الحزب السوري القومي الاجتماعي فكرة وحركة لا تعرفان الأفول

حسين ريدان ـ ملبورن

86 عاماً مضت على ولادة الحزب السوري القومي الاجتماعي كحقيقة إنسانية – مجتمعيّة، تاريخيّة – وجوديّة بحتة، عملت على دحر الظلمة بإزالة سواتر الشكّ عن عقولنا كأبناء الحياة لينطلق سبيلها نمواً وخلقاً وإبداعاً وترقياً ونهوضاً، فنقصي من خلالها على ما يعيق مسيرنا القومي، ونحارب بالدماء الحارة ما يتهدّد مصيرنا، ونهدم بإيماننا العقدي القومي قبل سواعدنا كافة الحواجز والمتاريس بين مختلف الطوائف والمذاهب والطبقات، ونمضي تحرّراً وتحريراً لعمل قوميّ أسمى وأجدى لحياتنا القوميّة نحقق من خلاله مقاصدنا وأغراضنا العليا، ويصبّ بلا ريب في المصلحة المحسوسة المعيّنة للأمّة السوريّة التي لا يضاهيها أيّة مصلحة أخرى، والتي تتشارك فيها مصالح وحاجات الملايين من أبناء سورية مشاركة فاعلة ناهضة معبّرة في آن عن شخصيتنا الاجتماعية دوراً وحضوراً ووجوداً، وعن حقيقتنا القوميّة هويّة وانتماء، وعن مواهبنا وآمالنا المثلى شرفاً وعزّاً ومصيراً.

فأنطون سعاده الذي انطلق في تأسيسه للحزب السوري القومي الإجتماعي إبّان ثلاثينيات القرن الماضي من ذلك المجتمع السوري المتهالك، والهائم في شواغل الماضي السحيق من الانحلال والتخاذل والتصادم والانحطاط، والمستعر بأحزابه السياسية التقليدية، والصريع بحزبياته الدينية العمياء وأحقادها الوبيلة، والغارق بسراديب الأمس الرتيب، والمعلّق على جدران اليأس والقنوط والإحباط، والتابع خبط عشواء لتيّارات وأفكار خارجة عنه إرادته انشطاراً وانقسامات وأفقدته لهويته القوميّة الحقيقيّة في السيادة والوجود والإنتماء، رأى فيه غياباً دامياً لا متناهيَ للوعي القومي الذي من خلاله فقط تشيّد سفينة النجاة المشرّعة قيماً وأخلاقاً ومبادئ ومناقب وتعاليم سوريّة قوميّة اجتماعيّة تعيد الوصال القومي بين أبناء المجتمع السوري، وتعدّ المجاذيف للإبحار بسورية الأمة وشعبها الأبي صاحب الحضور الدائم عبر محاكاة وجدانه القومي وإيقاظه لحقيقته التاريخيّة الإثنيّة الوجوديّة الحضاريّة بغية العبور التام إلى المكان الذي يليق حيث الحياة بكلّ خيرها وعزّها وجمالها مطلباً صراعيّاً نبيلاً مشرّفاً، وهدفاً سامياً جليلاً.

ولمّا كان الحزب السوري القومي الإجتماعي، كما عرّفه أنطون سعاده في خطابه الشهير عام 1935 المحاضرات العشر أنّه فكرة وحركة تتناولان حياة أمّة بأسرها، إنّه تجدّد أمّة توهّم المتوهّمون أنّها قضت إلى الأبد، لأنّ العوامل العديدة التي عملت على قتل روحيّتها القوميّة كانت أعظم كثيراً من أن تتحمّل أمّة عادية نتائجها ويبقى لها كيان أو أمل بكيان، إنّه نهضة أمّة غير عاديّة – أمّة ممتازة بمواهبها، متفوّقة بمقدرتها، غنيّة بخصائصها – أمّة لا ترضى القبر مكاناً لها تحت الشمس . ولد الوضوح التامّ في التعريف عبر تعيين كليّ لحقيقة بيّنة المعالم والأمداء. حقيقة دأبت على إشهار نوره في كافة الميادين وأنحية الحياة، زعيماً فذّاً خالداً، ونهضةً هزّت قروناً فعلها يقيني بتغيير مجرى التاريخ، وعقيدة حياة نلهج بها ونمضي بهديها، ويتراءى جلياً الانتصار الفعلي الوجودي للحزب السوري القومي الإجتماعي ديمومة وبقاء وانتشاراً وتجذّراً وفعلاً آخذاً في التنامي بمرتكزات وقواعد فكريّة – حركيّة ذهبيّة صقلت قوميّاً وعقائدياً ومناقبياً، فأينعت ثماراً وارفة الجهاد في صروح الأمّة السوريّة وميادينها ومحطاتها التاريخيّة من خلال وقفات عزّ سطّرت بدماء الولاء والانتماء للأمّة السوريّة، والانضواء التام في مؤسّسات حزبها والاحتكام لقوانينه وأنظمته الدستوريّة في عقيدة حياة تتماشى مع الواقع الحياتي للأمة بشتّى مكوّناتها في عملية توجيه لمسارها الحياتي القومي، وتحريك لقواها الكامنة، وتوظيف كلي لطاقاتها وثرواتها وخيراتها ومرافقها ومواردها، للتسامي بها إلى مراقي المجد والفلاح والسؤدد

هذا المدى الشاسع أفقاً عند أنطون سعاده، سواء أكان في شخصيته القياديّة المنقطعة النظير أو في إرثه الحياتي -الاستشهادي وما اكتنف من نشوء أممي، وصراع فكريّ، وعطاء أدبيّ، وفيض أخلاقيّ، وإقدام بطوليّ فدائيّ تأسيسيّ لسورية أمّةً وشعباً، شكّلت جمعاء ركيزة رئيسية كضامن حصين منيع في حماية الحزب السوري القومي الإجتماعي بفكره وحركته أمام نوازل الدهور العاتية وتقلباتها في بيئة تواجده التي تعجّ شيعاً وطوائف ومذاهب وقبائل وعشائر وما شاكل، فكانت النهضة التي بعث بها أنطون سعاده، بفكرها وحركتها وبكافة تعاليمها وأهدافها السامية سفينة نجاة لا تقتصر قط على إنقاذ كيان واحد من كيانات الأمّة دون الآخر، ولا تعالج شكلاً واحداً من الأشكال السياسية في بلادنا دون سواه، ولا تمثّل أو تمتثل لمطالب فئة معيّنة من الناس دون أن تحاكي تطلعات المجتمع بأسره، ولا تكترث أبداً لقرارات خارجية أو دعوات أجنبيّة من شأنها بثّ التفرقة والشقاق بين صفوف المجتمع الواحد الموحد الحياة والمصير، بل انّ هذه النهضة السورية القوميّة الاجتماعيّة، وبالفكر العقائدي الذي حملته والحركة التي تحيا بها روحاً واحدة ونظرة ملأى تطلعاً إلى الحياة والكون والفن في تأطير القوى السوريّة وتوحيد الإرادة والقصد القوميين، ولدت لتبقى، لتستمرّ، لتعبّر تعبيراً واعداً عن قضايا الأمة ولتفعل فعلها الوجودي البنّاء، ولتحيا بالأمّة السوريّة حياة قوميّة جديدة، مؤسّسة لمجتمع قوميّ مناقبيّ لا يعي التواكل أو التهاون درباً، ولا يستسيغ الذلّ أسلوباً، ولا ينتهج العيش مسلكاً أو نمطاً، بل مجتمع يمضي بنهضة طريقها جلي المقاصد والأغراض القوميّة في بناء الإنسان – المجتمع الجديد الجدير والمؤهّل للاضطلاع بالمسؤوليات والحقوق القومية، العابر للطوائف والمذاهب، الفاصل بين الدين والدولة، الباني جسور التلاقي والوئام القوميين، الناهض ارتقاءً الى مرتبة الوجدان القومي، الناصر لأخيه الإنسان – المجتمع السوري في جلجلة الصراع القومي الهادف إلى تحقيق الجمال الإنساني الحياتي الوجودي، خدمةً لسورية الكرامة التي تمثّل لنا شخصيتنا الاجتماعيّة وكلّ ما يتعلق ويدور في فلك حياتنا القومية.

إنّ الحزب السوري القومي الاجتماعي بفكره وحركته هو الحزب الوحيد الذي يملك سرّ الخلاص للأمّة السوريّة بكافة كياناتها المتقاتلة على السماء والمتناسية للأرض وقضاياها الحقّة، المتسلّحة بعصبياتها الدينية وإفرازاتها وفقدانها للعصبيّة القوميّة، وذلك بما يختزن هذا الحزب من عقيدة حياة تتجلّى فلسفة ورؤى ومناقب ومبادئ وأخلاقاً وعلوماً وآداباً عمّدها أنطون سعاده بدمه القاني خارطة حياة لأمّة الحياة ولأبنائها أبناء الحياة.

ستثبت الأيام ومعها صفحات التاريخ أنّ الحزب السوري القومي الاجتماعي وحده الملاذ الآمن وجادة العبور إلى وحدة وتوحد الأمّة السوريّة، والذين يراهنون العكس هم ضالّون ومضلّلون.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى