أنصفوهم لأنهم يستحقون
ستيفن كولبير السياسي الساخر، يقول مجازاً: «لتشعر بمعاناة الآخر حاول أن ترتدي فردة حذائه». لا أحد بمقدوره أن يشعر بمعاناة الآخر إلّا إذا شاءت الأقدار ووضعته إيّاه في الموضع ذاته لحظة إذن سنحكم الحكم الصائب. ولا شيء مدّع للسخافة أكثر من الحُلم بحياة عادلة، فهذي كذبة يكذب بها البؤساء والأشقياء على أنفسهم تخفيفاً من صدمة واقع يُعادل ضربة مطرقة على الرأس.
لكن من كرّسوا حياتهم ومستقبلهم في خدمة الوطن وحمايته، من جعلوا من لباسهم العسكري لباس الصباح والمساء، من ارتضوا أن يناموا في الجبال وبين السهول والوديان وخلف سواتر ترابية صنعوها بأنفسهم، مَن اكتفوا بزيارة نصف سنوية أو أقل لأهلهم ومدنهم، أليس من الواجب أن ننصفهم حتّى وإن وضعتهم الحياة في ظروف غير محسوب لها. لا أدري ما هي الدراسات والاستشرافات التي تتخذها الحكومة عندما تدعو كلّ مَن لم تتطلخ يديه بالدماء للعودة إلى حضن الوطن. وهو نفسه الذي لم تتطلخ يديه بالدماء كان خطيباً على المنابر الداعشية يسبّ ويشتم ويلعن الشعب وحكومته، والآن يعود لحضن الوطن! كيف يتّسع حضن الوطن لكلّ الإرهابيين الذين هتكوا عرضه، كيف يتسع هذا الحضن لكل مجهولي النسب وأولاد الزنا الذين باعوه؟ ولا يتسع هذا الحضن أو حتى ينصف من تشبّث بسلاحه من أبناء الجيش العربي السوري وقاتل واستبسل حتّى الرمق الأخير؟
كيف يتّسع لمن لاذ بالفرار منذ بداية حربنا الشعواء وتجمهر على الطرف المقابل ينشد الحرية والعدالة؟
أو ليس من قام بواجبه تجاه وطنه وهو قابع في حضن الوطن يحميه ويصون عرضه ويسهر على أمنه أحق بالقرارات الحكيمة والصائبة ممن عادوا اليوم من خلال قرارات نصّت أنه لم تتلطخ أيديهم بالدماء؟ من قال إن من شتمنا وحرق علمنا وبصق بوجهنا ولعننا مع كل الله أكبر نستطيع أن نغفر له؟
من أهمل إطعام جنوده سيطعم أعداءه بالتأكيد فخيرات الوطن وفيرة ولله الحمد. لكن لماذا جعلوا من المدافعين عن الوطن متسوّلين؟
في كلّ مناسبة يتغنّوا بالشهداء والأبطال الذين كانوا سياجاً للوطن، وفي كلّ مناسبة وطنية عظيمة هناك من يلتقط الصور مع أكبر عدد ممكن من جرحى الجيش السوري، حتّى بتنا نشك في أنه عمل مقصود، من بعض المسؤولين الداعشيين. وكأنه نوع من الانتقام ممن ساهموا في صناعة النصر وتذكيرهم أنه لولا مساندة هؤلاء المسؤولين الأفاضل للجيش لكانوا اليوم في النار الهشيم!! من كثرة انتشار هذه الظواهر على التلفاز وحضورهم الدائم مع الجرحى وذوي الشهداء يحاولون إقناعنا أنّ الدولة تبنى على الشعارات واللقاءات المزيفة. للحظات راودني خاطر تقديم طلب لجوء إلى أفغانستان التي تحرّم التلفاز، لأنه بدعة وأنا أضيف أنه سياسة، سياسة وفقط. أيها السادة المسؤولون عن إصدار القرارات أنصفوا هذا الجيش العظيم، أصدروا قانون حماية حقوق جرحى الحرب وأسر الشهداء. ضاعفوا رواتبهم ليسدّوا شظف عيش أسرهم التي لا يعلم بحالها سوى خالقها. متى ستدركون أنّ البحث عن كسرة خبز تسدّ الجوع خير من حمل رغيفاً كبيراً تحملونه بهيام عندما تأخذوا الصور معهم. أنصفوهم فهم يستحقووون…
صباح برجس العلي