ريما الدياب: وظيفة النقد اليوم تتلخّص في بناء النصوص وسدّ الثغرات وفكّ الرموز
محمد خالد الخضر
استخدام علم التّحليل والاستنباط المعاصرين، أسلوب تطرّق إليهما نقّاد معاصرون لدراسة الأدب العربي القديم وكشف عوالم جديدة فيه، وهذا ما تعمل عليه الناقدة الدكتورة ريما إسماعيل الدياب، التي تستخدم غالباً منهجاً تطبيقياً في دراساتها النّقدية مع التّعامل الحذر مع المناهج الغربيّة.
ومن بين المصطلحات الحديثة التي روّج لها في العصر الحديث باحثون غربيون، مفهوم التّكامل بين الأدب والنّقد، والذي تُشير الدياب إلى أنه مرفوض لدى نقّاد كُثر، لأنّ النّقد حسب وجهة نظرها عمل إبداعي بالأساس والعملية النّقدية ذات طبيعة بنائية تقوم بدور الموجّه للأدب وتشحذه بقيم جديدة ونواحٍ فريدة والتي بدورها تستعين بذائقة النّاقد وثقافته وفق مجموعة من المعايير والأسس.
قيام النّاقد بهذه الأدوار جعلت العلاقة بينه وبين الشّاعر، برأي الدياب، تأخذ منحى سلبياً لأن الشاعر يعتقد أن الإبداع لا يخضع لسلطة والناقد يريد تطويع وإخضاع إبداعه الجامح إلى معايير.
وتشير الدياب إلى أن النّقد ثقافة وعلم وذوق قبل أن يكون ممارسة، فلا يستطيع المرء أن يمارس هذه العملية ما لم تتوافر لديه هذه الأدوات. فالذوق يُمكّن الناقد من إدراك مواضع الشفافيّة والقوة والجمال في النّص، أمّا الثقافة فتمكّن الناقد من معرفة الحيّز الذي يشغله النص ضمن سياقات الأدب وتساعد أيضاً على إدراك أهمية العمل الأدبي.
وتتحدّث مؤلّفة كتاب «دراسة منهجية في الشعر العباسي» عن الفرق بين مفهوم النقد عند القدماء الذي كان يقتصر عند التمييز بين جيد الشعر ورديئه وبين النقد الحديث الذي تجاوز ذلك إلى تقييم الأعمال الأدبية وتصنيفها في المكان الذي تستحقه من خط التطوّر الأدبي، مشيرة إلى أن النقد يقوم اليوم، بوظيفة حيوية تدخل في مسألة بناء النصوص وسدّ الثغرات واستحضار الغائب وفكّ الرموز وشرح المقاصد الأدبية وراء الكلمات.
وحول مقولة الشاعر الكبير نزار قباني بأن «الناقد شاعر فاشل»، تقول الدّياب: «هذه المقولة واقعيّة إلى حدّ كبير، فالشّعراء المبدعون الذين اشتهروا بتاريخ الأدب العربي، لم يعرف عنهم نقد ذو شأن. وفي العصر الحديث، ظهر مثقّفون جمعوا بين الشّعر والنّقد كالعقاد والمازني وميخائيل نعيمة، لكنهم تفوّقوا في جانب دون آخر وإذا اجتمع في الإنسان الشعر والنقد لا بدّ أن يفوز في أحدهما».
وتصنّف مدرسة الأدب العربي في «جامعة دمشق»، النّقد المعاصر ضمن مستويات عديدة، فهنالك نقد صحافي نقرؤه في الجرائد والمجلات، ونقد أكاديمي موجود في الكتب والمؤلّفات، ونوع ثالث سمّته النّقد الرقمي على شبكة الانترنت وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.
ولكلّ مستوى من هذا النّقد جمهور مختلف، فالنقد الأكاديمي لا يطّلع عليه سوى المتخصّصين. أمّا النقد الرقمي، وهو الأكثر شيوعاً حالياً، فأغلبه محاباة حسب وجهة نظرها، بينما النّقد الصحافي مقروء لأنّه متوافر ومن السهولة أن يصل القارئ إليه، لكن النقد ممعن في الانطباع والذاتية لأن من يكتبه ليس متخصصاً.
وحول طغيان العنصر الشخصي والسيرة الذاتية على النتاج الأدبي، لا سيّما الرواية، لا تجد الدياب في ذلك عيباً لا سيّما إن كانت الأحداث الواردة في الرواية حقيقية، والذاتية برأيها قد تكون من أسباب نجاح النص ونافذة للإبداع والتميّز مثل «مواسم الهجرة من الشمال» للطيب صالح أو «الأيام» لطه حسين.