البشير فجأة في دمشق… والأسد في استقباله… وتساؤلات عن رسالة سعودية الشيوعيون يفتتحون الحراك الشعبي… أما الحكومي فينتظر موعداً من الحريري
كتب المحرّر السياسيّ
بينما يصوّت مجلس الأمن الدولي غداً على مشروع قرار بريطاني حول اليمن يكرّس تفاهمات السويد، يكون اتفاق وقف إطلاق النار الذي حدّد المبعوث الأممي موعده فجر الغد في الحديدة، قد دخل حيّز التنفيذ، وسط إجماع دولي على أن تفاهمات السويد شكلت انتصاراً دبلوماسياً لأنصار الله الذين التقطوا الفرصة الدولية للعزلة التي يعيشها العدوان السعودي الإماراتي، وقاربوا بلغة واقعية ما يمكن تحقيقه من مكاسب من دون تضييع أي من الثوابت الرئيسية لحركتهم، فترتب على التفاهم عملياً طي صفحة القرار الأممي 2216 القائم على اشتراط تسليم السلاح لأي تسوية، وتكريس سلطة حكومة منصور هادي ومؤسساتها على المستوى الأمني والإداري كشرط لتنفيذ التسويات وآلية تطبيقية لها، بينما ما انتهت إليه مفاوضات السويد حفظ لأنصار الله سيطرتهم الفعلية في الحديدة أمنياً وإدارياً، عبر مؤسسات الدولة الموالية لحكومة صنعاء، بحيث باتت الشرعية التي كرّسها تفاهم السويد، ممثلة بمؤسسات الدولة قبل العدوان، سواء كانت في عدن أو في صنعاء، وما يسري على الحديدة يسري على سواها، باعتبارها عقدة العقد، فهي تحت عين العدوان أم المعارك، لوقوعها على ساحل البحر الأحمر وأهميته الاستراتيجية، ما استدعى أربع جولات قتال ضارية لاحتلالها انتهت جميعها بالفشل، ولولا هذا الفشل ما كانت مفاوضات السويد ولا كان نجاحها.
على أهمية الحدث اليمني، خطفت دمشق الأضواء مجدداً، ليس باعتبارها حرب حروب المنطقة، وساحة ساحاتها، بل باعتبارها امتحان جدية تسوياتها، فالكلام التركي التمهيدي للاعتراف بالأمر الواقع الذي يمثله الرئيس السوري المنتصر، تزامن مع تكريس معادلة لتشكيل اللجنة الدستورية المعنية بالمسار السياسي أحبطت المبعوث الأممي المنتهي الصلاحية، ستيفان دي ميستورا، وكرّست وقوف حلفاء سورية في صفها، والخروج من مشاورات روسية سورية اختتمها معاون وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف في دمشق قبل أيام، بما ترضى به دمشق ويُغضب دي ميستورا.
الحدث الكبير في دمشق كان الوصول المفاجئ للرئيس السوادني عمر البشير، الذي استقبله في مطار دمشق الدولي الرئيس السوري بشار الأسد، لبدء مشاورات قالت المصادر الرسمية السورية إنها تتناول العلاقات الثنائية والأوضاع في سورية والمنطقة، وتساءلت مصادر متابعة عن فرضية أن تكون الزيارة الرئاسية السودانية أول الغيث الرئاسي العربي، بعد انقطاع زيارات الرؤساء والملوك والأمراء العرب عن دمشق منذ بداية الأزمة والحرب قبل ثماني سنوات. وقالت المصادر إن الرئيس السوداني الذي بقي رغم تقربه من السعودية وقبلها قطر سعياً لتفادي عاصفة الربيع العربي بعد التحذيرات التي تلقاها علناً بوضعه على لائحة الاستهداف، بقي متمسكاً برفض الانخراط في حملة العداء لسورية، ورغم تورّطه في حرب اليمن، بقيت سورية في مكانة يحرص على السعي للوصل معها، وبالمقابل فالعلاقات التي تربطه بالسعودية اليوم لا تسمح بتوقع حدوث هذه الزيارة دون تنسيق مع الرياض، وربما بتشجيع منها، ومسعى لدور يقوم به صديق مشترك بين الرياض ودمشق، فكانت زيارة الرئيس السوداني.
مع بدء مسار التسوية اليمنية، ومؤشراتها الآتية من تفاهمات السويد، تبدو السعودية دون ممانعة أميركية، في ظل الارتباك الجامع بين عواصم قرار الحرب على سورية، ذاهبة للتخفّف من أثقال المعارك التي تورّطت فيها في المنطقة، وهناك مَن يتوقع تسارع الاتصالات قبل موعد القمة العربية الاقتصادية في بيروت خلال الشهر المقبل، لضمان توجيه الدعوة الرسمية للرئيس السوري للمشاركة فيها، وإلا فالتحضير لعودة سورية إلى الجامعة العربية قبل القمة العربية المقبلة في الربيع، والتي ستستضيفها تونس، ويجري البحث بنقلها إلى السودان التي فقدت دورها في استضافة القمة بسبب العقوبات المفروضة عليها، ويمكن أن تتحوّل قمة المصالحات العربية وفقاً لبعض الترجيحات.
بانتظار ما سيخرج من قمة الرئيسين الأسد والبشير، لبنان يتداول بالمخارج المتاحة من أزمته الحكومية، والتي يشكل مفتاحها تحديد موعد استقبال الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري لنواب اللقاء التشاوري، بعد زيارة متوقعة للحريري إلى بعبدا ولقائه برئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
بيروت كانت بالانتظار على موعد مع أول تظاهرة شعبية احتجاجاً على الضائقة المعيشية، بدعوة من الحزب الشيوعي اللبناني. وقد لاقت التظاهرة ترحيباً وطنياً وشعبياً، بانتظار ما إذا كانت ستفتتح مساراً للتحركات الاحتجاجية المنظمة والسلمية، التي ينتظرها اللبنانيون لتصحيح الكثير من مساوئ نظامهم الاقتصادي والاجتماعي، والسياسي أيضاً.
الحريري يشترط اتفاق «اللقاء» قبل استقباله!
مع عودة الرئيس المكلّف سعد الحريري الى بيروت من لندن، بدأ العد العكسي للمهلة الجديدة التي وضعها الحريري لتأليف الحكومة قبل نهاية العام الحالي، لاقاه على الموجة نفسها رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل الذي تحدث عن ولادة الحكومة في عيد الميلاد المجيد كعيدية للبنانيين، ما يطرح تساؤلات عما اذا كانت موجة التفاؤل الجديدة التي تُضخ في السوق الحكومية تحمل ملاءة سياسية وقابلة للتسييل في شراء الحلول لعقدة التمثيل السني أم ستُضاف مهلة أخرى الى سجل المواعيد والمهل التي تساقطت الواحدة تلو الأخرى نتيجة الصراع القائم بين القوى السياسية.
وإذ من المتوقع أن يشهد ملف التأليف حراكاً مكثفاً خلال الأسبوع الحالي، علمت «البناء» أن «لقاءً سيعقد بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس الحريري في الساعات القليلة المقبلة لإيجاد مخرج للأزمة الحكومية على أن يضع الرئيس عون الحريري في أجواء اجتماعاته ومشاوراته مع المعنيين لا سيما مع اللقاء التشاوري للنواب السنة المستقلين». وتلفت المصادر إلى أن «عون تحدث أمام زواره أنه يجهد لتأليف الحكومة قبل الأعياد ويسعى مع كافة الأطراف لتذليل العقدة الأخيرة على قاعدة مشاركة الجميع في التنازلات»، مشددة على أن «الأمور لم تقفل رغم أن الاتصالات سادها الركود في اليومين الماضيين». وأشارت المصادر الى وجود «جو إيجابي في بيت الوسط مردّه مرونة الرئيس المكلف في التعاطي مع مسألة توزير سنة 8 آذار لجهة إبلاغه المعنيين على خط حزب الله والرئيس عون أنه لا يمانع توزير شخصية تحسب على اللقاء لكن من خارج النواب الستة ومن حصة الرئيس عون»، معتبرة أن «ما تقدّم قد يكون المخرج لحل الأزمة لا سيما أن الرئيس نبيه بري، أشار مراراً الى أن الحل قد يكون عند رئيس الجمهورية».
ودعت المصادر إلى «انتظار ما سيخرج عن اجتماع اللقاء التشاوري اليوم لا سيما أن هناك تبايناً بين المعنيين حول التعاطي مع طبيعة تمثيل سنة اللقاء، إذ أن هناك من بات مقتنعاً بضرورة الذهاب الى توزير اسم من خارجه اللقاء في حين أن أطرافاً أخرى ترفض ذلك وتعتبر أن تراجعها يعني تنازلاً عن مطلب محق».
وقال وزير الخارجية جبران باسيل إن «هدية العيد ستكون إعلان الحكومة مع ميلاد المسيح، وهذه الحكومة هي للجميع، وإن لم تُنجز سيكون فشلها فشلاً للجميع، وإذا ولدت فهي نجاح لكل لبنان وستكون على أساس الخير والعدالة، وبما أن الحكومة هي للجميع، فعلى الجميع ان يضحي لإنجاز ولادتها مع احترام معايير التأليف. نريدها حكومة للكل ولخير الكل ولمحاربة الفساد بنفس جديد لبناء مستقبل الوطن».
أما الرئيس المكلف بحسب مصادر في تيار المستقبل فلا يزال على موقفه الرافض لتوزير شخصية من اللقاء التشاوري، موضحة لـ»البناء» أنه إذا كان الهدف من استقبال الحريري للسنة المعارضين في بيت الوسط هو انتزاع الاعتراف بشرعيتهم السياسية والحكومية والإصرار على توزير أحد منهم وتكرار المواقف نفسها فلا داعي للقاء، أما إذا تنازل سنة 8 آذار وجاؤوا الى الحريري متفقين فيما بينهم على وزير من خارج النواب الستة فيستقبلهم برحابة صدر»، وكان المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، بحسب المعلومات ينوي زيارة السنة المستقلين لإقناعهم الاتفاق على شخصية من خارجهم لتوزيره في الحكومة ومن حصة رئيس الجمهورية بعدما ألمح الرئيس الى استعداده لحل العقدة بالتنازل من حصته على أن يتفق اللقاء والحريري على مخرج موحّد، غير أن الوزير باسيل طلب من إبراهيم استئخار مسعاه في محاولة من باسيل لإحياء صيغة 32 وزيراً التي سبق ورفضها الحريري بذريعة تكريس وزير علوي في كل الحكومات المقبلة ما يحدث خللاً في التوازن الطائفي والسياسي بحسب مصادر المستقبل، لاعتبار تيار المستقبل بأن التمثيل العلوي سيكون على حساب التمثيل السني فضلاً عن أنه سيكون تابعاً لفريق الثنائية الشيعية و8 آذار».
إلا أن بورصة الصيغ عادت واستقرت في عطلة نهاية الأسبوع على الصيغة الثلاثينية بعد تراجع أسهم الصيغ الأخرى، ما يعني أن الأسبوع الحالي سيكون حاسماً على الصعيد الحكومي، فإما حكومة وإما الكارثة هي البديل بحسب رئيس الجمهورية في ظل ظهور مؤشرات الانفجار الاجتماعي في الشارع مع التظاهرات التي شهدتها العاصمة بيروت أمس، ضد السلطة فضلاً عن تردي الوضع الاقتصادي والمالي وتراكم الأزمات المعيشية والبيئية وتدهور الوضع الأمني لا سيما في البقاع وعلى الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة.
تفاؤل الحريري عاد وأكد عليه الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري معتبراً «أننا في المئة متر الاخيرة من تأليف الحكومة، كما قال الرئيس سعد الحريري من لندن»، موضحاً «أن ما صدر من كلام عن توزير من خارج النواب الستة هو كلام في الاتجاه الصحيح، ولكن كما يقول الرئيس نبيه بري «ما نقول فول ت يصير بالمكيول»، بعيداً عن كثرة التحليلات، التي قد تشوش على طريق الحل. فلتأخذ الأمور مجراها، وليكن الكتمان سيد الموقف، للإبقاء على بارقة الأمل في التأليف قريباً»، نافياً فكرة اعتذار الحريري.
أما اللقاء التشاوري فلم يصدر موقفاً نهائياً من المخرج المطروح في التداول بقوة القاضي بتوزير شخصية من خارج اللقاء، بانتظار اجتماعه المتوقع خلال الساعات المقبلة في دارة الوزير عبد الرحيم مراد، إلا أن كلام عضو «اللقاء» النائب قاسم هاشم كان لافتاً ويصبّ في الاتجاه الايجابي نفسه، حيث قال في حديث للـ»ام تي في» «نصرّ أن نتمثل بأحدنا وما يطرح اليوم حول طرح اسم خارج اللقاء مبادرات للتوصل الى حل»، مضيفاً: «في حال تنازلنا ووصلنا الى اختيار اسم خارج اللقاء فنطرح اسماً وحداً نرفض أن يكون عليه فيتو».
وعلمت «البناء» أن اتصالات جرت بعيداً عن الأضواء بين مراجع رسمية رفيعة المستوى معنية بالشأن الحكومي وتناقشت بدقة الأوضاع الاقتصادية والمالية والتحديات الأمنية على الحدود وكان اتفاق على ضرورة العمل لمعالجة العقدة السنية بأي ثمن وأسرع وقت ممكن وقبل نهاية العام، لأن تفويت الفرصة الأخيرة في هذا العام على ولادة الحكومة يعني تأجيل الحكومة إلى العام المقبل ما يعني وضع اللبنانيين والمؤلفين معاً أمام خيبة أمل جديدة وقد يفتح العام الجديد أبوابه على أزمات سياسية مديدة تطال النظام السياسي برمته».
من جهته، أكد عضو المجلس المركزي في حزب الله الشيخ نبيل قاووق، أن «النواب السنة المستقلين صاروا جزءاً من المعادلة السياسية ولا يمكن لأحد أن يتجاهل حقهم أو أن يلغيهم، وليسوا بحاجة لاعتراف لأن نجاحهم وحجم تمثيلهم يعطيهم حقهم في المعادلة»، وقال قاووق خلال حفل تأبيني في بلدة سحمر: «ليس حزب الله من أعطاهم الحق في أن يتمثلوا بالحكومة، بل صناديق الاقتراع هي التي أعطتهم الحق، لذلك حزب الله ليس مفاوضاً عنهم في التوزير في الحكومة الجديدة، ولا يضغط عليهم وإنما يقبل بما يقبلون به، وكل محاولة لتزييف الحقائق إنما هي محاولة بائسة وفاشلة من أجل التغطية عن جهة التعطيل الحقيقية، والحديث عن رفض حزب الله للثلث الضامن لرئيس الجمهورية افتراء ومحاولة فاشلة للتغطية على هوية المعطّل، والحزب يشجّع على زيادة حصة رئيس الجمهورية لأنه كلما كان الرئيس في موقع قوة داخل الحكومة كانت الضمانة والتأثير والفعالية أكثر، وحزب الله لا يمانع إذا كانت حصة رئيس الجمهورية 11 أو 12».
وفيما تتأرجح المبادرة الرئاسية على وقع التحركات في الشارع، شهدت العاصمة بيروت أمس تظاهرة حاشدة نظمها الحزب الشيوعي اللبناني تنديداً بالأوضاع المعيشية والاقتصادية التي وصل إليها البلد جراء السياسات الرسمية المتعاقبة.
وفي ختام التظاهرة التي سارت وسط بيروت وصولاً إلى ساحة رياض الصلح، قال الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني حنا غريب أن «كفى استهتاراً وإذلالاً بكرامة اللبنانيين ولن نخاف منكم وسنواجهكم وسنحمّلكم تبعات الانهيار الذي وصلنا إليه».
وأضاف غريب قائلاً: «السياسيون يمعنون بالاستمرار بالصفقات والسمسرات ونهب المال العام ويريدون الالتفاف على ضرب سلسلة الرتب والرواتب»، وأشار إلى أن «ليس عادلاً أن يدفع الفقراء 70 من قيمة الدين العام وحيتان المال لا تدفع سوى 30 وآن الأوان لقلب هذه المعادلة رأساً على عقب».
ودعا حنا غريب اللبنانيين إلى الخروج من متاريس الطائفية والمذهبية إلى رحاب الوطنية ودعاهم النزول إلى الشارع في كل المناطق اللبنانية، واعتبر أن تظاهرة بيروت اليوم هي باب الدخول إلى حيث التغيير الأساسي في لبنان.
وبدوره اعتبر رئيس التنظيم الشعبي الناصري المشارك في التظاهرة النائب أسامة سعد أن تظاهرة اليوم تعبير عن نقمة شعبية عارمة وتعبير عن تمرد شعبي ضد واقع لم يعد بالإمكان احتماله.
وطالب بتشكيل الحكومة اليوم قبل الغد قائلاً إنه لم يمنح الثقة للرئيس المكلف سعد الحريري «ولن أمنح الثقة للحكومة المقبلة نظراً لمعارضتنا للتوجّهات الاقتصادية والسياسية في أوساط الحكم».