المير: الفيلم يتناول الجانب الإنساني والانتماء لسورية كانتماء حضاري قبل أي انتماء ديني فمنذ بداية الأزمة السورية كنت أنادي دائماً برفع منسوب الانتماء لسورية

لورا محمود

كحارس أمين يقبع عند مدخل الفج الغربي لمدينة معلولا أقدم دير في العالم لأول شهيدة مسيحية تتلمذت على يد القديس بولس واعتبرت نموذجاً مصغراً للكنيسة البتول بعد القديسة مريم مباشرة، اتخذت من المغاور موئلاً لها تتضرّع لربها وتتعبّد بسكينة وتصلّي بقلب مفتوح ليصبح مقام القديسة تقلا الدفينة هناك ملجأ لكل مريض وراحة لكل مهموم في مكان مازال ينطق بلغة السيد المسيح الآرامية التي تبلغ ثلاثة آلاف سنة من العمر ولا يتكلم بها أحد في العالم سوى قرية معلولا وقريتي الصرخة وجبعدين.

قديسة معلولا الشهيدة كانت ترى أن الروح تتجلى بالنقاء والصبر والبساطة وأيضاً بالأبدية، حيث القديسين والأنبياء والشهداء هؤلاء الذين تألموا وقدموا أرواحهم لتحيا سورية الحضارة والتاريخ وليبقى ذكرها مؤبداً ولتصبح أجسادهم عنوان قيامة جديدة تفتح الطريق نحو أفراح أبدية، كما تقلا القديسة التي كوفئت على برها وجهادها فتقدس اسمها وكان لها إكليل في الملكوت. فـ«طوبى للجياع والعطاشى إلى البر، لأنهم يشبعون» هكذا قال السيد المسيح.

هذا كله وأكثر سنراه قريباً في فيلم «قيامة الصخور» للمخرج سليم المير الذي التقته «البناء» وحدثنا عن تفاصيل العمل.

الفكرة

في البداية تحدث المير عن فكرة الفيلم قائلاً: سابقا كنت اعمل في مجال الأفلام الوثائقية التي تتناول الحرب السورية. وهذا الفيلم هو الأول الذي لا يتناول الشق العسكري فهو إنساني بحت. الفكرة بدأت عند تحرير معلولا وكل ما رأيته هناك بعد خروج المسلحين منها والدمار الذي حصل في الأديرة الموجودة فيها والصلبان التي حرّقها المسلحون. وهذه أكثر صورة رسخت في ذهني. فقررت أن أتناول حياة القديسة تقلا وهي محور الفيلم وعموده الفقري وقد نسجنا حياتها ضمن محاور توثيقية. فالفيلم ديكودراما أي يعتمد على التمثيل والتوثيق. ومن خلال حياة القدسية تقلا استطعنا أن نوثق مجموعة قصص مرتبطة بها.

وأضاف المير الفكرة كتبتها على الورق كخطوط عريضة ثم ألفت القصة والسيناريو منذ ثلاث سنوات ونصف تقريباً. وكان هناك من ساعد في تنقيح النص وهو الدكتور يوسف موصللي. فحتى مذكرات القديسة تقلا هي مكتوبة بصيغة قريبة من الشعر لذلك تولى مهمة الصياغة الأدبية للنص.

ولفت المير إلى أن الفيلم يتناول اربعة محاور. المحور الأول قصة حياة القديسة تقلا، والمحور الثاني تاريخ اللغة الآرامية، والمحور الثالث هو معلولا كمدينة تاريخية كيف بنيت منذ وجود الإنسان فيها وعن الآثار الموجودة هناك والمحور الأخير يتحدث عن الأحداث التي حصلت في مدينة معلولا خلال الحرب السورية ودخول الإرهابيين للمدينة، وكيف تحررت؟ وهذا الجانب تحديداً أتناول فيه الشق الإنساني اي معاناة أهالي معلولا. ففي الفيلم هناك مقابلات مع شخصيات مدنية كانت موجودة أثناء دخول الإرهابيين للمدينة ويتحدثون كيف استهدفت الكنائس وكيف أجبر الناس على تغيير دينهم ومنهم من أصيب وخسر أحباء. فالتركيز كان على الإنسان بشكل كبير.

اللغة

أما عن سبب استخدام اللغة الآرامية فنوّه المير لأنها اللغة التي كانت تحكى في تلك الفترة، ولأن أهل معلولا اليوم مازالوا يتحدثون بها ونحن في الفيلم وثقنا تاريخ اللغة الآرامية. فجزء كبير من الفيلم يُعرف المشاهد على اللغة الآرامية كيف نشأت وتطورت وكيف كتبت وأنواع الخطوط واللهجات التي تفرّعت منها، فإحدى اللهجات التي خرجت من اللغة الآرامية هي اللهجة النبطية التي هي جذر اللغة العربية التي نستخدمها اليوم، لذا وثقنا كل ما له علاقة بهذه اللغة الغنية وقد تم التوثيق من خلال خبراء يدرسون اللغة الآرامية وهم كانوا ضيوفاً على الفيلم ويظهرون فيه.

ولفت المير لقد استعنا الى جانب خبراء اللغة الآرامية الاستاذ الياس جدرة وجورج زعرور وهم من أبناء المنطقة برؤساء الأديرة الثلاثة وهم ضيوف في الفيلم يتحدثون عن تاريخ الأديرة الموجودة في معلولا واستعنا أيضاً بأبناء معلولا ليتحدثوا عنها وبشهود عيان كانوا موجودين وقت دخول المسلحين إليها. فهناك حوالي 11 ضيفاً موجوداً في الفيلم، منهم من تحدث عن معاناته مع المسلحين ومنهم من تحدث عن الدمار الذي خلفه هؤلاء المسلحون ومنهم من تحدث عن تاريخ معلولا والأديرة.

الممثلون وصعوبة تعلم اللغة

وتحدّث المير عن الممثلين الذين شاركوا في الفيلم الممثلة عليا سعيد التي مثلت دور القديسة تقلا وهي الشخصية المحورية في الفيلم وريم مقدسي التي لعبت دور السيدة العذراء وهناك شاب لعب دور بولس الرسول الذي بعث تقلا الى معلولا هو ليس بممثل فله مشاهد قليلة في الفيلم.

وتابع المير لقد واجه الممثلون صعوبة بالتحدث باللغة الآرامية، لكن الممثلين المتخرجين من معهد عالٍ للفنون المسرحية يمتلكون ادوات وقدرات تعبيرية جيدة لذلك استطاعوا ان يوصلوا اللغة والمشاعر بالشكل الصحيح.

صعوبة التصوير

وعن ظروف التصوير ومدته قال المير: الفيلم استغرق تصويره حوالي الشهر وكانت هناك صعوبة نوعاً ما بالتصوير لأن معلولا طبيعتها صخرية وهناك مشاهد اخذت من اعلى الصخور وفي الجبال، ففي الفيلم نتناول قصة عيد الصليب في معلولا الذي له خصوصية هناك، حيث يتمّ إشعال النار في أعلى الجبل، لذا كان هناك صعوبة بنقل المعدات والكاميرات لكن اندفاع أبناء معلولا والمساعدات التي قدمت لنا من الجميع خففت من التعب فقد كان هناك تعاون كبير من قبل أهل معلولا، بالإضافة لوجود خبراء اللغة الذين دربوا الممثلين فاندفع اهل البلدة لتعليم الممثلين أيضاً ومساعدتهم.

وأضاف المير في التصوير لم نستخدم أي غرافيك لأننا نتحدث عن فيلم توثيقي درامي. فالمشاهد كلها حية وصورنا مشاهد جوية ومشاهد أخذت بكاميرات متحركة كنا نحاول ان تكون المشاهد متحركة لأن المعلومات مكثفة جداً ومدة الفيلم 57 دقيقة.

حصار واضطهاد

وفي سؤال عن الربط الذي قام به المخرج بين الاضطهاد الذي تعرّضت له القديسة تقلا والحصار الذي تعرضت له معلولا وأهل معلولا في الحرب السورية، قال المير إن معلولا عبر الزمن تعرضت لحصار كبير واللغة الآرامية ايضاً تعرضت للاضطهاد. ففي كل العالم لا توجد الا ثلاث قرى سورية تتحدّث هذه اللغة فماذا حصل حتى تراجعت هذه اللغة؟ ومَن المسؤول عن وصولها الى هنا؟ ومَن المسؤول عن منعها من ان تحكى كلغة رسمية؟ حيث كانت اللغة الآرامية اللغة الرسمية في مرحلة من المراحل في كل من إيران ومصر، فكل هذا الاضطهاد والحصار موجودان في كل محور في الفيلم حتى هناك ربط بين هروب القديسة تقلا من طريق الفج ودخول المسلحين الى معلولا ايضاً من منطقة الفج نفسها حتى ان المسلحين دخلوا الى مقام القديسة تقلا لكن لم يصلوا الى المكان الأساسي الذي طلبت فيه ان تعيش بسكينة فكل ما حصل ربطناه عن طريق فلاشات قصيرة لتوصل الرسالة التي نريدها للمشاهد فكل ما حصل في حياة القديسة تقلا وما حصل في اللغة وفي أهالي معلولا منذ زمن ربطناه مع دخول المسلحين.

مشاهد حقيقية لم تعرض من قبل

وقال المخرج سليم المير إن المشاهد التي تعرض في الفيلم هي مشاهد حية لأشخاص عانوا أثناء وجود الارهابيين منهم السيدة انطوانيت التي تعرضت للكثير من المعاناة فهي فقدت أسرتها على يد هؤلاء المسلحين وأيضا أصيبت. وفي البداية رفضت التحدث عما جرى معها، لكنها قبلت عندما شرحنا لها قصة الفيلم وأهمية ان تروي قصتها. وكان من المهم الإضاءة على حالتها. فهي تظهر في الفيلم ونعرض أيضاً لقطات حقيقية لها لحظة إصابتها في قلب المعركة فقد تم الربط بين الكلام والصورة لنوثق كل لحظات المعاناة التي عاشتها تلك السيدة.

وأضاف المير أيضاً نعرض في الفيلم مشاهد اثناء دخول المسلحين الى حارات معلولا وهي لم تعرض من قبل. وهناك مشاهد لإحدى السيدات التي دخل المسلحون الى بيتها في الوقت الذي كان أبناؤها يدافعون عن بلدتهم. فلولا مقاومة ابناء البلدة لما عادت معلولا ولو سيطر المسلحين عليها لما استطاع أحد استرجاعها فإيمان أبنائها بأرضهم وجذورهم هو الذي حمى البلدة.

رسالة الفيلم

وعن الرسالة التي يقدمها الفيلم قال المير: منذ عام 2011 أي مع بداية الازمة في سورية كنت أنادي دائماً برفع منسوب الانتماء لسورية. فالغرب يشتغل وفق مصالحه لذا قدّم تسهيلات للكثير من المسيحيين لمغادرة سورية بغض النظر عن الظروف التي مر بها هؤلاء الأشخاص. فالبعض اضطر للمغادرة وليس لديه أي حل آخر، لذا في الفيلم أردت أن أقول إننا ابناء سورية الحقيقيين نمتلك تاريخاً يعود لآلاف السنين ومعلولا هي جزء من هذا التاريخ الذي تطور. فقد كانت تستخدم اللغة الآرامية ثم انتقلت للعربية، لكن جذورنا مرتبطة هنا ونحن ننتمي لهذه الأرض وسورية كانت تدين بالمسيحية قبل مجيء الإسلام، لذا كان لا بد أن نعرف ما هي جذورنا ومَن نحن كسوريين. وطبعاً أنا أتناول الانتماء لسورية كانتماء حضاري قبل اي انتماء ديني.

وتابع المير هناك تلاقٍ لمجموعة من النقاط في الفيلم ابتداء من اللغة السورية الاصلية وهي الآرامية الى جانب الحضارة السورية القديمة الموجودة في معلولا وفي مغاورها التي عمرها حوالي سبعة آلاف سنة الى الآثار والأديرة الموجودة هناك، لذا حاولت ان أضيء على هذا الجزء حتى المغاور التي كانوا يختبئون فيها منذ القديم هي اليوم موجودة وتسمى الحصن.

وأخيراً ذكر المخرج سليم المير ان الفيلم هو باللغة الآرامية وترجم الى اللغة العربية والانكليزية والفرنسية والروسية وأريد أن يشارك بمهرجانات اوروبية وسوف يعرض قريباً في سورية والموسيقى التصويرية اخترناها من الحضارة السورية القديمة ونحن وزّعناها. وهناك مقطع من اغنية فيروز «يا مريم» التي أعدنا توزيعها لتتوافق مع الفيلم بمساعدة الموسيقي وسيم جلول.

عليا سعيد

والتقت البناء مع الممثلة عليا سعيد التي جسدت بدور القديسة تقلا، حيث تحدثت عن تجربتها قائلة: الدور كان لافتاً للنظر بالنسبة لي لانه عن شخصية تاريخية ودينية وهي شخصية تعبر عن المحبة والسلام وتعرضت للاضطهاد بحياتها لتقوم بما كانت مقتنعة به. وهذا النوع من الشخصيات يجذبني كثيراً خاصة أني ما زلت ببداية حياتي المهنية وأجد أن مهمتي ان اقوم بتجسيد هذه الشخصيات وادافع عنها، لذا كنت سعيدة جداً عندما عرض علي هذا الدور.

اما في ما يتعلق باللغة فأضافت سعيد أن اللغة كانت صعبة لفظاً وتعبيراً، لأنها لغة مختلفة تماما عن أي لغة أخرى لذا كان يرافقنا مدرب لغة وفي الكثير من الاحيان كنا نتوقف عن التصوير بسبب اللفظ الغلط لذا كنا نصحّح ونعيد المشهد.

وتابعت سعيد هذه التجربة قمنا بها جميعاً بمحبة فكل فريق العمل كان مستمتعاً والناس الموجودون هنا ايضاً ساعدونا جداً. ومهنياً هذه التجربة اضافت لي الكثير خاصة بما يتعلق باللغة لأنها لغة قديمة جداً ويتكلمها قلائل لذلك كانت التجربة خاصة جداً. وهذا الدور سأتغنى به لانه أضاف لمسيرتي الفنية الكثير.

أما عن صعوبة ان يؤدي الممثل شخصية دينية معروفة ومحببة عند الناس قالت سعيد: لقد كان الأمر ممتعاً وصعباً في الوقت نفسه، فكان هاجسي أن أكون عند حسن ظنّ الناس وتوقعاتهم خاصة هي شخصية يعرفونها ويحبّونها لذا أتمنى أن أكون قد وفقت في هذا الجزء.

ونوّهت سعيد ان هذا النوع من الأفلام الديكودراما يعتمد بشكل اساسي على المعلومات المطروحة اكثر من الاعتماد على الجزء التمثيلي لذلك ايضاً كانت تجربة غريبة بالنسبة لي وجديدة لاننا تعودنا ان اي فيلم او مسلسل يعتمد على الممثل، بينما هنا شيء مختلف. فالفيلم يعتمد على المعلومة التي يجب ان تصل من خلال التمثيل أما الإحساس ودقة التمثيل فيأتيان بالدرجة الثانية. فهنا لدينا مهمة أهم. وهي ايصال المعلومة التي تدعم ما يحكيه الناس في الفيلم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى