قمة العشرين قمتان…!

انتهت قمة العشرين في الأرجنتين بتاريخ 1/12/2018.

لم تخل هذه القمة من العثرات البروتوكولية إلا أنّ الجوهر لهذه الاجتماعات حسب رأي الخبراء والباحثين لم يعد حدثاً مؤثراً في الحياة السياسية والإقتصادية العالمية بسبب الخلافات البينية بين الدول الرئيسة المؤلفة لهذه المجموعة والتي تهيمن على حوالي 70 من الإقتصاد العالمي.

صحيح أنّ البيان الختامي الذي صدر عن قمة بوينس آيرس حمل كثيراً من النقاط، وقد تجاوزت الثلاثين نقطة، إلا أنها جاءت في العموميات، فيما الخلافات السياسية والمنافسة بين الدول انعكست بشكل واضح في هذه القمة التي اتسمت بالطرائف.

هي قمة دورية وأصبحت مادة للإثارة الصحافية بالدرجة الأولى، وقد أضفت عليها الإثارة أكثر شخصية الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي تجاهل البروتوكولات، والمشكلات التي رافقت غالبية الوفود، لكن في المحصلة النهائية يبقى السؤال: هل هذه القمة تحقق شيئاً للعالم أم انها تكرّس الهيمنه فقط؟

حسب الرؤى المختلفة فإنّ هذه القمة كانت مهمة، لأنها كشفت بعض الأشياء التي تتعلق بالمستقبل المباشر لتطور العالم، فالانطباع الأول الذي طفى على السطح أن أميركا العظمى بدأت تعتني بأمورها نتيجة لعجزها الاقتصادي وكلّ العالم الآخر بدأ يتصرف بحاله دون أخذ اعتبار لأميركا، والانطباع الثاني حول اللقاء الثلاثي بين روسيا والصين والهند، لأنّ هذه الدول الثلاث يمكن أن تحدّد مستقبل تطوّر العالم الإقتصادي والسياسي، لأننا ندخل ثورة جديدة في المواصلات العالمية وهي تتعلق ببناء الممرات ما بين ساحل المحيط الهادي وجنوب آسيا من ناحية وبين أوروبا من ناحية أخرى، فقد لوحظ أنه تمّ اللقاء بين بوتين ورئيس وزراء الهند، ووصف هذا اللقاء بالحميم جداً بسبب استكمال بناء الممر ما بين سان بطرس بورغ في الشمال وسواحل إيران في الجنوب والذي يسمّى الممر شمال جنوب، وبعد استكمال هذا الممر يصبح الوقت مختصراً جداً بالنسبة لحركة البضائع بين الهند وأوروبا حيث كان يستغرق 35 يوماً بينما أصبح بفضل هذا الممر يتقلص الزمن إلى سبعة أيام تقريباً، وهذا يعني أنّ هذه البداية للمشاريع الكبرى ليس فقط بين روسيا والهند والصين وإنما أيضا ًمع كوريا الجنوبية واليابان وقريباً جداً خلال سنة أو سنتين سوف نرى سرعة أكبر في تحرك البضائع ما بين هذه المناطق من ناحية وما بين دول أوروبا من ناحية أخرى وكلها عن طريق روسيا، أي ستصبح روسيا هي المعبّر للاقتصاديات الكبرى النامية كالصين والهند وآسيا وكوريا الجنوبية واليابان، مع أنّ الأبحاث تقول بأنه من الصعب الثقة بالصين لأنها أحياناً تخلف بالوعود وهي صعبة بالتفاوضات وإنما الآن مصالحها تفرض عليها الإلتزام، ولكن روسيا تعلم هذا جيداً لذلك المشروع الروسي الهندي أخذ الأولوية عن الصين رغم أنّ التجارة مع الصين وصلت تقريباً للذروة.

الخلاصة أنه سيتمّ تفعيل طريق مختزل للتجارة العالمية ولكن السؤال هل أميركا ستسمح بهذا النمو وتبقى صامتة؟

الملاحظ أنّ هذه القمم للدول الصناعية الرئيسية في العالم كانت تدور في فلك البحث عن طرق جديدة للتعاون لتعزيز المنظومة الليبرالية الغربية لكن الملاحظ هذا العام في قمة الإرجنتين أمران مختلفان نسبياً حيث لوحظ على الصعيد الإقتصادي أهمية التنس التجاري بين حكومة ترامب في الولايات المتحدة وحكومة الصين، إذ أن الإقتصاد الأميركي مثقل بالعجز لصالح الصين، والملاحظ هذا العام وجود قمه غير رسمية وهي قمة سياسية نظراً لغلبة موضوع ابن سلمان وقضية خاشقجي واهتمام قادة الدول بمن قام بتصفية خاشقجي، أيّ أنّ الجانب الإقتصادي والسياسي تداخلا مع بعضهما البعض إلى حدّ أنّ السياسة غلبت في التغطية الإعلامية، وهذا الإهتمام على مستوى المشاركين في القمة أو اهتمام الرأي العام في الشرق أو الغرب، فالعنوان الكبير كان الصين على خلاف القمم السابقة، والعنوان الثاني كان قضية ابن سلمان وخاشقجي، رغم أنّ القمة من الناحية الرسمية وعلى جدول أعمالها، لم يكن مطروحاً أمامها موضوع خاشقجي، لكن اللقاءات الجانبية التي ظهرت أوحت بهذا مثل لقاء ابن سلمان مع رئيسة وزراء إيطاليا ووقوفه مع ماكرون، والمصافحة الحماسية بين ابن سلمان والرئيس الروسي بوتين، وتفادي ترامب الظهور بنفس المشهد مع ابن سلمان، وهذه الأمور ولو كنا من الناحية السياسية نراها ثانوية وإنما هي لها رمزية سياسية قوية، لذلك كانت القمة قمتين في قمة واحدة قمة اقتصادية وقمة سياسية.

فهناك قادة تحاشوا الظهور مع ابن سلمان، وقادة آخرون حاولوا أن يكونوا براغماتيين وظهروا لإعطاء رسائل، كمصافحة بوتين مع ابن سلمان كانت تعكس توافقا سعوديا روسيا وتقول لترامب إنْ أنتم تخليتم عن ابن سلمان فإنّ الحضن الروسي موجود، وهي أيضاً رسالة لأردوغان المتشدّد بهذه الورقة، أيّ ربما القضية للتدويل وربما نشهد زيارة لبوتين إلى السعودية في العام المقبل.

مها العلي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى