الجزائر ونواكشوط تستعدّان بعد تونس لملاقاة ولي العهد السعودي بالاحتجاج باسيل يبحث مع بري مقترحات عملية للأزمة الحكومية… والمستقبل يلعب بالشارع

كتب المحرّر السياسيّ

يزداد وضع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان حرجاً، فمحاولته تخطّي الحملة التي رافقت قتل جمال الخاشقجي بالإعلان عن نيته تمثيل السعودية في قمة العشرين بالأرجنتين نهاية الشهر الحالي وبتنظيم جولة عربية للإيحاء بأن وضع زعامة السعودية ومكانتها العربية والدولية لم تتأثرا بالحملة التي تطال مسؤوليته عن مقتل الخاشقجي، أنتجت رد فعل عكسياً. وأول الغيث تزامن بين الانتفاضة النقابية والحقوقية التي شهدتها تونس بالتزامن مع زيارته لها، وبين الإعلان اللافت لمستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون أن جدول أعمال ومواعيد الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا يتضمن اللقاء مع ولي العهد السعودي بعدما كان قد تمّ الإعلان عن نية ترامب اللقاء بإبن سلمان في بيونس آيرس على هامش قمة العشرين. وفيما حاول ترامب إقامة التوازن مع إلغاء الموعد مع ولي العهد السعودي بالإعلان عن منع جينا هاسبل مديرة وكالة المخابرات الأميركية من المثول أمام الكونغرس، في جلسة كان مصمماً لها أن تنتهي بالبتّ بأمر السير بعقوبات تستهدف السعودية، وفقاً لإفادة هاسبل في توضيح خلاصة المخابرات حول قتل الخاشقجي بعد كلام الرئيس ترامب عن عدم البتّ بأمر مسؤولية إبن سلمان، تنتظر ولي العهد حركات احتجاج نقابية وشعبية في زيارتيه اللاحقتين لتونس إلى كل من الجزائر وموريتانيا.

على ضفة موازية أعلنت منظمة هيومن رايتس أن المنظمات الحقوقية الأرجنتينة تتحرّك لإطلاق تحقيق قضائي في جرائم بحق الإنسانية تنسب للسعودية في حرب اليمن ومسؤولية ولي العهد السعودي عن قتل الخاشقجي. ونصحت هيومن رايتس ولي العهد بعدم المخاطرة والذهاب إلى الأرجنتين مع احتمال صدور قرار قضائي بالتحقيق معه هناك، بينما لم يحصل إبن سلمان على تجاوب الرئيس التركي رجب أردوغان مع طلب لقاء يجمعهما في الأرجنتين، بعدما اكتفى أردوغان بالقول سوف نرى، وكانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قد نفت أن يكون في نيتها لقاء ولي العهد السعودي.

لبنانياً، سارت تطوّرات المشهد الحكومي المأزوم على مسارين متعاكسين، فمن جهة قرّر تيار المستقبل استعمال الشارع متذرّعاً بردود أفعال عفوية على مواقف نسبها لحلفاء حزب الله، وفي مقدمهم الوزير السابق وئام وهاب، وهي العفوية التي تساءلت مصادر متابعة «أين كانت يوم احتُجز رئيس الحكومة في السعودية؟»، ما يؤكد أن شارع المستقبل يتحرّك بقرار وأن ما شهدته شوارع بيروت والساحل الجنوبي كان قراراً بتوجيه رسالة مضمونها النية بالدخول في لعبة شارع مقابل شارع، ما يترك علامات تساؤل كبرى حول ما إذا كانت القضية تصريحات أثارت الشارع أو عقدة حكومية أم أن وراء الأمر ما هو مخفيّ؟ وبالتوازي كان هناك مسار آخر في عين التينة، حيث كشف وزير الخارجية جبران باسيل عن تداوله مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري في مقترحات عملية وأفكار محددة لحلحلة الأزمة الحكومية، واتفاقه مع الرئيس بري على العمل معاً وصولاً لحل العقدة التي رفض التيار الوطني الحر طلبات حلها من حصة رئيس الجمهورية الحكومية ووصفها بأنها عقدة سنية سنية تستدعي التنازلات من طرفيها وهما اللقاء التشاوري والرئيس المكلف.

يواصل وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل مساعيه لحل العقدة السنية، ولهذه الغاية عقد أمس، محادثات حكومية بامتياز مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري، معلناً ألا قرار خارجياً أو سياسياً داخلياً يمنع تشكيل الحكومة، معتبراً أن «الجميع له المصلحة لا بل يجد ضرورة بالتأليف والإرادة السياسية متوفّرة».

وأضاف: «إنها المرة الأولى التي أنتقل فيها الى الأفكار والحلول وناقشت 3 أفكار مع بري»، معتبراً أن الأهم هو الاتفاق على المبادئ أولاً. وأشار باسيل الى أنه يلعب دوراً كأي سياسي يرغب بالمساعدة في التأليف، و«ليس هناك مصلحة معينة وراء ذلك»، مؤكداً محاولته التوفيق بين الفرقاء والاستمرار بهذا الأمر.

