الحسنية: الصفقة الأساسية بدأت منذ تأسّست الحركة الصهيونية وكلّ مشروع أميركي ـ صهيوني في المنطقة سيتحطم تحت أقدام المقاومين خواجة: نحن أمام مصطلح مبهم الشكل والمضامين.. وأموال النفط استُخدمت ضدّ القضايا القومية والعربية موصللي: صفقة القرن هي سيطرة «إسرائيل» على المنطقة والذراع العربي لها دول الخليج
عبير حمدان
يؤكد الفكر القومي على حتمية الصراع مع كيان الاغتصاب الصهيوني على أرض فلسطين منذ أن بدأت دول الاستعمار بالتخطيط لتقسيم البلاد والاستيلاء على أرض فلسطين، ولعلّ القراءة المبكرة للزعيم أنطون سعاده المؤسس لهذا الفكر كانت كفيلة باستشراف الحاضر الذي نعيشه اليوم من تشرذم وصراع وعمليات قضم مستمرّة لما تبقى من فلسطين وحروب متنقلة وما رافقها من مخططات ومشاريع وصولاً إلى إعلان الرئيس الأميركي الحالي عن «صفقة القرن» وفتح السفارة الأميركية في القدس.
ولأنّ المقاومة هي الطريق الوحيد لتحقيق الانتصار واسترجاع الحقوق المغتصبة يبقى الرهان عليها ضرورة، والمقاومة لا تقتصر على السلاح إنما هي فعل صمود فكري وثقافي واجتماعي، من هنا أقامت عمدة الثقافة والفنون الجميلة في الحزب السوري القومي الاجتماعي ندوة حوارية بعنوان «صفقة القرن: مضامين وتحديات» تحدّث فيها نائب رئيس الحزب وائل الحسنية، عضو كتلة التنمية والتحرير النائب محمد خواجة، الباحث د. أحمد موصللي، وأدارها عميد الثقافة والفنون الجميلة د. زهير فياض.
وحضر الندوة ناموس المجلس الأعلى توفيق مهنا والعمُد: داليدا المولى، بطرس سعادة، رامي قمر ود. خليل بعجور، عضو المجلس الأعلى سماح مهدي، رئيس المجلس القومي سمير رفعت، منفذ عام بيروت فادي داغر وعدد من المسؤولين.
كما حضر رئيس حزب الوفاء اللبناني أحمد علوان، رئيس التجمع اللبناني العربي عصام طنانة، الشيخ يوسف الغوش، ممثل عن حركة الأمة، ممثل حركة فلسطين حرة محمد عويص، ومثقفون ومهتمّون بالشأن الفلسطيني، وجمع من القوميين والمواطنين.
فياض
استهلت الندوة بكلمة عميد الثقافة والفنون الجميلة الدكتور زهير فياض جاء فيها: «صفقة القرن موضوع لقائنا اليوم عنوان فرضته تحديات اللحظة، ولكنه عنوان يندرج في سياق تاريخي متصل بحركة الصراع في بلادنا مع المشاريع الاستعمارية منذ الاحتلال والسيطرة العثمانية التركية على بلادنا أربع قرون ونيّف مروراً بالانتدابين الفرنسي والانكليزي ومفاعيل الاتفاقيات الدولية التي تناولت بلادنا بالتقسيم والتفتيت والتجزئة، مروراً بوعد بلفور اللاشرعي، وعد من لا يملك لشذاذ الآفاق المنتشرين في أصقاع الأرض.
«صفقة القرن مضامين وتحديات» هي محطة من محطات الصراع وعنوان له مضامين ولقاؤنا اليوم تحديداً يتمحور بشكل أساسي هو فهم مضامين هذه الصفقة وسياقاتها وتأثيراتها وتداعياتها على مستقبل أمتنا ومنطقتنا ومستقبل الصراع مع هذا الكيان الاستيطاني الصهيوني الغاصب على أرض فلسطين.
من وعد بلفور الى مشروع تقسيم فلسطين عام 1947 إلى كامب دافيد واتفاقيات أوسلو ووادي عربة سياق تاريخي واحد متصل بالصراع له مضمون واحد بدأ بإقامة الكيان المسخ على أرض فلسطين ومرّ بمحاولات ترسيخ وجوده ومحاولات إضفاء طابع شرعية ما عليه من خلال هذه المشاريع، وقد يكون مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد الذي مرّ أيضاً داخلاً في ذات السياق التفتيتي والتدميري لأمتنا ونسيجها الشعبي والاجتماعي للمحافظة على هذا الكيان في موقع متقدّم اقتصادياً وعسكرياً في قلب وطننا وأمتنا وفي قلب عالمنا العربي.
ولكن، وقبل الغوص في مضامين صفقة القرن لا بدّ من التأكيد أنّ كلّ هذه المشاريع أو «الصفقات» نقاربها في الحزب السوري القومي الاجتماعي من زاوية الشمول في النظرة إلى أصل وجود هذا الكيان الغير طبيعي والعنصري والذي نعتبر مقاومتنا له ذات طابع وجودي لأنه أصلاً يتناقض في وجوده مع كلّ قوانين الاجتماعي الإنساني والقومي والسياسي والحضاري باعتباره كياناً عنصرياً استيطانياً يشكل على الدوام خطراً مستمراً على كامل وجودنا القومي والحضاري والإنساني».
خواجة
ثم تحدث النائب محمد خواجة فتوجه بالشكر إلى عمدة الثقافة في الحزب السوري القومي الاجتماعي على دعوتها له للمشاركة في الندوة، وأعتبر أنّ مصطلح صفقة القرن مبهم الشكل والمضامين، وقال: «أحب أن أقارب في مداخلتي الموضوع ليس بصفتي كنائب أو كقيادي في حركة أمل، إنما كشخص يعمل في مجال التخصّص البحثي الاستراتيجي، حتى الآن لم يتبنّ أيّ طرف رسمياً مصطلح صفقة القرن وتحديداً الأميركي، هذا المصطلح ورد على لسان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للمرة الأولى في شهر آذار من العام 2017 بالتزامن مع وصول دونالد ترامب الى البيت الأبيض، إذاً «صفقة القرن»، أو كما يحب أن يسمّيها الرئيس نبيه بري «صفعة القرن» هي مصطلح مبهم الشكل والمضامين وإنْ حصلت مقدمات لها وإجراءات قامت بها الإدارة الأميركية خلال السنتين الماضيتين، يمكن وضعها في خانة «صفقة القرن» من الاعتراف بيهودية الدولة ونقل السفارة، الى خطوات ترامب التي قام بها، والتي لم يتجرّأ أيّ رئيس أميركي منذ قيام الكيان الصهيوني على الإقدام عليها، وجميعنا يعلم أنّ قرار الكونغرس بنقل السفارة يعود إلى عقود مضت وكان الرؤساء السابقون قبل ترامب يستخدمون حقهم حسب الدستور الأميركي بالتأجيل المؤقت وذلك تكرّر لعشرات المرات، رغم أنّ كلّ الرؤساء الأميركيين تقريباً في برامجهم الانتخابية كانوا يوردون وعوداً لكسب الصوت اليهودي ومنظمة ايباك والانجيليين الذين تعدّ كتلتهم الشعبية الكتلة الأكبر والأهمّ في أميركا، إلا أنّ هذا الوعد لم يُنفذ تحت خانة أنّ هناك مصالح عليا للدولة الأميركية من الممكن أن تتضرّر في حال أقدموا على هكذا خطوة، إلى أن أتى ترامب ونقل مرحلة التحالف الاستراتيجي بين أميركا والكيان الصهيوني إلى مرحلة التماهي الكلي الى حدّ أنه تمّ اتخاذ قرارات مختلفة وصلت إلى حدّ وقف المساعدات عن الأونروا وفي مقابل كلّ ذلك، هناك عالم عربي ضعيف مفكك وخاصة خلال السنوات السابقة وهناك تفكك كلي للمنظومة العربية، هناك دول كانت تُسمّى بدول الطوق ذهب جزء منها الى كامب دايفيد وجزء الى وادي عربة وجزء ابتلى بحروب مركبة دون الغوص في التفاصيل أكثر، وقبل التحدث عن الجانب الإسرائيلي يجدر الإشارة الى أنه لأول مرة يصبح الخليج هو قاطرة العالم العربي علماً أنه لم يحصل ذلك عبر التاريخ كله، ففي السابق كانت هناك مصر المكبّلة اليوم، والعراق الذي يعاني التمزق والتقاتل، وسورية والتي برغم ما حصل ويحصل فيها منعت وتمنع الأميركي من تحقيق الأهداف الإسرائيلية داخل سورية.
وانطلاقاً من هذه الصورة تمكن السعودي من لعب الدور في المنطقة، وقبله القطري، واليوم هناك الإماراتي، وهناك تغيّر بنيوي في ما يتصل بالمشهد السعودي حيث بات التسلسل فيها أفقياً بعد أن كان عمودياً، السعودية كانت دائماً تملك قوة ناعمة قائمة على دعامتين الأولى الأماكن المقدسة والعنصر الثاني هو أنّ السعودية هي الدولة الأولى في إنتاج الثروة النفطية وللأسف فإنّ الأموال التي كان النفط يدرّها على السعودية تمّ استخدامها ضدّ القضايا العربية والقومية، إذاً هي متفلتة اليوم داخلياً وخارجياً لذلك سعت إلى بناء قوة خشنة تبدّت مظاهرها من خلال الحرب على اليمن، أضف إلى ذلك أنّ هناك خلافاً فلسطينياً حاداً في الداخل ومن هنا اعتبر الاسرائيلي أنّ فرصته التاريخية ليحقق حلمه قد جاءت، لذلك أسرع الخطى، خاصة أنّ الكيان الاسرائيلي لم يعد الكيان الذي نعرفه إنما أصبح عبارة عن مجتمع استهلاكي مما أضعف روحه الحربية لذلك هناك كلام جدي حول إذا ما كان هو حاجة فعلية للغرب أم لا .. »
وتابع خواجه: «في مقابل ذلك كله هناك ظاهرة المقاومة التي نفتخر أننا من صُنّاعها، وهي تشكل خطراً على الجيوش، وأكبر دليل شهدناه في قطاع غزة الذي يعاني الحصار والأكثر ازدحاماً في العالم، هذا القطاع بقدرات محدودة تمكّن من هزّ صورة الكيان الاسرائيلي وتماسكه الداخلي، وما يخيف الإسرائيليين ليس ما حصل في غزة بل أيضاً المقاومة في لبنان وظهرها في سورية التي خرج جيشها من معمودية الدم بقوة وعزيمة أكبر وأثبت قدرة مميّزة على القتال في كلّ الظروف القتالية والمناخية والأهمّ من كلّ ذلك أنّ سورية أصبحت أكثر استعداداً لتكون الجبهة الأقوى.
النقطة الأخيرة، نقول إنه وبرغم أنّ كلّ هذه القوى وافقت على صفقة القرن، الا أنّ الأميركي أعلن أنها مؤجلة أقله لسنة قادمة.
وهنا السؤال: «ماذا عن التوقيع الفلسطيني»؟
بغضّ النظر عن كون السلطة الفلسطينية مشاركة بالأمر، وأنا هنا أصف الحالة ولا أتهم، لكن لا يستطيع أحد أن يسمح بمرور صفقة القرن، فهذا أمر ليس بالسهل على الإطلاق، أنا أرى أنها ليست الصفقة الأولى ولن تكون الأخيرة، لكنها الأكثر وضوحاً، ولكني أعتقد أنّ ظروفنا اليوم أفضل رغم ما نراه من سوداوية فلدينا المقاومة وتماسكنا وخروج سورية معافاة من الأزمة، ولدينا حلفاء يملكون كلّ عناصر القوة مما لا يسمح بمرور أية مؤامرة، ومن هنا تبقى المعادلة التي تقول إنّ إسرائيل الى زوال وفلسطين عائدة».
موصللي
بعد ذلك تحدث الباحث الدكتور أحمد موصللي فاعتبر أنّ الصفقة تسير وهي عبارة عن عودة الامبريالية الى الواجهة، وقال: «أنا سأبدأ من حيث انتهى الأستاذ محمد في موضوع صفقة القرن، هذا المصطلح الذي بات قيد الاستعمال في كلّ مكان، ولكن برأيي صفقة القرن ما هي إلا رمز للامبراطورية الاسرائيلية التي تُنشأ في هذه المرحلة في المجال العربي والآسيوي والأفريقي هذا من ناحية، ثانياً هذا المشروع ليس إسرائيلياً انما هو مشروع أميركي بالأساس، بالأمس شاركت في مؤتمر أقامه الأمن العام حول الإرهاب حيث قلت لهم إنّ أغلب جيوشنا أصبحت تنفذ فقط الأوامر الأميركية، حيث الأميركي يعطي الدعم ويقول للجيوش الخليجية والعربية ان تحارب في الداخل.
أضاف: الاختراق الآن ليس إسرائيلياً إنما أميركي، ويتمثل في عودة الامبريالية الى مرحلة متقدّمة وإنتاج جيوش تخدم مصالحها، وهذا أيضاً سيحصل في الغرب ومن الآن حتى العام 2040 بريطانيا ستخسر 100 مليار دولار ودول اوروبا سينال منها الدمار، نحن اليوم في المرحلة الأولى من الصفقة التي يبدا تنفيذها من منطقتنا. والأمر لا يقتصر على الجيوش التي باتت مطواعة ومحاصرة وحسب، إنما على البنوك المركزية في العالم كله، وعلى اقتصادات الدول. والخطة هي ضرب المنطقة كلها وجعلها ساحة للحروب الداخلية، لنعود قبائل نتحارب في ما بيننا إما بسبب الدين او المذهبية او العرقية او لأيّ سبب من الأسباب.
وتابع: صفقة القرن هي سيطرة إسرائيل على المنطقة عسكرياً وتكنولوجياً ومالياً وتحويلها إلى سوق كبير واتباع لنتنياهو، وهي ليست مفصولة عن فلسطين بل تُنفذ علينا جميعاً والذراع العربي لها هو دول الخليج، والكلّ يبرم الصفقات مع إسرائيل في ما عدا لبنان، وبرأيي لن يكون هناك دولة فلسطينية في المدى القريب أو أيّ تقدّم بمشروع التحرير إذا تمّ التعويل على الأنظمة، والمشروع الوحيد القادر على التصدّي لهذا المشروع الصفقة هو مشروع المقاومة».
الحسنية
وتحدث نائب رئيس الحزب وائل الحسنية فعرض لتفاصيل ما يُسمّى «صفقة القرن» مؤكداً أنّ الصفقة الفعلية بدأت منذ تمّ تأسيس الحركة الصهيونية وتلاها الاتفاق على بيع فلسطين لليهود، وقال: حزبنا، الحزب السوري القومي الاجتماعي يحتفل هذه الأيام بمناسبة عيد تأسيسه، وهذه الندوة تعقد بالمناسبة، لذا لا بدّ من توجيه تحية إلى الزعيم أنطون سعاده الذي علّمنا وأنار لنا طريقنا على محاربة اليهودية والصهيونية، ونحن نعتبر أنّ اليهود هم محتلون لأرضنا، فتحية إلى سعاده الذي أرشدَنا الى طريق المقاومة، طريق وقفات العزّ، وأرشدَنا الى وحدة المجتمع وكيف نصبح مجتمعاَ واحداَ بعيداَ عن كلّ عصبيات طائفية أو مذهبية أو اتنية وعلمنا أنّ وحدة المجتمع هي وحدة كلّ أبناء شعبنا.
وتابع: لو قرأنا أنطون سعاده في ما كتب لما كانت صفقة القرن موجودة ولما كان العدو الإسرائيلي موجود على أرضنا، ومن هنا اسمحوا لي أن لا أسميها صفقة القرن بل هي جزء من الصفقة الأساسية المتمثلة في صفقة بيع فلسطين، واليوم لم يعد هناك صفقة بل أساليب اتبعتها الأجهزة الأمنية والقوى الاستعمارية لتصفية فلسطين، وحماية أمن الكيان الإسرائيلي الغاصب على أرض أمتنا.
ولفت إلى أنّ الصفقة تنشأ بين دولتين او مجموعتين أو طرفين، وفي الحقيقة لا وجود لطرفين، إنما هو مشروع ابتكرته أميركا ووضعته في التداول على أرض الواقع ولكن عملياً ليس هناك من نص حقيقي، الصفقة الأساسية بالنسبة لنا بدأت منذ اللحظة التي تأسّست فيها الحركة الصهيونية عام 1898 والتي راحت تفتش عن وطن قومي لليهود وأُخذت فلسطين كوطن قومي، وكانت أول محاولة لاحتلال أرضنا بالمعنى النظري كان اتفاق باترمين رئيس وزراء بريطانيا سنة 191 الذي دعا دول الاستعمار الى مؤتمر وقال فيه إني لم أدعوكم لمناقشة أمر سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي محدّد بل دعوتكم للتفكير في إيجاد طريقة للقضاء على ذلك النمر السوري المتربّص بنا في شرق البحر الأبيض المتوسط الذي لو استفاق سيعيد أمجاد قرطاجة…
وبالفعل هذا المؤتمر قرّر تقسيم سورية الطبيعية الى دويلات مذهبية طائفية متقاتلة متصارعة، وهذا كان مقدّمة لسايكس بيكو، ثم جاء هانكي رئيس وزراء بريطانيا ليوقع مع وايزمن رئيس الحركة الصهيونية في ذلك الوقت عام 1913 اتفاقية أقرّ فيها اليهود بإعطاء المال إلى بريطانيا في مقابل أن تعطي وعداً لليهود في فلسطين ومن هنا أتى وعد بلفور 1917».
