أسئلة لعيون الرئيس ميشال سليمان
ناصر قنديل
لا أريد الدخول هنا في مساجلة مع الرئيس السابق ميشال سليمان ولا توجيه الردود على كلامه ولا توجيه أي اتهامات لشخصه، علماً أن كل ذلك ممكن ومشروع، مع شخص يطلق مواقف تفتح الشهية على السجال والردود والاتهامات.
سأكتفي بتوجيه أسئلة لعيون الرئيس ميشال سليمان.
يريد سليمان تخصيص محطات كلامية لإيصال رسائل من نوع أنه لم يسمع بهبة للجيش اللبناني الذي يقول أن «قلبه عليه» من غير السعودية، فهل يستطيع أن يواجه ويضع عينه في عيني وزير الخارجية السابق عدنان منصور الذي كان سفيراً للبنان في طهران، أو لمن يجرؤ من بين أكثر من عشرين وزيراً حضروا الجلسة التي طلب خلالها الوزير حسين الحاج حسن رداً رسمياً على العرض الإيراني؟
يريد سليمان الإيحاء بأنه زاهد بالرئاسة ويذكر شهوداً بلا أسماء عن سفراء ومسؤولين فاتحوه بالرغبة بتمديد ولايته وهو من رفض، بينما يعلم سليمان أن التمديد كان أمراً مقضياً بالسلب ولو أبلغ موافقته على طلبات ورغبات شهوده المجهولين، لأن الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصرالله والعماد ميشال عون وكل حلفائهم كانوا قد حسموا الأمر سلباً منذ زمن، فلا يبقى من قيمة الرواية إلا ما يريد سليمان قوله عن الزهد بالرئاسة فهل هو كذلك؟ هل يستطيع أن يضع سليمان عينيه في عيني، ويقول إنه لم يبلغني في منتصف نيسان 2008 عتبه على قوى الثامن من آذار التي يعتبر أنه حليفها، ومن كنفها وكنف المقاومة وسورية، ويتوقع دعمها لوصوله للرئاسة، خصوصاً أنه نجح في جعل من يعتبرهم خصوماً يقبلونه؟ وهل يضع عيونه في عيوني ويقول إنه لم يبلغني تعهدات طلبتها منه لأتمكن من مساعدته في تذليل العقبات التي تتسبّب بتحفظات فرقاء الثامن من آذار، ومنها التزامه بتقاسم الزعامة في ضفة والرئاسة في ضفة بينه وبين العماد ميشال عون، ومنها تقديم الضمانات التي تريدها المقاومة لأمنها، بما فيها آلية تسمية قائد الجيش الجديد، ومنها التوازن في سلوكه بين قادة الثامن من آذار وقادة الرابع عشر من آذار، ولإنعاش الذاكرة، هل يضع سليمان عينيه في عيني ويقول إنه لم يطلب من مدير المخابرات آنذاك السفير جورج خوري، إرسال رئيس مخابرات عاليه للوقوف على ملاحظات النائب طلال إرسلان ورغباته؟
ماذا يتبقى من رواية سليمان عن السابع من أيار ورأيه في قتال حزب الله في سورية، سوى تعهّده لجهة ما، بشن حملات متتالية تنال من هيبة حزب الله وموقعه وموقفه، ولست في وارد النقاش والمساجلة كما قلت، بل لسؤال عيني ميشال سليمان، يقول كلاماً كهذا من لا يشعر بالدين لحزب الله في بلوغ الرئاسة، التي يفترض أنها لم تكن هدفاً لسليمان الزاهد، فهل يملك رواية قادرة على إقناع أحد بأنه ليس مديناً لحزب الله بالرئاسة لست سنوات، أمضاها في قصر بعبدا، كيف كان يمكن تعديل الدستور بلا موافقة ثلثي مجلس النواب ومن دون مشيئة رئيس المجلس ودعم حزب الله، والأهم كيف صار سليمان رئيساً، بترشيح عمار حوري له؟ أم بقوات عمر سليمان وحسني مبارك؟ يستطيع الرئيس إميل لحود أن يقول أنه صار رئيساً ومدد ولايته الرئاسية من دون منة من أي فريق في لبنان ومن دون أن يطلب ذلك من أحد أو يناقش ذلك مع أحد، وأن القيادة السورية فاتحته بالمرتين، وأخذت على عاتقها الأمر، وتم هكذا، لكن هل يستطيع ميشال سليمان أن يقول شيئاً مشابهاً، هل يجرؤ على وضع عينيه في عيون أحد ليقول أنّ رئاسته لم تكن نتيجة سعيه وتعهداته المتقابلة للأطراف اللبنانيين؟ وإلا فليضع عينيه في عيون اللبنانيين في إطلالة تلفزيونية يقدم فيها روايته لدخوله قصر بعبدا بناء على اقتناع الشعب اللبناني برؤيته الفلسفية ومؤلفاته أو رواية ثالثة لا نعرفها وتتشوق عيوننا لرؤيته يرويها.
