تحليل سياسي
نور الدين الجمال
طُرح موضوع مدينة حلب مجدداً بالشكل الذي صورته كل من تركيا وفرنسا، هو في الأساس مشروع تركي ـ فرنسي لإحراج الولايات المتحدة الأميركية بهدف إجبارها على توجيه ضربات عسكرية إلى الجيش السوري في المدينة ومحيطها لإنقاذ الجماعات الإرهابية والتكفيرية المرتبطة مباشرة بالحكومة التركية واستخباراتها.
وتقول مصادر دبلوماسية عربية في هذا السياق، إن مدينة حلب في الأساس هي هدف تركي ومحاولة تضخيم دور «داعش» والتركيز على حلب في هذه المرحلة تحديداً، لأن الأتراك يعرفون جيداً أن الجيش السوري يحرز مزيداً من الإنجازات والانتصارات في الريف وفي المدينة في مواجهة المجموعات الإرهابية التي تعمل لحساب أردوغان واستخباراته، كما أن الأتراك في الوقت نفسه يحاولون تسويق وترويج فكرة أن سقوط عين العرب بيد «داعش» لا يؤثر في الوضع الميداني في حلب، مع العلم أن العكس هو الصحيح، لأن المطلوب تركياً في جوهر الموضوع والطلب من أميركا والتحالف المرتبط معها هو حماية جماعاتها الإرهابية الموجودة داخل مدينة حلب وهي في الأساس مجموعات غير صلبة ومحاولة يائسة لمنع سقوط مواقع ودفاعات هذه المجموعات بيد الجيش السوري، ولتحقيق الهدف التركي هذا، فهم يحاولون فتح معارك جانبية مرة في حقل غاز جبل الشاعر، وحيناً في ريف إدلب لتخفيف الضغط عن الجماعات الإرهابية المرتبطة بتركيا والموجودة في العاصمة الاقتصادية لسورية لإلهاء الجيش السوري وهو الذي وضع ورسم خططه على الأرض لتنفيذ عملياته العسكرية آخذاً في الاعتبار كل السيناريوهات المحتملة من قبل المجموعات الإرهابية وداعميها.
تؤكد المصادر الدبلوماسية أن الرئيس الأميركي أوباما لن يخضع للضغوطات التركية والفرنسية على رغم ضغوط مشابهة داخلياً من قبل فريق من الحزب الجمهوري حول ضرورة مساعدة جبهة «النصرة» وغيرها من الجماعات المسلحة باعتبارها معتدلة بحسب زعمهم، مع الإشارة هنا إلى أن الحزب الجمهوري ينقسم حالياً إلى فريقين، الأول يريد الذهاب بالصراع في سورية والمنطقة حتى النهاية، والثاني يريد التعاون مع الرئيس أوباما لتحقيق إنجازات على صعيد الداخل الأميركي.
وأشارت المصادر إلى أن المواقف الأخيرة التي جاءت على لسان ممثل الأمم المتحدة إلى سورية ستيفان دي ميستورا، بشأن موضوع حلب على أن تكون البداية منها جاءت وكأنها متناغمة مع الموقفين التركي والفرنسي بخصوص وضع مدينة حلب، وإذا كانت مواقف المندوب الأممي تصب في هذا الإطار فهذا يعني أنه يحكم هو بنفسه على مهمته بالفشل مسبقاً لأن الدولة الوطنية السورية غير معنية بمثل هذه المواقف من أية جهة صدرت، مع العلم أن دي ميستورا عندما زار سورية كانت مواقفه واضحة جداً لناحية ضرورة محاربة الإرهاب والعمل على إيجاد صيغة للحل السياسي. وهو بعد ذلك طرح أفكاراً عدة منها تجميد الصراع ليأخذ طابع عدته تمهيداً لإجراء المصالحات في حين أن الدولة الوطنية السورية هي التي تقوم بهذه المهمة، وإذا كان تجميد الصراع يقوم بهذا الاتجاه فالدولة السورية لا تمانع، والدولة السورية اتفقت مع دي ميستورا على مكافحة الإرهاب ولكننا نحن من يقول ويحدد أين هي أولوية المصالحات، ولكن المصالحات على الطريقة التي يطرحها الموفد الأممي تقوي التنظيمات الإرهابية، مع العلم أن القوى والمجموعات الإرهابية هي التي تحاول تخريب المصالحات، من هنا تأتي أهمية الموقف الإيراني عندما زار ميستورا طهران، عندما قيل له بعدم إعادة تجربة الموفدين الأممين الذين سبقوه بهذه المهمة، أي أن يكون محايداً وموضوعياً ولا ينساق لمواقف هذه الدولة أو تلك لتحقيق مآربها السياسية، كما أبلغ أيضاً بضرورة أن يعرف حقيقة الموقف الأميركي فإذا كان يريد حلاً سياسياً وحقيقياً فأول خطوة على هذه الطريق هي الدعوة إلى مؤتمر حوار تحضره الدول المعنية في الأزمة السورية يقوم على قاعدة تجميد الصراع ومكافحة الإرهاب والانطلاق بعملية حوار سياسي.