وأكدت مصادر المجتمعين الاتفاق على ضرورة الإسراع من دون إحداث أي خلل في تشكيل الحكومة كي تعمل من دون زغل ونكد، بل بتوافق وأن هذا يقتضي تعاون المعنيين على قاعدة لا رفض بالمطلق لحق أي طرف بالمشاركة اذا كان مستحقاً ولا فرض لأي أمر خلافاً لإرادة الرئيس المكلف. وأشارت المصادر الى أن الرئيس بري تمنى على الوزير باسيل مواصلة مبادرته وانه على استعداد للمساعدة حتى تتشكل الحكومة بالاتفاق بين مكوّناتها على أن تكون منتجة ومتوازنة.

ورفضت مصادر عين التينة لـ«البناء» الإفصاح عن الأفكار التي طرحها باسيل امام الرئيس بري، مشيرة الى أن رئيس المجلس تمنّى على وزير الخارجية إبقاء مساعيه طي الكتمان وأن لا يُسرّب فحوى أي لقاء يعقده معه بهدف إنضاج الحل على نار هادئة، مع تشديد المصادر على أن الجميع بات مقتنعاً أن الحل عند رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، وليس أبعد من ذلك. وتشدد مصادر بري على ان الرئيس ميشال عون هو الوحيد القادر على حل هذا الملف لا سيما ان موقف الرئيس المكلف سعد الحريري من عدم تمثيل اللقاء التشاوري غير قابل للتعديل او التبديل في حين ان الاوضاع الاقتصادية تستدعي الإسراع في تشكيل الحكومة إنقاذاً للبنان.

وتشير مصادر نيابية في تكتل لبنان القوي لـ«البناء» إلى أننا لسنا كاريتاس وأن رئيس الجمهورية ليس معنياً كالتيار الوطني الحر، بالمشكلة التي هي سنية سنية، وبالتالي فإن تدخلنا ومساعينا تصب في اطار ايجاد حل يرضي طرفي النزاع، من دون ان يكون على حسابنا، أو من حصتنا مع تأكيد المصادر ان مساعي باسيل تنطلق من قواعد دستورية، جازمة ان احدا من الاطراف السياسية الاساسية يريد تعطيل او تأخير تأليف الحكومة التي ستكون متوازنة خالية من أي خلل، بعيدة عن فرض الشروط، بمعنى أن على الجميع تقديم التنازلات.

وأكد تكتل لبنان القوي أن المسعى الذي يقوم به الوزير جبران باسيل هو للمساعدة والوصول لحلّ وأنه ليس طرفاً بالمشكلة بل المسعى هو لحلّها. وطمأن التكتل بأن تصريف الأعمال لن يطول قائلاً في بيان أن «كل من له القدرة او النية في المساعدة في الوصول الى حلول فأهلا وسهلاً ومستعدون للوقوف خلفه ومساعدته والمسألة ليست مسألة تذاكٍ وتشاطر.»

وشدّد على وجوب إيقاف عملية التهويل بالملفين المالي والاقتصادي وأنه باستعادة المؤسسات والثقة يمكن حلّ المشكلات من كهرباء ومكافحة فساد.

في المقابل، فإن حزب الله على موقفه الثابت من دعم اللقاء التشاوري وتؤكد مصادره لـ«البناء» أنه لا يصح الا الصحيح وكتلة النواب السنة المستقلين ستتمثل في الحكومة، لا سيما ان مطلبها محق، والجميع بات مقتنعا بأحقية تمثيل هؤلاء النواب الستة، لافتاً الى ان حزب الله يتطلع ايجاباً الى المساعي الجارية ويأمل ان توصل الى نتيجة في اسرع وقت، داعياً الرئيس المكلف الى أخذ المبادرة والتصرف كرجل دولة فهو رئيس مكلف ومن واجبه الاستماع الى نواب اللقاء التشاوري.

وأكد الوزير محمد فنيش أن أي اتفاق يحصل مع حلفائنا نحن نقبل به، فلا موقف مسبقاً لدينا، فكل مطلبنا أننا ندعم مطلب هؤلاء الحلفاء وبأن يكون لهم تمثيل، فهذا حق لهم بحسب حجمهم في الحكومة، التي سُمّيت حكومة وحدة وطنية وحكومة الشركة الوطنية. لا يصحّ تجاهل هذا المطلب. وإذا أردنا كسب الوقت والاستفادة من الفرص، فعلى الرئيس سعد الحريري أن يبادر بالإسراع في إيجاد حل لهذه المشكلة، فنحن لن نتدخل بالصلاحيات من أجل مصلحة البلد». ومن دون ان يسمّيه رد فنيش على رئيس حزب القوات سمير جعجع بالقول: لا يحق لأحد، لا سيما الذين عطلوا البلد مدة 5 أشهر، ليس فقط من أجل حصة تتجاوز حجمهم التمثيلي ونوعها، أن يكيلوا الاتهامات. ومن يدعو إلى تجاهل موقف قوى سياسية والسير بالحكومة بمن حضر، أقول له أعتقد أن الحكومة كادت أن تشكّل منذ 5 أشهر وكان يجب تجاهله، وفقاً لهذه القاعدة».