يستطيع سليمان شيئاً واحداً، وهو أن يقول لسورية والمقاومة، لست الوحيد الذي خدعكم، فأنا ورجب أردوغان وأمير قطر ورئيس وزرائه فعلنا الشيء نفسه، وقفنا معكم في مرحلة الخديعة، عندما كانت مهمتنا تقتضي التقرب منكم ومن جمهوركم، وعندما حانت ساعة الطعن في الظهر وصدرت الأوامر فعلنا ذلك ولم يرف لنا جفن، ولا أقمنا حساباً للود ولا للوفاء ولا للصداقة، وها نحن نكمل الهجوم من موقعنا في معسكرنا الذي ننتمي إليه، والذي يستدعي مني ألا أتقاعد كرئيس سابق وأن أدعي أنني أتابع رسالة وطنية، وأنا أعلم أن الذي يدفع بدولة كالسعودية لوضع ثلاثة مليارات دولار، هي هبة للجيش اللبناني، في عهدتي، بدلاً من سلوكها الطريق التقليدي للهبات، هو موقعي في هذا المعسكر والمهام التي يجب أن أؤديها، وكذلك الطلب من الفاتيكان لينظم حفل استقبال لتسليمي وساماً تقليدياً يسلمه سفراء الفاتيكان عادة مع صورة تذكارية، لأن المطلوب صناعة هالة مسيحية لم أنجح بالحصول عليها أثناء رئاستي لأن من تبنيتهم كحلفاء وما اتخذته من مواقف، كانت جزءاً من المناخات لقدوم «داعش» و«النصرة» باسم «إعلان بعبدا» الكائن العبقري العجيب الهادف عملياً لجعل لبنان منصة دعم لمن سميتهم ثوار الشعب السوري، وفلسفت العلاقات المميزة على هواي لأجلهم، بينما «إعلان بعبدا» هو ما يصفه نائب الرئيس الأميركي جو بايدن، بإحدى مساهمات حليفي السعودية وتركيا بالحرب على سورية، التي قال إنها كانت السبب في نمو الإرهاب الذي يحمل سكين التهجير بوجه المسيحيين.
يستطيع سليمان أن يقول ما يشاء، لكنه لا يستطيع أن يضع عيونه في عيون أحد، ويستطيع أن ينال ترشيح من يقفون وراءه لمنصب رئيس مجلس حكماء العالم، لكنه لن ينال قناعة شعبه أنه كان حكيماً في إدارة شؤون بلده.
سيكتب التاريخ أن المسؤولية هي فرصة للسياسي لنيل احترام من عجز عن نيل ثقتهم ونيل ثقة من عجز عن نيل قناعتهم وقناعة من عجز عن نيل رضاهم، وأن السياسي الفاشل هو الذي يخرج من المسؤولية وقد خسر قناعة وثقة واحترام الجميع، ولم يبق له إلا رضا آني مصدره المستفيدون كباراً وصغاراً.