الأزمة الحكومية في ميزان الاستحقاق الرئاسي المقبل
ميسم حمزة
بعد مرور أكثر من 6 أشهر على التكليف، لا حكومة، ولا اتفاق في ظلّ قيام الرئيس المكلف سعد الحريري بتغييب المكوّن السني المستقلّ من التوزير في محاولة للاستئثار الأحادي به.
ولا يُخفى على أيّ متابع للأزمات الحكومية التي تبرز الواحدة تلو الأخرى، بأنها نتاج ما يفرزه النظام السياسي من تبعات على مكوّنات المجتمع اللبناني، الذي أدرك الانتداب الفرنسي كيف يتعاطى معه، عندما قرّر منح لبنان استقلالاً شكلياً أبقى واقع الانقسام بين المكونات الوطنية، بحيث ينجذب كلّ مكوّن الى فئته ويغيب الولاء الوطني الذي يصبح في أدنى سلم الاهتمام. فيدخل لبنان في أزمات عند كلّ تشكيل حكومة، لأنّ قواعد التشكيل تستمدّ من التقاسم المذهبي، وليس من إيجاد فريق حكومي منسجم ينهض بالبلاد ويعالج المشكلات الأساسية.
والأزمات التي يشهدها لبنان مع هذه الحكومة الحريرية هي نتاج هذا التقاسم المذهبي. بحيث يصبح النائب مضطراً للدخول في مسألة تقاسم الحصص وفق تلك المعايير او يتنحى جانباً رافضاً تركيبة النظام من الأساس، الا أنّ النائب يدخل منذ ترشحه الى هذه البوابة التي تفرّق بين اللبنانيين بحسب مذاهبهم، فمن يترشح الى موقع نيابي يترشح عن الموقع المذهبي في الدائرة التي ينتمي إليها، ولا توجد مواقع نيابية وطنية، كما يحاول البعض أن يدّعي.
ومن هنا، فإنّ مطلب اللقاء النيابي التشاوري بالتمثل في حكومة الوحدة الوطنية، هو مطلب محق في ما يتعلق بالقواعد والمحاصصات التي تقوم عليها تشكيل الحكومة، حتى ولو أنّ هذا اللقاء لا يؤمن بهذه الصيغة، ولكنه مضطر أن يتعامل معها للحفاظ على المشاركة السياسية ومحاولة التغيير من داخل السلطة.
وما يجمع النواب في اللقاء التشاوري من تقاطعات وطنية وعروبية ورؤية سياسية موحدة هي أكبر بكثير مما يجمع النواب في كتل أخرى، وردّ الرئيس المكلف سعد الحريري الذي حمل استخفافاً بمطالبهم الى درجة نعتهم بأوصاف فيها من التبعية، لم تقارب التعاطي الموضوعي مع هذا المطلب المحق لمجموعة نيابية وازنة داخل مكونه، وكان ذلك يمثل رغبة جامحة عند الرئيس المكلف بالاستئثار في تمثيل المكوّن السني ليبقى زعيماً أوحد له.
وإنّ هذا التصعيد الحريري يجعل اللقاء التشاوري مضطراً لسحب كلّ التنازلات التي أبداها خلال المفاوضات ويرفع سقف مطالبه في تحديد الحقيقة التي ستسند للوزير المطالب به.
ولا يغيب عنا أنّ تيار الرئيس الحريري منذ إنشائه اختلف مع كلّ الرموز السنية التي لم تكن تحت عباءته، فقد اختلف مع الرئيس نجيب ميقاتي ونعته بألفاظ لا تحمل مقوّمات التخاطب السياسي بين شخصين توليا رئاسة حكومة، وكذلك مع الرئيس تمام سلام الذي تمّ إخراجه سابقاً من المعادلة النيابية لأنه لم يكن في بداية عمله الرسمي مطيعاً. وعاد بعدها الى الحاضنة الحريرية مطواعاً وخاضعاً الى درجة كبيرة لم تحفظ استقلاليته ولا بيته السياسي.
وقد كشف الرئيس المكلف سعد الحريري، السر الذي قام على أساسه اجتماع رؤساء الحكومة السابقين، الذي حمل رشوة للرئيس ميقاتي بتوزير سني يسمّيه لقطع الطريق على مطلب اللقاء التشاوري الذي يضمّ ستة نواب سنّة في حين أنّ كتلة ميقاتي لا تضمّ غيره من المكوّن السني.
فإذا ما تمحّصنا أكثر في الأزمة الحكومية لا يغيب عن بالنا انّ هذه الازمة الفاقدة للمعايير الموحدة في عملية تشكيل الحكومة، وتخضع للمحاصصة التي تقوم عليها التفاهمات الثنائية وملحقات هذه التفاهمات، وليس على أساس المعايير الوطنية، او عدالة تمثيل المكونات السياسية. فلا يجوز ان يتمثل الفريق الوطني الذي يُعرف باسم 8 آذار بسبعة وزراء، فيما عدد نوابه في البرلمان الحالي 45 نائباً وهو أكثر من عدد النواب للاصطفاف السياسي لقوى 14 آذار بمن فيهم وليد جنبلاط المنسحب من هذا الفريق، فيما يحصل التيار الوطني الحر وحده على 11 مقعداً، فهذا اختلال كبير في التوازن الحكومي الذي لا يعكس احتراماً لنتائج الانتخابات الأخيرة وهي القاعدة التي شدّد المعنيون وكافة القوى السياسية على احترامها.
فمبدأ المحاصصة والتفاهمات السياسية غطت على المعايير العادلة للتمثيل، تأكيد أنّ هذه الحكومة المُراد تشكيلها تحمل طموحات الاستحقاق الرئاسي المقبل. وكيفية تموضع القوى السياسية في ظلّ هذا الاستحقاق.