مختصر مفيد سليم الحص رجل الدولة
– من النادر مرور شخصية في الحياة العامة في بلادنا العربية تشبه الرئيس الدكتور سليم الحص، المتحدّر من مدرسة التكنوقراط البعيدة نسبياً عن السياسة، والقائمة على فهم للخدمة العامة من ضمن نطاق الاختصاص، تضعها الأحداث في موقع المسؤولية السياسية وتنجح في حصاد أخلاقي ووطني وتفرض حضورها مشفوعاً بذكاء حاد وثقافة موسوعية وألمعية سياسية وحكمة وشجاعة، وتشيد لمكانتها في القلوب مكانة النموذج الذي يُحتذى وفي العقول المرتبة التي يجب أن تقاس على مقياسها مؤهلات شخصيات الشأن العام، فيقال فلان ست درجات على مقياس الحص أو أربع أو سبع كما يُقال في الزلازل على مقياس ريختر.
– عاش الرئيس الحص بين المصارف ورجال المصارف ولعبت تحت ناظريه الملايين والمليارات فما أغوته، وبقي يقيس حرصه على القطاع المصرفي بقياس حرصه على المصلحة العامة للدولة، فما حاباها يوماً ولا قدّم لها التنازلات وبقي المال العام قدس أقداسه الذي لا يقبل المساومة، وبقيت جيوبه نظيفة من كل كسب غير مشروع وكل إثراء وكل سعي للإثراء، فكانت قناعته فعلاً كنزاً لا يفنى، وكان دائما القادر على قول لا للمزيد، ولا للطلب الشخصي، ولا لقبول العرض المغلف بحسابات رعاية المصالح وفق معادلة «طعمي التمّ بتستحي العين» الذي يجيده أهل المال والرأسمال.
– الرئيس سليم الحص إبن الجامعة الأميركية وأحد أستاذتها، وربيب المدرسة الأميركية في السياسة والاقتصاد، لكنه لم يصبح يوماً أميركي السياسة ولا أميركي الرؤية الاقتصادية، فاستخدم العلوم الأميركية كما يستخدم الكمبيوتر الأميركي وبرامجه الفذة، رجال المقاومة بحساب الوطن والمصلحة الوطنية، وقارع السياسات الأميركية بثقافته الأميركية علمياً وأكاديمياً والعربية واللبنانية مضموناً، وتاريخه مليء بالمحطات التي كلفه فيها الثبات على الحق الفلسطيني والحقوق اللبنانية الكثير من الفرص والعلاقات والمناصب، وهو المرشح طبيعياً لمنصب أمين عام الجامعة العربية وأمين عام الأمم المتحدة إذا تمّت المقارنة بين مؤهلات الشخص وتاريخه، ومؤهلات الذين تعاقبوا على المنصبين.
– الرئيس الحص صاحب الطرفة الحاضرة، وصاحب المعشر الجميل، والدمث والمحبّ والمؤنس واللطيف، هو المنصت والمصغي والمتفهم، وهو المنطقي والمجادل والمحاور للحجة بالحجة، والواقعة بالواقعة، لم يتعصّب لمذهب أو دين، له مقولتان عبقريتان يجب أن تبقيا ايقونتي السياسة اللبنانية والعربية، الأولى قوله إن «في لبنان الكثير من الحرية والقليل من الديمقراطية»، والثانية «إن فلسطين قضية والسلاح الفلسطيني في لبنان مشكلة وعلينا أن نحلّ المشكلة دون أن نقتل القضية». والمقولتان تصلحان في مواضيع غير التي عالجتها، ففي بلاد عربية أخرى كثير من الديمقراطية وقليل من الحرية، وفي بلاد ثالثة قليل من كلتيهما، وفي حالات كثيرة نواجه القضية والمشكلة، كحال المقاومة وسلاحها، والعلاقة اللبنانية بسورية وتعقيداتها، ومثل ذلك الكثير، ولعل قوله الذي تصدّر حفل تكريمه واحد منها، «يبقى المسؤول كبيراً حتى يطلب شيئاً لنفسه فيصغر».
– تكريم الرئيس سليم الحص واجب شخصي على كل منا، ولو بإضاءة شمعة لعافيته وصحته وأخلاقه ومثاله، تنير بيوتنا، لكنها تنير قلوبنا وعقولنا أولاً وأخيراً.
ناصر قنديل