الصديق المخرج والممثل المسرحي والاستاذ الجامعي زياد فهد ابو عبسي

لم يكن رفيقاً، انما وهو ربيب عائلة قومية اجتماعية، فقد كان صديقاً للعديد من القوميين الاجتماعيين، ولم يسجل عليه انه تناول الحزب في اي من مواقفه. انه المخرج والاستاذ والممثل الذي خسرته الحركة الثقافية مؤخراً زياد ابو عبسي.

كان والده الرفيق فهد من بين اوائل الذين انتموا في بلدة «راشيا الفخار»، وخاله الامين عادل يعقوب عجيمي 1 كان اول رفيق ينتمي من ابنائها وهو وراء انتماء الامين نواف حردان، ليكون باني العمل القومي الاجتماعي.

شقيقه الاكبر طارق كان انتمى في الستينات 2 قبل ان يغادر الى الولايات المتحدة فيستقر.

عرفتُ زياد منذ صغره وقد كانت تربطني اواصر من المحبة مع والده الرفيق فهد ومع كل العائلة.

في رحيله الباكر والمفاجئ أعيد نشر النبذة المعممة في وقت سابق عن الرفيق الاديب والشاعر فهد ابو عبسي، وفيها نبذة عن ولده «زياد»، متقدماً من اشقائه الرفيق طارق، من العزيزين الهام وسالم، ومن الاستاذ الجامعي الدكتور سهيل عادل يعقوب وكل انسبائه واصدقائه في «راشيا الفخار» وخارجها بأبلغ مشاعر التعزية، والحزن على رحيله..

هوامش:

1 – عادل يعقوب عجيمي: تولى في الحزب مسؤوليات عديدة، منها مسؤولية رئيس مكتب عبر الحدود. كان ضليعاً في الترجمة من والى اللغة الانكليزية، وهو وراء ترجمة العديد من الكتب، والكراريس الحزبية. للاطلاع على النبذة المعممة عنه الدخول الى موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info

2 – طارق ابو عبسي: انتمى في الستينات عندما كنت رئيساً لمكتب الطلبة، وبهذه الصفة زرت «راشيا الفخار» و «مرجعيون» والعديد من المدن والبلدات والقرى اللبنانية. اذكر ان الرفيق جبران العدس انتمى في فترة انتماء الرفيق طارق الذي غادر لاحقاً الى الولايات المتحدة فيما غادر الرفيق جبران الى مونريـال في كندا، ثم غادر إليها شقيقه الرفيق انعام متولياً العديد من المسؤوليات الحزبية . كنت شاهداً على انتماء كليهما.

الرفيق الاديب والشاعر فهد ابو عبسي لم يكن من الشعراء الذين يحسنون تسويق انفسهم والتعريف بإنتاجهم. فهو رغب ان يصدر مؤلفه الاول « نشيد الانشاد»، وقد صاغه شعراً، باسم عبد المسيح السائح. فمرّت سنوات قبل ان يكتشف عالم الادباء والشعراء في لبنان ان عبد المسيح السائح، الذي طربوا لشعره، هو الرفيق فهد ابو عبسي.

انـتـمـاؤه

يروي الامين نواف حردان في كتابه « على دروب النهضة « ان الرفيق فهد هو الثاني الذي ادى قسم الانتماء في بلدة راشيا الفخار. اما الاول فهو الامين عادل يعقوب العجيمي.

في تلك الفترة الصعبة من العام 1941، عندما كانت السلطات الفرنسية تعتقل قوميين اجتماعيين ووطنيين، وتزج بهم في معتقل « المية ومية «، ادى الرفيق فهد ابو عبسي قسم الانتماء في مرصد الجامعة الاميركية، بحضور الرفيق الدكتور فايز صايغ، طالب الفلسفة في حينه، والامينين عادل يعقوب وعجاج المهتار.

بعد انتماء الامين يعقوب والرفيق ابو عبسي، تتالت الانتماءات في بلدة شهدت حضوراً حزبياً مشعاً، فانتمى الامين نواف حردان، والرفقاء فؤاد حنا، سالم صليبا، ميشال العدس، وبعد ايام: جرجي الغريب ابو علي ، نعمة الله حردان، سعد رزق، فايز متري، يوسف العدس، رجا ابو سمرة، ناظم العدس، وحليم حردان 1 .

وان كان جميع الرفقاء المذكورين آنفاً قد فارقوا الحياة في المهجر او في الوطن، فان الرفيق ناظم العدس ما زال في صحة جيدة، يسير الكيلومترات يومياً، ويحتفظ بذاكرة قوية وذهن وقاد.

باستثناء توليه مسؤولية مدير مديرية الحدث، عندما عمل في مؤسسة « راديو اوريان « 2 ، فان الرفيق فهد لم يتول مسؤوليات حزبية، الا انه بقي طوال عمره مؤمناً بقضية الحزب، مجاهراً بها، عاملاً على نشرها في كل مكان استقر فيه.

شـعــره

اصدر الرفيق فهد ابو عبسي مؤلفين: «نشيد الانشاد»، و«ملحمة جلجامش «التي صاغها كما نشيد الانشاد شعراً، وكان يهيىء لصدور ديوانه «قربان القلوب « الذي يضم مجموعة من قصائده، عندما وافته المنية.

لا تـسأل القلب عن حال يواسيهِ،

ولا جريح الاسى عما يعانيهِ

فقْدُ الاحبة مأساة ونازلة،

خطب مريع، ولا خطب يضاهيه

قالوا: هوى النسر، قلت الصدر موطنه،

والروح تحضنه والقلب يحميه

لكنّ لله في احكامه وَطَراً

والمرء ليس برادٍّ حُكْمَ باريه

فَغرَّب النجم خلف الافق مرتحلاً

ذكرى تعيش على امجاد ماضيه

وغاب وجه الرضى، لم يبق منه سوى

وماد صرح المعالي من رواسيه

وناحت الارض واشتاقت مدلّلها

مثل القطيع اذا ما غاب راعيه

وجئت اطلبُ لم اعثر على احد،

فرحت اسأل عنه في نواديه

سألت عنه صروح الكِبْرِ فانتفضت

تخشى الفراغ وتشكو من خوافيه

سألت عنه سراة القوم فانذهلوا،

لقد تخلف عن لقيا محبيه ؟!

سألت عنه قطوف الكرم فانتحبت،

وأدْمُعُ الكرم فاضت من مآقيه

سألت عنه رفاق العمر، لم يجبوا،

فبت في حيرة مما انا فيه،

حتى اذا صورة عن كربنا وضحت

شرقت بالدمع والآهات ابكيه

بكيت خلاً وفياً لا نظير له،

في الود والصدق لا خل يجاريه

للحق كان نصيراً، لم يخف عدلاً،

تقلد الخير في اسمى معانيه

وفي الحقول من الاغراس ملحمة

تحكي الجمال وللأجيال ترويه

سماحة الخُلق بعضٌ من شمائله،

ووقفة العز غيضٌ من مراميه،

والحلم والرفد مبغاه ومنيته،

وابن الحياة كبيرٌ في امانيه

وجاء في الحلم يوصيني، ويسألني

عن كل فرد وعن احوال اهليه

قال ارثني بقصيدٍ، قلت: وا لهفي !

من خال يوماً بأني سوف ارثيه

وصغت من مهجتي شعراً، ومن كبدي

رثا وفاء تهادى مع قوافيه

رفيق عمري، وكان العمر مرتهناً

بواجب ملزم جئنا نؤديه

فلا تلم طول حزني ان بدا وَهَناً

فالجمر يمعن حرقاً حيث نُلقيه

يأتي الذميم ويقضي عمره وجلاً

يجامل الدهر خوفاً من عواديه،

اما الكريم فلا حدٌّ لطاقته،

عن عزمه إن نوى لا شيء يثنيه

يبني ويزرع مغبوطاً بلا كللِ

لا الموت يرهبه، لا السقم يضنيه

كنت الكريم ولم تبخل بنافله،

كنت الابي تمادى في تساميه

صنت الامانة، لم تطمع بجائزة،

ومنهل البذل لا اغراء يغويه

وقفت عمرك اقداما وتضحية،

طرحت خبزك حتى في الاثاويه

مقدام، ذكرك حيّ، عاطر، ارج

كنفحة الطيب او عَبْق الافاويه

وطيّبُ الذكر يبقى خالداً ابدا،

حتى اذا مات طيب الذكر يحييه

قبل ذلك كان منكباً على انهاء « ملحمة سعادة»، الا ان القدر لم يرحمه، فلم يدعه يحقق حلمه الكبير.

والجدير بالذكر ان «نشيد الانشاد» صدر عن «دار ابعاد» عام 1984، و « ملحمة جلجامش» عن « مكتبة بيسان» عام 2000.

نختار من قصائده الكثيرة، القصيدة الرائعة التي كان القاها في راشيا الفخار، في مناسبة نقل رفاة الامين جورج معلوف 3 الى ضريح جديد، ليرقد الى جانب رفاة ابنه الشهيد الرفيق يوسف 4 .

طيّب الذكر يبقى خالدا ابدا

بطاقة هوية

ولد الرفيق فهد سالم ابو عبسي في راشيا الفخار عام 1923.

والدته: رحمة عواد من راشيا الفخار.

متأهل من الرفيقة ناهية يعقوب اول رفيقة في راشيا الفخار وشقيقة الامين عادل يعقوب عجيمي .

خريج المدرسة البطريركية الكاثوليكية في صيدا.

التحق بالجيش الفرنسي كجندي بحار، ثم انتقل للعمل في راديو اوريان، وعام 1954 باشر عمله في شركة التابلاين.

اولاده:

– الرفيق طارق: حائز على شهادة دكتوراه في التغذية وادارة الفنادق.

– الرفيق سالم: مهندس ميكانيك.

– زياد: المخرج المسرحي والاستاذ الجامعي والحائز على شهادة دكتوراه في الاخراج المسرحي.

– الهام: الحائزة على شهادة ماجستير في الادارة التربوية.

– اشقاؤه:

– سعد في البرازيل

– ناهية متأهلة من بني العدس

– نديمة متأهلة من الرفيق ناظم العدس

– ماري متأهلة من شفيق بديوي والد الرفيقين انطون وعبد الله

بحكم عمله في التابلاين انتقل الرفيق فهد وعائلته للاقامة في منطقة المية ومية صيدا .

وافته المنية في 06/01/2002، وفي كانون اول 2009 وافت المنية الرفيقة ناهية يعقوب، وقد صلي على جثمانها في الكنيسة الانجيلية في صيدا، وَوُوْرِيَت الثرى في مدافن العائلة في راشيا الفخار.

وكما كان شقيقها الامين عادل يعقوب اول رفيق ينتمي الى الحزب في راشيا الفخار، فان شقيقته الرفيقة ناهية هي بدورها اول رفيقة.

يفيد عنها شاعر «منتدى حرمون» المواطن الصديق عبود فضول، وكان تتلمذ طفلاً على يديها، انها «كانت مدرّسة ابتدائية، في الشويفات وفي راشيا الفخار».

وكانت محدثة، لبقة، تتميز بالذكاء، بالحضور اللافت وبالشخصية القومية.

بعد رحيلها، اهدى الشاعر عبود فضول قصيدة «الى معلمته الغالية التي غابت جسداً وبقيت روحاً واحلاماً عذاباً، اخترنا منها الابيات التالية:

غابــت معلمتـي فالموت قد ظلم

جرحٌ عميقٌ وهذا الجـرح ما التـأمَ

فَبَلسَـمُ القلب طيفٌ عاد يغمرنــا

نوراً يبدّدُ عتـم الليل والظُّلَــــمَ

إن غابت الشمس عاد الصبح مبتسماً

في الارض بشـرى اذا ما نورها ابتسمَ

شمس الطبيعة كم تسمـو مشاعرها

موتاً تحدَّثْ وعادت تمسح الألــم

تغـدو الحياة رجاءً حين نفهمهــا

والموت يغدو سراباً بعـدما انهـزمَ

يا طيف أنت الدُّنى جاءت ببسمتها

كالطفل عُدتُ وكفي تمسـك القلـم

قربي معلمتي في قولها عِبَـــرٌ

في صوتها أملٌ كم قارب النغــمَ

إني مدينٌ لمنْ كانت معلمتــي

منها عرفت معاني الخير والقيــمَ

منها عرفت نعيم الله في وطنـي

وكيف أرفع في آفاقه العَلَـــــمَ

منها سمعت كلام الله أطربنـي

حالاً عرفت جمال القول والحـكـم

إذا نسـيت فلن أنسى معلمتـي

طيفاً أراها يحاكي الطيّب النسـمَ

الدكتور زياد ابو عبسي

برع ابنه زياد في المسرح، الى جانب تدريسه الجامعي. عنه هذا المقطع من مقال طويل في جريدة « الاخبار « بتاريخ 15/08/2011.

« ولد عام 1956 في صيدا، لعائلة اصلها من بلدة راشيا الفخار الجنوبية. كانت الطفولة هائنة. « كنا نتمشى كثيراً، ونقضي امسيات ساحرة عند درج الكنيسة الانجيلية على طريق المية ومية «. تلميذ المدرسة الانجيلية، كره الرياضيات، لكنه قرأ « اصل الانواع « لداروين، و « جمهورية افلاطون « وهو في الرابعة عشرة. كان يجمع « الخرجية «، ويستقل الباص من صيدا الى ساحة رياض الصلح في بيروت، حيث يشتري الكتب من بائع يراعيه في السعر لصغر سنه. في ذلك العمر اليافع، بدأت تتكوّن ميول الصبي. في موازاة القراءات الفلسفية، بدأ محاولاته التمثيلية الاولى في حضن « جمعية كشاف لبنان «، التي انتسب اليها.

حتى اليوم، لا تزال السهرات حول النار في المخيم، حاضرة في ذاكرته ولم تفقد رونقها. « هي احلى شيء في حياتي «، يقول.

الظروف هي التي املت عليه خطواته الاكاديمية الاولى. في عام 1974، التحق بقسم المحاسبة والادارة في «الجامعة اللبنانية الاميركية « وكانت يومها تحمل اسم «كلّية بيروت للبنات»، لأن مجموعه في البكالوريا خوّله ذلك، ولأنه اختصاص سيتيح له ايجاد عمل بسهولة وكسب المال، لكن سنوات الارقام والمحاسبة لم تمرّ من دون مسرح وتمثيل.

على مسرح الجامعة، تعرّف ابو عبسي الى ادباء وكتّاب، منهم الاديبة اللبنانية الراحلة روز غريّب، التي

« يستحق نتاجها الادبي المزيد من الدراسة «. شارك في مسرحية من تأليفها بعنوان « فينيانوس بالضيعة «.

نشاطه في المسرح الجامعي دفع باستاذته صفيه سعادة عام 1977 الى اصطحابه للقاء الرحباني الابن، الذي كان نجمه قد بدأ يلمع في تلك المرحلة.

ذلك اللقاء سيثمر تعاوناً طويل الامد بين الاثنين، كان اولى ثماره اداءُ ابو عبسي دور هارولد في « بالنسبة لبكرا شو « عام 1978. في العام نفسه، التحق ابو عبسي بقسم المسرح في الجامعة ذاتها. هناك، قام بتجربته الكتابية الاولى عام 1979، وكانت مسرحية « الشمع «. اتخذ العمل منحى فلسفيا في طرح مبدأ التشكيك، حاملاً البذور الاولى لمشاغل ابو عبسي التي سترسم لاحقا تخصصه في الفلسفة. « رغم ان طريقة زياد الرحباني تختلف عن طريقتي، استمتعت بالعمل معه انطلاقاً من التزامي مبدأ الولاء للكاتب «، يقول ابو عبسي، الذي شارك في جميع اعمال زياد الرحباني المسرحية منذ عام 1978: من « فيلم اميركي طويل « 1980 ، و « شيء فاشل « 1983 ، الى « بخصوص الكرامة والشعب العنيد « 1993 و « لولا فسحة الامل « 1994 .

الى جانب تلك المشاركات، كانت له تجارب مسرحية مع مخرجين آخرين، مثل يعقوب الشدراوي في « جبران والقاعدة «.

هوامش:

1 – والد كل من حضرة رئيس الحزب الامين اسعد حردان، الرفيق الشهيد عزيز والرفيقين رامز وجريس.

2 – تقع في منطقة خلدة الشويفات.

3 – من سنديانات الحزب في راشيا الفخار. يحكى الكثير عن نضاله الحزبي ومواقفه.

4 – سقط شهيداً في بلدة المتين عام 1976.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى