الفنان عبد الوهاب مسعود: للمركز دور مهم بالحفاظ على فنّ الخطّ وتوثيق تاريخ الخطوط

حاوره لـ«البناء»: طلال مرتضى

ثمّة من لم يزل قابضاً على جمر عشقه التليد، هذه المرة ذهبت كناية الحرف نحو حارس معناه ومغزاه، وتلك هي فتنة لغتنا الفتاة التي كلّما دلّلتها تصبح بين أصابع الحضور مطواعة حد انصهار الدهشة في العيون.

الفنان عبد الوهاب مسعود هو فنان العلم ومنارة عربية نعتزّ بالوقوف في حضرته، مثارة أثرت الساحة باكتظاظ العمل وليس فقط ما تتركه بدعة التصاوير.

فنان تشكيلي عربي لم يرد لذاته وعبر قصة اغترابه أن تمرّ دون أن يقول ويشير الجميع، من هنا عبّر الفنان عبد الوهاب مسعود ليزيد مدينة الفكر والنور فيينا رصيداً عربياً خالصاً.

«البناء» التقت الفنان عبد الوهاب مسعود، ننقل إليكم تفاصيل المقابلة.

حين أتحدث عن الحراك الفنّي العربي في أوروبا لا يمكنني العبور دون التوقف عند عتبة التشكيليّ عبد الوهاب مسعود، كيف تقدّمه للقارئ؟

ـ فنان يطمح دائماً لتقديم نفسه وفنّه بصورة متميّزة تليق به أولاً، وثانياً كصورة مشرفة للفنان والمثقف العربي في الاغتراب. يسعدني بأني استطعت من خلال عرض أعمالي المعنونة «المخطوطات العربية بمنظور معاصر»، على سبيل المثال بأن أوصل رسالة إلى كل محبي الفن الذين يقومون بزيارة معارضي والنشاطات التي أقوم بتنظيمها بإعطائهم صوره جيدة عن العالم والفنّ العربي المعاصر. أعمل جاهداً وباستمرار بالتعرف إلى مواد واستخدام أدوات جديدة فتأثري وعلاقتي بعدد من الخطّاطين أو الفنانين سواء كانوا من الشرق الأقصى أو من أوروبا، وهذا ما أتيح لهم على مساعدتي لتقديم أعمال فنية لا يمكن أن يجد المتلقي لها مثيل في الساحة الفنية، فهذه الأعمال تحمل بصمتي الشخصية وهذا أمر مهم جداً لي. فأنا لا أحبّ أن أكون مقلّداً لأي فنان آخر وإن أحسست بيوم من الأيام بأنني لا أستطيع تقديم عمل مائز فسأغلق مرسمي. وهذه هي قناعتي الشخصية.

فيينا… الاسم الإشكالي كرمز للساحة الفنية العالمية، كيف استطاعت تدوين بصمة حضور فاعلة على الرغم من احتدام التنافس الإبداعي؟

ـ إن الهوية الفنية لأعمال أي فنان أهم ما يطمح إليه بمشواره الفنّي. منذ بداية هذا المشوار حين بدأت برسم وترجمه المخطوطات الإسلامية على طريقتي ومن منظوري الخاص ومن خلال تنقلي بين سطور وصفحات هذه المخطوطات في ردهات المكتبات كنت استكشف عالماً سحرياً خاصاً ألهمني أفكاراً جديدة لم يتطرق لها أي فنان من قبل، ورأيت أنه من واجبي كفنان أن أقوم بنفض الغبار عن هذه المخطوطات الثمينة في محاولة لجذب الانتباه لها عن طريق تصويرها من خلال ريشتي وقلمي ومعارضي التي أقيمها من وقت لآخر.

ماذا أعطتك فيينا كحاضرة للفكر والفنّ؟

ـ من يعيش في فيينا يصعب عليه – إن كان منفتح البصيرة – أن لا يتذوّق سحر فنّها أو أن لا يتأثر بعراقتها. فيينا بالنسبة لي هي المتحف المفتوح الذي يمكنك أن تزوره بأي وقت، فجمال معمارها لا يفسح لأي إنسان ما بالمطلق أي مجال إلا أن يصبح عاشقا لنماذجها المختلفة التي تجدها بأي حي من أحيائها أو من خلال التجول بشوارعها ويحس بعراقة كل ما يقدم في هذه المدينة من الموسيقى التي يتم تقديمها من قبل الموسيقيين في الطرقات والساحات هذا عدا قصص حدائقها التي تسلب شهقة الدهشة في العيون وانعكاس جمال طبيعتها الخلاّبة. فكيف لك أن لا تصبح متذوقاً ومفتوناً بكل ما حولك من بهاء أو تتأثر بأي إنسان أو فنان سواء كان ذلك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بما يقدمه لمحيطه وبعمله الثقافي أو الفني.

قبل فترة وجيزة أطلقت «مركز فيينا لفنّ الخطّ العالمي»، أخبرنا عن هذه التجربة؟

ـ جرى افتتاح «مركز فيينا لفنّ الخطّ» في 7 أيلول 2018 ليكون المركز الأول من نوعه في الجمهورية النمساوية ووسط أوروبا، يهدف من خلال نشاطاته المحافظة على فنّ الخطّ بغض النظر عن اللغة التي يكتب فيها. كما يرغب بتسليط الضوء على أهمية الخطّ في زمننا الحالي الرقمي الذي ساد فيه استخدام جهاز الحاسوب والهاتف المتنقّل مكان القلم، فكان من الضروري توفير مركز للحفاظ على هذا الإرث القيم، فن الكتابة اليدوية للأجيال القادمة، كما هو ضروري لنشر المهارات والمعارف المرتبطة به ونشر المعرفة الفنية الخطية والترويج لها. كما للمركز دور مهم بالحفاظ على هذا الفن الراقي للأجيال القادمة وتوثيق تاريخ فن الخط النمساوي وتسهيل الحصول على هذه المعلومة للراغبين أو الدراسين لهذا الفن حال الحاجة إليها.

ويتم بالتعاون مع «البيت العربي النمساوي للثقافة والفنون» الترتيب لاحتفالية اليوم العالمي للغة العربية الموافق 18/12/2018 وعلى ضوء هذه الاحتفالية سيكون هنالك برنامج متنوّع يتضمن معرضاً للخط العربي، ومحاضرة حول اللغة العربية، وقراءات لكتّاب عرب مقيمين في النمسا، كما سيتم إطلاق ورشه عمل بالتزامن مع الاحتفالية على أيدي خطّاطين عالمين بهدف التعريف بفنّهم للجمهور.

على المدى البعيد يصبو المركز في تحقيق أهدافه التي بنيت على أسس قوية من خلال المباحثات مع مؤسسات ثقافية عدة معنية بهذا الفن بأوروبا وسيتم انطلاق مشاريع فنية ونشاطات عالمية عدة سيعلن عنها في القريب العاجل وعلى سبيل المثال الندوات التي ستتم إقامتها في حزيران 2019 مع المركز الدولي لأبحاث الخطّ التابع لإحدى الجامعات البريطانية، ونأمل بأن يكون هنالك تعاون أيضاً مع المراكز العربية والآسيوية المعنية بفنّ الخطّ، وذلك لتقديم مخزونها بالمستقبل للجمهور النمساوي المهتم بهذا الفنّ. سيقدم المركز في بداية العام المقبل أول دورات الخط باللغات العربية واليابانية واللاتينية للمهتمين.

يشارك في المركز ما يقارب عشرين دولة من كل بقاع الأرض، كيف أنجزتم هذا الأمر؟

ـ بحكم الفترة القصيرة منذ افتتاح المركز الذي تم رسمياً من قبل رئيسة بلدية الحي الثاني عشر مايدلينغ السيدة غابريله فوتوفا قام المركز فعلاً بتنظيم أول نشاطاته متمثلاً بمعرض جماعي أقيم بصالات المركز ضمّ 50 عماًل لأعضاء جمعية فيينا العالمية لفنّ الخطّ شارك فيه خطّاطون وخطّاطات من النمسا، فنلندا، المانيا، هولندا، سورية، ايطاليا، أميركا، استراليا، الأردن، إيران وسويسرا. وكان من ضمن المشاركين مساعد رئيس كل من جمعية «ارسكربندي الألمانية» و»جمعية فنّ الخطّ السويسرية»، علماً بأن المعرض سيستمر عرضه لغاية شهر آذار 2019.

إلى أين تتجه بوصلة عبد الوهاب مسعود بعد هذا؟

ـ أقول إن المركز وليد هذا العام ويحتاج إلى الرعاية وما زالت الطريق أمامنا طويلة لتقديم الأفضل في المستقبل سواء على صعيد المعارض أو الندوات أو المحاضرات للمهتمين. فرص التعاون مع المراكز والجمعيات الفنية المهتمة بالثقافة وفنّ الخطّ أمر مهم ومنها على سبيل المثال التعاون مع «البيت العربي النمساوي للثقافة والفنون» لقيام فعالية الاحتفاء بيوم اللغة العربية وعلى المدى البعيد ودولياً يصبو المركز في تحقيق أهدافه التي بنيت على أسس قوية من خلال المباحثات مع مؤسسات ثقافية عدة معنية بهذا الفن بأوروبا. كما سيتم إطلاق مشاريع فنية ونشاطات عالمية عدة سيعلن عنها في القريب العاجل. وعلى سبيل المثال الندوات التي ستتم إقامتها في حزيران 2019 مع «المركز الدولي لأبحاث الخطّ» التابع لإحدى الجامعات البريطانية ثم النظر للتجسير مع المراكز العربية والآسيوية المعنية بفنّ الخطّ، وذلك لتقديم مخزونها بالمستقبل للجمهور النمساوي المهتم بهذا الفنّ.

بطاقة فنية:

عبد الوهاب مسعود فنان أحبّ الحرف العربي وطوعه بأعماله الفنية التي أصبحت شعاره المميز وهو الخط العربي بمنظور معاصر. هو مدير «مركز فيينا لفنّ الخطّ»، رئيس جمعية فيينا العالمية لفنّ الخطّ، عضو رابطة الفنانين التشكيليّين الأردنية، عضو رابطة الفنانين النمساوية، عضو الرابطة الدولية للفنون فرنسا.

كاتب عربي/ فيينا.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى