الغاز العربي والدم العربي وأحلام دي مستورا اللامستورة…
د. حسام الدين إخلاصي
فجأة… وبزيارات تمهيدية يقوم بها المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا ليظهر نفسه إعلامياً ويقول ها أنا ذا، ثم ينقضّ بجولة جديدة سريعة على مراكز القرار ليعلن عن مبادرته الجديدة التي مهّد لها وروّجها إعلامياً وسياسياً الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند عندما زاره «المحنك» التائه أردوغان فنطق عبارته الشهيرة المناطق المجمّدة .
جاء المبعوث الأممي إلى سورية وحط رحاله فيها واستقبلته القيادة السورية في أعلى مقام وفق الدبلوماسية المتعارف عليها وتمّ الاستماع إليه بعناية شديدة، رغم أنّ ملامح مبادرته تمّ توقّعها منذ اللحظة الأولى لانطلاق الجيش العربي السوري باتجاه حلب في الشمال لتطويقها وحمايتها، ومن ثم تحريرها، في الوقت الذي كان فيه التركي الصهيوني أردوغان والفرنسي والولايات المتحدة الأميركية يهللون ويطبّلون ويزمّرون حول قضية عين العرب، ليجعلوا منها قضية إنسانية، وليبرزوا كلّ عضلاتهم واستعراضاتهم الجوية في تمثيلية القضاء على «داعش»، بينما أمر العمليات لـ»داعش» قد اتخذ وطلب من عناصره التوجه نحو حلب مروراً بمدينة عفرين ذات الأغلبية الكردية أيضاً حلم صناعة قوس كردستان الغربية .
هنا لا بدّ من ذكر الدور المهم الذي استفاق عليه الأخوة السوريون الأكراد، فعرفوا مدى حجم المتاجرة بدمائهم، وعرفوا أنّ سورية الدولة الأم لم تقصّر ولن تقصّر في الدفاع عن سيادة أراضيها وحماية شعبها، وأنّ كلّ قرية سورية هي في قلب الجيش العربي السوري، فأداروا ظهرهم للانفصاليين، ونبّهت إيران وشدّدت على أذن تركيا مدى خطورة ارتكاب مجزرة جغرافية في اقتطاع ما سُمّيَ «منطقة آمنة»، فبدأ حلم عين العرب بالتلاشي فأتى أمر العمليات لـ»داعش» ولدي ميستورا للتحدث عن مناطق مجمّدة في حلب مثالاً.
حلب تقدَّم إليها الجيش العربي السوري قبل ذلك، وهذا ما جعل أصحاب المشروع يسارعون إلى طرح الحلّ من السلة الأممية وسورية التي طالما أصغت إلى الأمم المتحدة وكسبت عليها جولات خوفاً على الهرم المسلّح الذي تشكل في محيط حلب، والذي تمّ التوقع له بأن ينضمّ إلى صفوف «داعش» المرعبة التي ستزحف لاحقاً إلى حلب، وفق المخطط في اجتياح أوسع للشمال السوري من نافذة أخرى لتطبيق حلم التقسيم الذي في ظاهره إنساني ديمقراطي يهدف إلى تقرير المصير للأكراد الانفصاليين، بحيث تصبح وفق المخطط حلب عاصمة الشمال هي الحدود القصوى لدولة الأكراد، ويتمّ التفاهم فيها على السلطة بين التطرّف السني والتطرف الكردي، ولا مانع من أن تستمرّ النزاعات فيها لسنين ولكن بعد عزلها عن السلطة المركزية للدولة السورية في حال تمّ تثبيت واقع التجميد، ومن ثم رفع سقف التسليح والتمويل للعصابات المسلحة بكافة أصنافها.
حلب التي رفضت التطبيع مع العصابات الاسلامية المتصهينة صبرت وصمدت ثلاث سنوات من العذاب والعنف والإرهاب والفساد، لم ولن تعود مسرحاً للتطبيع مع عصابات «الهاغانا الإسلامية»، وهي متضامنة جملة وتفصيلاً مع الجيش العربي السوري ليقوم بتحريرها كاملة من الإرهاب، ولكن أحلام دي ميستورا ومن غذاه ووقف وراءه لا تنظر إلى الرغبة الحقيقية للشعب العربي السوري في مدينة حلب.
وبالعودة إلى الحديث في أصل الموضوع من العمق، فإنّ الاستغاثة التي بدت واضحة من ضربات الجيش العربي السوري دفعت وأسباب أخرى ذُكرت سابقاً، إلى المسارعة لطرح فكرة المناطق المجمّدة بدءاً بحلب ومروراً بحمص ولاحقاً درعا، أيّ لتبدو كأنها هدنة أو وقف قتال أو استراحة محارب، هذا الأمر ممكن أن يتمّ لو أنّ رعاة الإرهاب تركيا والأردن والكيان الصهيوني كمناطق جوار أوقفت تسريب الأسلحة والمال والمسلحين إلى الأراضي السورية، فاتفاق مثل هذا يجب أن يتمّ بين الأمم المتحدة وبين منابع الإرهاب أولاً، والحصول منهم على ضمانات ملزمة، وفق قرارات مجلس الأمن تحت الفصل السابع، وهي موجودة، ومن ثم التوجه إلى الدولة السورية لتطبيق مناطق مجمّدة القتال، ولكن واقع الأمر يقول: الجيش العربي السوري يتقدم في المناطق الاستراتيجية ويحقق إنجازاته، والتي لا تتفق مع سير خطة زرع الإرهاب للخروج بنتيجة لدى الولايات المتحدة الأميركية بأنّ سورية دولة فاشلة ضمن خطة 30 دولة فاشلة للسيطرة على مكامن النفط والغاز والمياه في العالم وبالتالي على الروس والإيرانيين أن يعترفوا بذلك ويرفعوا الدعم عن سورية، فتقدّم الجيش العربي السوري وانتصاراته يعني بقاء الدولة ونجاحها وليس فشلها.
إنّ اعتراف الحكومة السورية بنظرية المناطق المجمّدة يعني بقاء السلاح في أيد غير شرعية، أيد تلوّثت بدماء السوريين على مدى نحو أربع سنوات، وهذه الأيدي مرشحة للمزيد في سورية وفي أراض دول مجاورة، لأنّ سورية عندئذ ستكون مستقراً لمن اشتهى أن يأتي لمناصرة دولة الخلافة الصهيونية، وبالتالي فإنّ تجميد النزاع المسلح يكون أولوية للجمهورية العربية السورية عندما يقوم المسلحون بتسليم أسلحتهم وإعلان عودتهم إلى الشرعية الوطنية، وهذا تفعله دائماً الحكومة السورية وقائياً في كثير من مناطق النزاع في سورية، والمصالحة الوطنية هي الخطوة البارزة في مبادرة الرئيس بشار الأسد والتي تردّ الصاع صاعين لمبادرة تجميد الصراع والنزاع، مصحوبة بانتصارات الجيش العربي السوري.
أيّ انكماش دولي كمبادرة دي ميستورا فيه دلالة واسعة لانتصارات في الميدان لحساب الدولة السورية وقد سبق ذلك خطوات مشابهة لكوفي عنان وللأخضر الابراهيمي تلت انتصارات الجيش في القصير وأثناء مصالحات دمشق وغيرها كثير، إنّ الحكومة السورية لا تمانع ولا تبالغ عندما تطلب دراسة مبادرة الوسيط الأممي ولكنها تعوّدت على حروب الديبلوماسية، وهي ماضية في تحريك الجيش لاسترداد السيادة الوطنية على كامل التراب السوري، ولو وجدت شركاء جادّين ممّن تابوا عن الإرهاب من الشركاء الدوليين ورعاته لقدّمت كلّ ما يمكن لتجنيب دول النفط والغاز حرباً ستطال كلّ آبارهم، فسورية تدافع عن مصالحها الاقتصادية وتعرف أنها عقدة الغاز العالمية، وأنّ دم العرب يساوي تماماً المصالح النفطية والغازية للولايات المتحدة الأميركية، فدم العرب وغاز العرب ودي ميستورا خدمة للمصالحة التلمودية الصهيونية.
من هنا قالت القيادة السورية إنها مبادرة جديرة بالدراسة، والدراسة لا تعني الموافقة، ولم يختلف مسار المعركة ولن يختلف، فالجيوش وحدها هي القادرة على وضع معادلات سياسة جديدة تفرض على الأمم المتحدة الصهيونية أن تسعى إلى مبادراتها تنقذ فيها أجزاء المخطط، وقصة دي ميستورا اللامستورة باتت مفضوحة للعلن، ومتابعة المسار عادت لتكون مرهونة بقوة الحلفاء وشدة المعركة وصبر المقاومة ورفع سقف الخطاب كي تعرف «إسرائيل» أنها ليست بمنأى عن الخطر ساعة يشتدّ الصراع.
ولن يكون الغاز العربي ومسار الغاز العالمي على حساب الدم السوري في لعبة إضاعة الوقت، وكما هم ماضون في مخططهم التقسيمي الجيوغازي، فسورية ماضية في معادلتها الداخلية بالمصالحة الوطنية الجادّة والحلّ السياسي الوطني، وفي استمرار الجيش العربي السوري بتشكيل مكسّرات للأمواج الداعشية والصهيونية الإرهابية على أرضه، وكذلك حلفاء سورية في ركوب موجة الصراع لصالح انتصار قوة دولية صاعدة في وجه الطغيان الأميركي المتراجع حتى أفول نجم إدارة أوباما، وسورية تقول لدي ميستورا خيّط بغير هذه المسلة .