وجدّد النائب عبد الرحيم مراد الذي التقى الوزير باسيل أمس، في وزارة الخارجية «ان لا تراجع عن مطلب اللقاء التشاوري بتوزير أحدنا، ولا خلاف على من يكون الوزير بيننا». وقال «لا يُمكننا ان نفعل أكثر مما فعلناه اخيراً بطلبنا موعداً للقاء الرئيس المكلّف ورفضه استقبالنا». وأوضح «أن على الرئيس الحريري اما ان يستقبلنا كنواب «اللقاء التشاوري» وإلا فلا لقاء. نحن ستة نواب ولا نقبل إلا أن يستقبلنا جميعاً».

في المقابل، دعت كتلة المستقبل القوى السياسية كافة الى «العودة الى الأصول في تأليف الحكومات والتوقف عن المحاولات المشبوهة لمحاصرة الصلاحيات المنوطة دستورياً بكلّ من رئيس الجمهورية والرئيس المكلف»، مشيرة الى أن «خلاف ذلك، سيبقى الدوران في الحلقات المفرغة هو السائد، وستبقى العراقيل في ذمة الجهة المسؤولة عن اختراعها».

الى ذلك، حضر ملف تأليف الحكومة في لقاء وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال غطاس الخوري ووزيري الإعلام ملحم الرياشي والأشغال يوسف فنيانوس، بينما تداول الوزراء الثلاثة بالجهود الآيلة الى حلحلة العقد التي تعترض سبل تأليفها، خرجوا بانطباع مفاده أن لا جديد على صعيد حل الأزمة وان الأمور لا تزال على حالها.

وبينما تحرّك الشارع مجدداً أمس، على خلفية وصف رئيس حزب التوحيد وئام وهاب الرئيس الحريري بالبوق الأخرس، حيث قطع مناصرو المستقبل طرقات لبعض الوقت في كورنيش المزرعة، وقصقص المدينة الرياضية ومستديرة الكولا بالإطارات المشتعلة.

وأهابت قيادة «تيار المستقبل»، بجميع المحازبين والمواطنين في العاصمة وسائر المناطق الامتناع عن أية ردات فعل سلبية كقطع الطرقات وإحراق الإطارات، والتزام حدود القانون والتعاون مع السلطات المختصة وعدم الانجرار وراء الدعوات التي من شأنها الإخلال بالاستقرار.

في سياق آخر، وجّه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى الرئيس ميشال عون بمناسبة عيد الاستقلال رسالة دعا فيها الى الإسراع في التأليف والاصلاحات والى الالتزام بالنأي بالنفس. وشدّد على أن اعتماد لبنان سياسة صارمة بالنأي بالنفس عن النزاعات التي تحيط به، أمر جوهري كي يبقى بمنأى عن التنافس القائم بين القوى الإقليمية. ومن الواجب إطلاق عجلة الاقتصاد اللبناني، كما من الواجب ايضاً ان تسلك الإصلاحات الضرورية طريقها بهدف الاستجابة لحاجات كامل الشعب اللبناني. كذلك فإن لبنان، الذي حمل أكثر من طاقته عبء النزوح السوري، يجب أن يبقى معتمداً على المساعدات الدولية المقدمة الى النازحين والدول المضيفة لهم طالما ان ظروف العودة الآمنة والطوعية لم تكتمل بعد.

من ناحية اخرى، وصلت إلى لبنان دفعة جديدة من المعدات العسكرية، في إطار استكمال خطة التعاون المكثف بين الجيشين الفرنسي واللبناني. وأعلن بيان للسفارة الفرنسية أنه «تم تسليم 10 مركبات مدرعة فرنسية، و96 صاروخ طويل المدى من طراز HOT ونظامي محاكاة إطلاق النار، في مرفأ بيروت، إلى الجيش اللبناني لمساعدته على تلبية احتياجاته في مجال مكافحة الإرهاب».

الى ذلك علّق وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الاعمال رائد خوري على مصادرة المولد الكهربائي المخالف في منطقة الحدث عبر حسابه الخاص على تويتر، قائلاً: «تحية من القلب إلى مراقبي وزارة الاقتصاد الأبطال وكل الثقة بأجهزة الدولة القضائية والأمنية الذين يقومون بواجبهم وبحماية حقوق المواطنين تحت سقف القانون، ولتكن مصادرة المولدات المخالفة عبرة للذين يعتبرون أنفسهم أقوى من القانون وقرارات الدولة اللبنانية».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى