سورية نحو وضعيّة عربيّة محوريّة
د. وفيق إبراهيم
الزيارة التي قام بها الرئيس السوداني عمر البشير الى العاصمة السورية دمشق منذ عدة أيام تجهرُ وقبل أي هدف من أهدافها السرية الأخرى بانتصار المحور السوري الإيراني الروسي على المحور الأميركي.
كما تؤكد من جهة ثانية على محورية سورية في أي نظام عربي قيد التشكيل.
أما لجهة الوساطات التي عرضها البشير على مضيفه الرئيس السوري بشار الأسد فتأتي في الموقع الثالث، لأن السعودية والإمارات خسرتا دوريهما في الميدان السوري، ولم يعد لديهما مراكز نفوذ وازنة، مقابل صعود الدور التركي على حسابيهما.
للتدليل على هذا الانتصار يجب التساؤل عن إمكانية مجيء الرئيس السوداني الى سورية من دون موافقة المحور الذي ينتمي إليه أي السعودية، وهل تتجرأ الرياض على إيفاده سرياً وعلى جناح العجلة من دون استئذان الراعي الأميركي؟
هذه اسئلة لديها اجابات بديهية وتعكس التسلسل في الأهميات، فالبشير أصبح سعودياً والسعودية تجاهد من اجل الحفاظ على التغطية الأميركية وواشنطن من جهتها تقيسُ بعيون ثاقبة فائدة هذه الزيارة فتكتشف اهميتها في امكانية انتاج تقارب «عربي عربي» يملأ تراجعات النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط على حساب الطرف التركي الذي بدأ بالتمرّد على الأميركيين، كما يقول البيت الأبيض.
وذلك ترى الدولة الأميركية العميقة ان العرض السعودي على سورية بالتقارب السياسي يؤدي تلقائياً الى ولادة هذا النظام العربي برأسين دوليين وقيادتين عربيتين وهم الأميركيون والروس من جهة وسورية والسعودية من جهة ثانية، فيحقق الأميركيون أهدافهم الجديدة بعد الهزيمة التي تلقوها في ميادين سورية والعراق واليمن.
وتتعلّق بقبولهم بالثنائية بين واشنطن وموسكو على اساس اقتسام «القرار الإقليمي» وليس الدولي. فبذلك تكون واشنطن أصابت عصافير متعددة بالحجر السعودي السوداني وأولها إرجاء اعترافها بالأهمية الدولية لروسيا على ان تتواكب مع إقصاء تركيا عن الميادين السورية والعراقية والقطرية واليمنية.
ولأن الأميركيين يعرفون أهمية إيران في المحور السوري فتراهم يراهنون على استكمال تطور العلاقات السورية السعودية التي يجب برأيهم أن تبعد طهران عن المسرح العربي بطريقة تدريجية لصعوبة الإقصاء الفوري وربما الاستحالة.
وهنا لا تجب المراهنة على إدراك البشير للأهداف الأميركية السعودية في زيارته لدمشق، لقد نفّذها حاملاً تحيات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الى الرئيس الأسد مع إبداء استعداد المملكة السعودية لتحسين العلاقات السياسية والاقتصادية مع سورية والإصرار على عودتها الى جامعة الدول العربية. وهنا لم يعرف البشير أنه يعرض تشكيل محور سوري سعودي معادِ لتركيا عاجلاً وإيران آجلاً.
ماذا يعني هذا العرض للسعودية؟
إنقاذ محمد بن سلمان من أزمته العالمية المنبثقة من اغتياله للإعلامي الخاشقجي وبدرع عربي يصطف بالنتيجة الى جانب ادارة الرئيس الاميركي ترامب. وهذان الدرعان الاميركي والعربي يكفيان ليجتاز آل سعود بواستطهما أزمتهم الخطيرة الراهنة.
هذا بالإضافة الى الهدف الكبير الذي يريد السعوديون من خلاله إجهاض مشروع الزعامة التركية للعالم الإسلامي ويكمن في تفاصيل العرض.
على المستوى السوري يبدو أن الدولة استمعت بعناية الى ما حمله البشير من مقترحات ووعدت بدراستها.
لكن قيادة الأسد تعرف أن تطور الموقف السعودي من الإصرار على إسقاط الأسد والدولة ودعم الإرهاب وتمويله وتسليحه وصولاً للعودة الى الاعتراف بالدولة وقيادة الأسد إنما هو ناتج الميدان الحربي فقط الذي جمع بين جيش سوري صلب وشديد المراس وكتائب المجاهدين في حزب الله والدعم الاستشاري الإيراني بالرجال والمال ومئة وعشرين ألف غارة روسية. هذه هي التي جعلت الإمارات والسعودية ومصر والأردن ولبنان والكويت وعُمان والجزائر، هذا دون نسيان القبلات التي استقبل بها وزير خارجية البحرين نظيره السوري وليد المعلم في الأمم المتحدة، هذا هو الميدان الذي انتصرت فيه دمشق وهو الذي أعاد الدول المتآمرة على سورية إليها من جديد، لكنها تعود هذه المرة وهي تحمل أزمات دولها وأنظمتها في الداخل والخارج. فالبحرين تتودد لسورية لعلها تضغط لها على إيران المتهمة زوراً بمحاولات إسقاط الملكية فيها، والسعودية تريد الفرار من أزمة الخاشقجي التي تهدد كل آل سعود، والإمارات تفتش عن حلول لتراجع أدوارها وتورطها في أكثر من مكان، ومصر من جهتها تهرب من الإخوان المسلمين فتستنجدُ بالتجربة السورية، لبنان يرى بدوره في سورية انقاذاً لنظامه الاقتصادي المتدهور ويريد منها ممرات الى أسواقها وأسواق الأردن والعراق والخليج، لكنه يخشى المحور الأميركي السعودي فينفذ خطوة نحو دمشق ويتراجع خطوة بانتظار إفلاته من هذا السجن.
فإذا كانت سورية هي الملاذ لمعظم المجموعة العربية في الشرق وهي في خضم أزمة إرهاب ضخمة مدعومة من الحلف الغربي، فماذا تكون عليه في مراحل تحسّن الأوضاع فيها، هذا ما يؤكد على محورية الدور السوري في بلاد الشام والعراق والخليج وصولاً الى اليمن وهو دور لا يأتي بالقوة، بل بمتانة الدولة السورية التاريخية وأثرها على جوارها العراقي والأردني واللبناني والفلسطيني. وهذا نابع من الوحدة الوطنية لأهلها، تكفي النظرة الى اوضاع معظم الدول العربية التي لم تصبها حروب حتى يدرك مدى القوة التاريخية لسورية ومتانة مجتمعها وقدرتها على الإمساك بمحورية نظام عربي منفتح على كل القوى الإقليمية والدولية لمصلحة العرب واستقرارهم، هذا ما تؤكده حركة الدول العربية باتجاه دمشق، بقي أن يعلم بهذا الأمر امين عام جامعة الدول العربية ابو الغيظ الذي لم يعرف حتى الآن أن معلميه في السعودية والإمارات عادوا الى دمشق.
فيما لا يزال الأمين على التعليمات الأولى بمقاطعة سورية، فهل يستيقظ قبل فوات الأوان او ينتظر التعليمات الجديدة التي لن تصله قبل الجواب السوري على عرض البشير. فهل هذه جامعة دول عربية أم مجرد أداة تافهة بيد المحور السعودي الإماراتي الأميركي؟