سعاده.. واللواء السليب

نظام مارديني

لم تمحُ السنوات الـ79 من وجدان السوريين عامة واللوائيّين بخاصّة، ذكرى سلخ لواء اسكندرون عن أمّه سورية، وتقديمه من قِبل الانتداب الفرنسي هديّة لتركيا، الدولة الحديثة التي رسمت حدود كيانها على أنقاض الدول التي كانت تحت هيمنة السلطنة العثمانية لأكثر من 500 عام.

وجاء تخلّي فرنسا عن اللواء لقاء امتيازات اقتصادية وثقافية، منتهكة أحكام صكّ الانتداب وشرعة عصبة الأمم التي كانت قد عهدت إلى فرنسا في 25 نيسان العام 1920، بنظام الانتداب على سورية ولبنان بما في ذلك كيليكيا ولواء اسكندرون ومعظم الولايات الأخرى، كولايات سعرّت وعينتاب وأورفة وديار بكر ومعمورة العزيز وماردين وغيرها.

في ضوء هذا المناخ من احتدام الصراع الدولي على الهلال السوري الخصيب، دعت عصبة العمل القومي التي يقودها زكي الأرسوزي إلى الإضراب العام، إلى شلّ حركة العمل في اللواء كلّه، ما أدى إلى حصول اصطدامات دامية بين الشباب السوري من جهة والجنود الأتراك من جهةٍ ثانية، وتجلّى التضامن بين الجماعات السورية في أروع وأجمل مظاهره لما أغلق الأتراك أبواب الجامع الكبير في وجوه المصلّين العرب، فقدّم لهم الكاهن السوري نقولا الخوري مفتاح الكنيسة الأرثوذكسية فأقاموا فيها صلاتهم، وكان لافتاً في تلك الفترة خيانة محافظ الاسكندرون محسن البرازي الذي جمع بعض الوجهاء من السوريّين، وقرأ عليهم نصّ اتفاقية جنيف 1937، التي تمّ بموجبها إنزال العلم السوري ورفع العلم التركي، ولكن أليس غريباً أن يكون محسن البرازي هو نفسه من الذين تآمروا على سعاده! وذلك بعد مرور عام على المذكّرة التي قدّمها الحزب السوري القومي الاجتماعي في 1936 إلى العصبة الأمميّة والأمم المتمدّنة ليثبت فيها سوريّةَ الاسكندرون، القطعة العزيزة على سورية.

وكان تخاذل حكومة الكتلة الوطنية في سورية التي كان يقودها سعد الله الجابري وجميل مردم بك، قد شكل حالة ضعف أمام سلطات الانتداب الفرنسي، وهو ما أشار إليه سعاده في مقاله «على المتوسط: الخطر التركي» قائلاً: إنّ ما ساعد تركيا على اغتنام هذه الفرصة «خلوّ سورية مدة طويلة من الزمن من المنظمات القومية والسياسية الحديثة.. فتمكّنت من الحصول على الاتفاق الذي يجعل منطقة الاسكندرون ذات سيادة محلية منفصلة عن سورية وخاضعة لحماية كلتا الدولتين الفرنسية والتركية، ويخوّل حق استعمال مرفئها «إلى أقصى حدّ ممكن»، ولهذه العبارة الدبلوماسية مدلول عظيم الخطورة».

في ضوء هذا الواقع، خيّر سعاده الكتلة الوطنية بين «الواجب القومي والخيانة الصريحة»، وطالبها أن تكون متّفقة بشكلٍ سرّي مع الحزب السوري القومي الاجتماعي من أجل اتخاذ موقف حازم من مسألة اسكندرون قبل فوات الأوان، إلا أنّ جواب رئيس الحكومة السورية جميل مردم كان مفاجئاً لسعاده عندما قال: «إنّ خسارة اسكندرون ليست خسارة تستحق كلّ هذا الاهتمام»!

وكان الباحث رياض نجيب الريّس صاحب شركة رياض الريّس للكتب والنشر أشار بالقول: «كان موقف الحزب السوري القومي الاجتماعي وزعيمه أبرز المواقف وأكثرها وطنيّة بالنسبة إلى الاسكندرونة وقضيّتها». ذلك أنّ سعاده لم يكتفِ بأن أعلن يوم 14 كانون الأول يوم الحدود الشمالية، بل هو بادر منذ اليوم الأول لبدء التنفيذ العملي لسلخ لواء الاسكندرون عن جسم سورية إلى وضع المذكّرات وتسطير المقالات والتحرّك في أكثر من اتجاه، بالرغم من أنّ سعاده كان في عامَيْ 1936 و1937، أي في الفترة التي تمّ فيها سلخ اللواء في حرب مع الدولة الفرنسية المنتدبة وأدواتها المحليّة، فما أن يخرج من السجن حتى يعود إليه.

في المرحلة الراهنة لم تختفِ اسكندرون عن خريطة سورية التي ما زالت تحمل مرارة خسارتها للّواء السليب وخيانة الدولة المنتدبة لسورية، وهو ما أوضحه الرئيس الراحل حافظ الأسد في خطاب له عام 1982، قائلاً: «لقد كانت هنا في هذه المنطقة دولة موحّدة مزّقتها القوى الانتدابية فرنسا وبريطانيا ونحن ندفع اليوم النتائج وأستطيع القول إنّ فرنسا عليها مسؤوليّة تاريخية بخصوص شعبنا في سورية».

لوزير الخارجية السوري، وليد المعلم: «لواء اسكندرون أرض سورية، وستعود لنا».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى