القمة المصرية اليونانية القبرصية
حميدي العبدالله
عقدت قمة جمعت رؤساء مصر واليونان وقبرص، ويمكن القول إنها الأولى في التاريخ الحديث التي تجمع قادة الدول الثلاث، ولا بدّ أن يكون هناك سبب سياسي جوهري أدى إلى عقد هذه القمة، لا سيما أنّ قادة مصر مشغولون الآن بأوضاعهم الداخلية التي تصرفهم عن أيّ نشاط خارجي، حتى مع الدول العظمى، فباستثناء القمة التي جمعت الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لم تعقد قمة بين الرئيس المصري ورئيس أي دولة أخرى في أوروبا بما في ذلك كبرى الدول الأوروبية، فما هي الأسباب التي دفعت رؤساء الدول الثلاث إلى عقد هذه القمة؟
سببان جوهريان حتّما عقد هذه القمة، واحتلت صدارة الأولويات لدى رؤساء الدول الثلاث:
السبب الأول والمباشر هو المصلحة المشتركة في تأمين مصالح الدول الثلاث في مجال الطاقة، الغاز والنفط، في البحر الأبيض المتوسط، حيث تشتدّ المنافسة بين أطراف ثلاثة هي الكيان الصهيوني وتركيا والدول الثلاث، أيّ مصر وقبرص واليونان. ولكن من الواضح أنّ القمة الثلاثية ليست موجهة ضدّ الكيان الصهيوني، لأنّ هناك اتفاقات وتفاهمات سابقة أبرمت بين قبرص واليونان من جهة، وبين الكيان الصهيوني من جهة أخرى أزالت الخلاف القائم بين هذه الأطراف حول اقتسام حقول النفط والغاز في المياه الإقليمية وفي ما يُعرف بالمناطق الاقتصادية. لكن من المعروف أنّ هناك خلافاً بين اليونان وقبرص من جهة، وبين تركيا من جهة أخرى حول تحديد المناطق التي يحق لكلّ طرف التنقيب فيها. ومعلوم أنه لم يتمّ التوصل إلى تفاهمات أو اتفاقيات بين اليونان وقبرص من جهة وبين تركيا من جهة أخرى حول المناطق المتنازع عليها، وبالتالي ثمة مصلحة مشتركة جمعت الدول الثلاث في مواجهة تركيا، وربما هذا هو السبب الذي حدّد توقيت عقد هذه القمة.
السبب الثاني، العلاقات اليونانية القبرصية التركية تعاني من أزمات منذ فترة طويلة على خلفية الخلافات على الحدود بين اليونان وتركيا والمسألة القبرصية، ومعروف أنّ شهر العسل بين تركيا واليونان قد انتهى بعد ارتداد تركيا عن سياسة صفر مشاكل مع دول الجوار، وعادت الخلافات إلى ما كانت عليه في السابق، وجاء الموقف العدائي التركي للنظام المصري بعد انتخاب عبد الفتاح السيسي رئيساً لمصر، والتهجّمات المستمرة على مصر لتخلق أرضية سياسية لإنشاء تعاون وتحالف مشترك بين الدول الثلاث موجه ضدّ تركيا ومطامعها وتدخلاتها في الشؤون الداخلية، وبالتالي يرجح أن يستمرّ التعاون المصري التركي القبرصي طالما استمرّت السياسة التركية على ما هي عليه الآن، ومن شأن ذلك، أن يحدث توازناً جديداً بين الطرفين اللذين يخوضان نوعاً من أنواع الحرب الباردة التي تتراجع حيناً وتستعر أحياناً أخرى.