عصام العبدالله… إلى اللقاء
بلال رفعت شرارة
يصادف هذا الأسبوع الذكرى الثانية لتحرير حلب الشهباء. الاحتفالات كانت ثقافيه بامتياز، علقت اللوحات التصويرية التي تصور مدينة الحياة والحب والحرية وربما كان عصام العبد الله قد سبق الجميع الى حلب عندما قال:
شايف كأنا الشمس عم تلعب
ركبت على فرس البرق متل اللهب
متل اللي حط السيف يإيدا الغضب
شايف أبو الطيب ع بوابة حلب
راكب على حصان الزمن
حاطط ورا ضهرو مرا
مخبّي تحت دقنو نبي
وجايب شعر متل الذهب
ومنتصف هذا الأسبوع احتفلنا باستعادة الشاعر عصام العبدالله بيننا إذ كان هو وشاعر الزجل خليل الشحرور قد غادرا مكاننا وزماننا على حين فجأه ربما الأمر ليس بهذه الصورة فكلاهما قد أضناهما الألم والمرض وكانا في أيامهما الأخيرة يعانيان سكرات الموت فقط كان أحدهما يلتقط أنفاسه ليسأل عن حال الآخر .
خليل الشحرور جمع منذ سنوات شمل شعراء الزجل في نقابة لحفظ كرامة هؤلاء الذين غنّوا لبنان على كلّ منبر، وأضافوا إلى الكلام سُكراً وعسلاً وحملوا أنفسهم إلى كلّ الدنيا ونقلوا هذا التقليد اللبناني من مكان الى آخر وكانوا حيثما تحلّ جوقة منهم أو شاعر يجتمع إليه اللبنانيون… يسمعهم كلاماً ويعلّق حلق الكلام في آذان نسائهم ومفردات تراثية لا زال القلة من رجالهم ربما الجيل الذي يعرفها أباً عن جدّ يحفظها وتتعلمها الأجيال الجديدة فلماذا ستلتزمها وهي ليست لغة الشهادات ولا لغة التجارة وطبعاً هذه الأيام ليست أيام حبٍ ولا من يحزنون.
مات خليل الشحرور ابو ابراهيم على السكت دون ضجيج او شوشرة… مات بشكل أنيق وبكلّ احترام… نحن… من تبقى وبعضنا قضى نحبه وبعضنا لا زال ينتظر وما بدّلنا تبديلا… أحسسنا انّ الموسى وصلت الى لحيتنا… سقط خط دفاعنا الأول سيأتيكم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة .
راح الشحرور… فلت من بين أصابعنا… لم يكن أبو حازم يأتي كعادته ويجلس على عرشه في مقهى الروضة الذي جمعنا في لقاءاتنا الثقافية… عصام يتعثر بأنفاسه وهو ليس بيننا ليشدّ عصبنا ولا ليحمل عنا الهمّ ولا لنكسر عليه.
في ذات ليلة من ليالي جبل عامل والحرب الكونية لم تنته بعد والانتداب الأجنبي يتمرجل علينا نحن هنا في الشرق والاستقلال أضغاث حلم ولد عصام ابن الخيام في انطلياس كبر على حليب السياسة والشعر هو في شبابه لم يترك حزباً من شرّه أو في الحقيقة لم تتركنا الأحزاب جميعا من شرّها ولكنه هو الهتيف كان يزيّن لنا الدنيا انّ هذا المشروع السياسي جيد موصل للوحدة وذاك للاشتراكية وكان يمسك بيدنا ويجرنا الى الحرية كان قلبه طيباً كان يصدق وربما نحن لا زلنا نصدّق انّ هذه الأيديولوجيا ثورة على الحدود وصرنا نصدق انّ الثورات حتى النصر وأراد عصام لنا ان نصدّق مشروع الوطن… لبنان الجميل هو الوطن النهائي للجميع وأنه لا بدّ ان تتوقف الحرب.
ربما عاش عصام في عالم الرحابنة. ذهب الى المدى الأبعد وهو يرى انّ الوطن قادم كانت فكرته أنموذجية عن المقاومين الذين في قصيدته يلفون وجوههم بالعتم… ألف لنا وردة دمنا وكتب وردة ليس بنفس مقاييس المتنبي… صار يسمعنا حكياً مثل الشعر قصيدة سلاف وحازم القصيدة وميّز دائماً ورد حتى قبل ان يغلبه كريم…
ثم اننا لم نكن نملك لصباحاتنا فنجان قهوة لولا قهوته المرة ولا أوراق خرطوش ليرسم عليها طريقاً للنمل… سطراً للغته الأولى فقال كلاماً لن ننساه، حفر قصيدة على صخرة قلوبنا ثم أنشد مقام الصوت الذي نكاد نحتفل بمرور سنوات عشر على صدوره.
الآن هذا العام وفي الأعوام السابقة يأتي عصام إلى معرض الكتاب… أنا الذي كنت أشاكسه كلّ ليلة حاولت ان أرمّم صورة غيابه قال لي يا بابا بدّي نام أنت لا بتنام لا بالليل ولا بالنهار… بصراحة لم أكن مرتباً مثله ولم اعسل أوقاتي مرة واحدة… هو كانت نهاد تتفقده… أكلت؟ شربت؟ أخذت الدوا؟ ثم انّ هذه القامة الطويلة العريضة وقعت وتفكفكت ونحن لم يبق منا سوى سراب أجسادنا. نأتي في هذه الأحيان نناقش تاريخ الوشم وسوف لا يحمل لنا خبر خير سوى حسن الشاعر.
لم تنتبه الدولة ولا وزارة الثقافة إلى ان تحمل إليك وساماً وأنت سوف لا تتكرّر وكذلك موريس عواد وميشال طراد والرحابنة، سوف لا يتكرّر خليل الشحرور او أسعد سعيد او جوزيف الهاشم أو أبو علي زين شعيب…
أنت منذ ذاك الاحتفال في سنويتك يا عصام والذي أستعدناك فيه إلينا سيكون لك كلّ عام ان تمنح أوسمة وجوائز… إلى اللقاء…