وتابع الحسنية: «لا يمكن الكلام عما يحصل اليوم دون الدخول من باب الصفقة الأساسية المتمثلة بغزو أمتنا جراء الاتفاقات التي عقدت وأدّت إلى صفقة العصر الحقيقية هي شراء فلسطين ورهنها والهجرة اليهودية الى فلسطين، حيث أنه وبعد أن خرج الاستعمار الفرنسي البريطاني حلّت أميركا مكانه لحماية إسرائيل في كل المحافل الدولية.
وعندما تبيّن أنّ كلّ ذلك لا ينفع وجذوة الصراع القومية موجودة في أمتنا، والإنسان يتمتلك إرادة القتال من أجل استعادة فلسطين بدأ المحافظون الجدد بالتفكير بوسائل جديدة والصفقة كانت من خلال الربيع العربي، ونحن في الحزب السوري القومي الاجتماعي نفتخر بأننا ومنذ البداية كنا من أوائل من نبّه الى أنه ليس هناك من ربيع عربي بل سلسلة متواصلة لما سبقها من عمليات تقسيمية، وأنّ كلّ هذا التقسيم هدفه حماية أمن إسرائيل.
ما يحصل في الحقيقة هو استمرار للنكبة الأولى بكافة أبعادها الوطنية والقومية والروحية والأخلاقية والإنسانية والاجتماعية، ومن هنا تأتي هذه الصفقة لتفعل ما لم يتمكن من فعله الأميركي والإسرائيلي بواسطة السلاح، والصفقة تنص:
1 ـ إقامة دولة فلسطينية تشمل قطاع غزة والمناطق «أ» و «ب» والمنطقة «ج» الضفة الغربية.
2 ـ توفر الدول المانحة عشرة مليارات دولار لإقامة الدولة وبناها التحتية بما في ذلك المطار والميناء وتنمية زراعية وإقامة مناطق صناعية ومدن جديدة في منطقة غزة.
3 ـ تأجيل البحث في قضايا وضع القدس وعودة اللاجئين وهذا يعني شطب هذه القضايا.
4 ـ بدء محادثات سلام إقليمية بين تل ابيب ودول عربية بقيادة السعودية وهي بدأت بالفعل ونراها في الزيارات المشبوهة للمسؤولين الاسرائيليين الى الدول العربية ولا سيما السعودية وهنا لا بدّ من التذكير بما حذر منه أنطون سعاده منذ ثمانين سنة حول خطر الحركة الوهابية ومن يقف وراءها من آل سعود، فسعاده كتب في جريدة «النهضة» في 15 تشرين الأول عام 1937 «لقد وجدت النهضة في العصبية الدينية الوهابية المنتشرة في الجزيرة العربية عداء للسنة والشيعة وللتمدّن المسيحي والاسلامي العام وخطر يرمي الى فتح عربي جديد للبلدان المجاورة للسعودية وخصوصاً للأمة السورية، هذا الفتح إنما يقوم على عصبية خطرة يتولى ابن سعود العمل على تحقيقها عبر حرب مداهمة بواسطة عملاء له في سورية ولبنان وفلسطين يتلقون المال مقابل الدعاية الدينية والسياسية والإعلامية التي يروّجونها لمصلحة الوهابية وأهدافها».
واليوم، يأتي ترامب ليؤكد على الدور المحوري للسعودية في خدمة مشاريع الغرب الاستعماري وصنيعته إسرائيل.
واستكمالاً للقراءة حول الصفقة يتبيّن لنا التالي:
تتنازل مصر على 770 كلم من سيناء بضلع 24 كلم من المتوسط من رفح حتى العريش بضلع 30 من غرب كرم ابو سالم بموازة الحدود المصرية لِتُضمّ هذه المساحة الى مساحة غزة لتضاعف مساحة القطاع ثلاث مرات عما هو حالياً وهذه المساحة توازي 12 من الضفة الغربية التي يرغب اليهود من مساحة الضفة بتنازل فلسطيني.
تحصل مصر على أرض في جنوب اسرائيل مع الاعتذار على التسمية لأننا لا نعترف بـ «دولة اسرائيل»، غربي النقب تستردّ مصر منطقة وادي قيران التي لا قيمة اقتصادية لها ومقابل ذلك تحصل مصر على المميزات التالية:
أولاً: يُبنى نفق بطول عشرة كلم بإدارة مصرية على بعد خمسة كلم من ايلات ثم شرقا وجنوباً باتجاه السعودية والعراق بمعنى إلغاء الموانئ في لبنان وسورية الدولة أيّ الكيان الشامي بحسب تعبيرنا ليصبح النفق المصري المصدر الى الدول العربية.
ثانيا: أرض مقابل أرض.
ثالثا: بناء مطار غزة الجديد ومدّ خط سكك حديد وطريق سريع وأنبوب نفط داخل الأراضي المصرية وخط يمرّ عبر الأردن ويتشعّب باتجاه الشمال الشرقي من الأردن الى العراق والى الجنوب باتجاه السعودية والخليج.
رابعا: حلّ مشكلة تحلية المياه وتوفير المياه بمشاريع يكفلها البنك الدولي ومؤسسات على غراره.
خامساً: إعادة النظر في الإجراءات الأمنية ولكن في ظلّ التطبيع حيث يفقد الجيش قيمته.
سادساً: امتلاك التقنية النووية لأغراض سلمية على ان تقوم فرنسا بتمويل هذا المشروع.
أما الأردن فيصبح لديه منظومة سكك ونفط ونفق الى دول الخليج ووصله بأوروبا وأهمّ شيء حلّ مشكلة التوزيع الديموغرافي للسكان في الأردن بحيث يعود الفلسطيني الى غزة.
أما الدولة العبرية المصطنعة فتضمّ أجزاء من الضفة الغربية بما يضمن لها ان تحتفظ بمستوطنات كريات اربل عوفر ويصبح لديها تسوية سلمية وحق في الوجود ويهودية الدولة».
وختم الحسنية: «كلّ ما تقدّم يهدف الى إنهاء المسألة الفلسطينية بكاملها، ولكننا نؤكد أنها بدأت تتداعى وأول عنصر من عناصر تداعيها هو العنصر السعودي الذي يملك المال والقدرة والضغط الآن يعيش تحت كابوس الخاشقجي ويصرّح السفير الاسرائيلي في أميركا بالقول «انّ مقتل الخاشقجي عطّل صفقة ترامب» وبمعزل عن هذا الموضوع لا قدرة لابن سلمان ان يمارس ضغطاً على الفلسطينيين خاصة المقاومين الذين ركعوا الإسرائيلي في غزة والأهمّ من ذلك ان مشروع الدولة الكردية سقط في العراق وليس من قدرة لدى الأميركي من تحويل العراق الى دولة مسالمة، والأهمّ تدمير المؤامرة في سورية وانكسار المشروع في لبنان، واليوم أحب أن أقول وليس بصفتي مسؤولاً في الحزب انّ هناك بعض العصابات المنظمة في هذا البلد كانت ترتبط بالمشروع الأميركي الإسرائيلي في هذه المنطقة وأهمّ من هذا كله أن أحدهم ينصبّ نفسه رمزاً ليشكل حكومات وأقصد هنا سمير جعجع وهذا المشروع لو استمرّ في الصعود لما كنا اليوم متواجدين في هذا اللقاء، إلا أنّ هذا المشروع انهزم في لبنان، والمقاومة انتصرت في غزة، المقاومة صنعت توازن ردع وبالتالي لم يعد الإسرائيلي يجرؤ ان يشنّ حرباً وقد جرّب ذلك في 2006 وتمّت هزيمته ودُمّرت الميركافا واليوم وبعد 12 سنة لم يتمكن الإسرائيلي من إيجاد سلاح بديل، ولا ننسى الثقل الاستراتيجي لإيران في المنطقة والدخول الروسي الى المنطقة، ولذا اتخذ ترامب قراراً بتأجيل الصفقة حتى شهر شباط 2019».
بعد هذا العرض أحب أن أختم بالقول إنه «حيث يكون هناك شعب لا يمشي إلا على طريق العزّ ولديه سناء محيدلي ووجدي الصايغ وأحمد قصير وبلال فحص وحبيب الشرتوني… فهذا شعب لن تستطيع إسرائيل أن تنال من عزيمته، لدينا إرادة الحياة وإرادة الصراع لا وجود لصفقة قرن ولا وجود لأيّ مشروع أميركي إسرائيلي في المنطقة إلا سيتكسّر تحت أقدام المقاومين».