الفلسطينية من كل الأنواع وتحمي قضية فلسطين منذ تشكلها في النصف الأول من القرن الماضي ولو أرادت سورية التوقيع على صلح مع الكيان الغاصب لانتهى الصراع العربي الإسرائيلي على الرغم من الأحلاف التي تشكلت بين الأميركيين والسعوديين والإسرائيليين على قاعدة صفقة القرن الذائعة الصيت… ولمزيد من الأدلة عودوا الى خطابات الرئيس الاميركي الأخيرة التي تحدث فيها بطلاقة على أن دعمه لولي العهد السعودي محمد بن سلمان مفيدٌ للحلف الأميركي السعودي الإسرائيلي… فإلي أين يقود «السعد» لبنان إذاً؟
وهل يحق له عدم مصافحة السفير السوري في موقف رسمي لبناني القصر الجمهوري ومناسبة رسمية لبنانية عيد الاستقلال لمجرد نيل ثقة إضافية من محمد بن سلمان وعلى حساب مصلحة لبنان؟
يتضح اذاً، أن ممارسات «السعد» ليست دستورية على الإطلاق، وبما أنه يكرّرها كل عام فيتوجب ايجاد آلية تعيده الى دائرة الاهتمام بمصالح بلاده واحترام آلياته الدستورية؟
كيف يمكن تصحيح هذا الخلل الدبلوماسي؟ وماذا يفعل الشيخ سعد إذا أقفلت سورية حدودها مع لبنان وسحبت بعثتها الدبلوماسية؟
وماذا يقول لأبناء الطبقات الفقيرة والوسطى المرتبطة بالعلاقات الاقتصادية مع سورية؟
ولعله لا يهتم بمصير هؤلاء مفضلاً نيل استحسان ولي العهد الذي تحوّل فضيحة على المستوى العالمي بعد اغتياله الإعلامي جمال الخاشقجي في قنصلية السعودية في اسطنبول.. ولولا التغطية الاميركية التي أمنها له ترامب لكان منفياً في منطقة نائية ومعزولاً من منصبه. لكن الرئيس الأميركي كان واضحاً عندما أكد ان ابن سلمان ضرورة للاقتصاد الاميركي و»إسرائيل» في آن معاً.
كيف يمكن حل هذه المعضلة لحفظ كرامة الدولة السورية التي تسامحت مع جهات لبنانية موالية لسعد الحريري كانت ترعى الإرهاب المعادي لها في شمال لبنان ولم تكشف مدى تورط حزب المستقبل فيه؟
بالإمكان مناقشة سعد الحريري من خلال رئاسة المجلس النيابي وصولاً الى رئاسة الجمهورية تحت شعار أن سورية ليست بحاجة الى إقرار مصالحة مع الشيخ سعد، لكنها لا تقبل بالإساءة اليها من خلال التهرّب من مصافحة سفيرها في مناسبة رسمية لبنانية.
واذا كان النقاش غير مفيد، فإن على حزب الله وأمل والقوى الوطنية والقومية مناقشة رئاسة الجمهورية في هذا الموضوع، والطلب من رئاسة المجلس النيابي مقاطعة سفراء السعودية والإمارات مع دعوة رئاسة الجمهورية الى عدم السماح لرئيس الحكومة بتقبل التهاني في المناسبات الرسمية.
كما أن على التيار الوطني الحر التضامن مع القوى الوطنية في هذا المطلب المتعلق بكرامة اللبنانيين التي يسحقها رئيس الحكومة كرمى لإبن سلمان.
لذلك فإن الحل موجود عند القوى الوطنية والقومية لحفظ كرامة لبنان من خلال احترام ممثل لدولة سورية قاتلت سبعين دولة لا تزال تدعم أكبر قوة إرهابية جرى تحشيدها على مدار التاريخ وسقط هؤلاء، وبقيت سورية عزيزة مرهوبة الجانب لا تأبه بصغار الأفعال وتجسد نموذجاً للدولة الموفورة الكرامة.