هل يُعدّلُ شرقي الفرات الميزان في لبنان؟

د. وفيق إبراهيم

الانسداد المتفاقم في عملية تشكيل حكومة جديدة في لبنان لم يعد شأناً يتصل بخلافات داخلية على مقعد من هنا وحقيبة من هناك، فالموضوع تدحرج عاكساً بدقة أزمة نظام طوائفي يُدار من الخارج الإقليمي والدولي، لكنه يواريها بإطلاق جملة عُقدٍ داخلية من النوع الرخيص يختبئ خلفها «الخارج» المُمسِكُ بعنق دولتنا صاحبة الأرز وحضارة الـ 5000 سنة!!

وتكمن براعة هذا الداخل اللبناني بتركيب مصالحه الخاصة على اهتمامات «الخارج» مقدماً نفسه «بَيْ» مذهبه وراعياً تفاعلاته السياسية والاقتصادية والادارية، فيما تكشف المعلومات أن هناك اثني عشر مرشحاً عن ثلاث قوى في حكومة الحريري المرتقبة يحتاجون الى اتصال هاتفي بسيط من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ليقفوا مع سياسات بلاده في أي موضوع حتى ولو كان إعلان الحرب على لبنان، فيجدون لها مبررات سريعة!

وللأميركيين والفرنسيين مرشحون وزاريون آخرون يستجيبون لهم باسم نشر الحضارة والديمقراطية، إنما بطرق أرقى تذهب الى استعمال الوسائل الدبلوماسية الآمنة أكثر او لقاءات مريحة في فرنسا «أم الدنيي عموم اعتزوا يا لبنانيي».

ما هي المستجدّات التي ضاعفت من أزمة تشكيل الحكومة؟

قبل أسبوعين تقريباً كان رئيس الحكومة المكلف يسعى لتشكيلة له فيها اثنا عشر وزيراً وما يعادلهم للتيار الوطني الحر وحصة «بي الكل» مقابل نسبة وزراء لحزب الله وحركة أمل وتنظيم المردة.

وابتدأ النزاع يرتدي «لباساً داخلياً» فجرى اقتطاع وزير من حصة الرئيس لمصلحة السنة المستقلين وفجأة حدث الانفجار وانفجر التفاهم بإصرار وزير الخارجية جبران باسيل على حصة وزارية لحزبه مع حصة عمّه الرئيس على 11 وزيراً يشكلون ثلثاً حكومياً بإمكانه تفجير الحكومة في كل وقت فيصبح بإمكان العونيين أو الحريريين إقالة الحكومة عند كل مفترق داخلي او إقليمي.

فهل يمكن فصل هذا التعطيل الجديد عن الاتفاق الأميركي التركي على غزو شرق الفرات في سورية؟

فهل «الجديد» بالنسبة الى الفريق السعودي الفرنسي الأميركي في لبنان يعكس تراجعاً لحلف المقاومة في سورية والإقليم وبالتالي في لبنان، خصوصاً إذا تقاطع هذا الغزو مع تأييد سعودي له يواصل تطوره من صمت مشبوه الى مشروع موافقة، وهذا يحتاج الى موقف تركي يهنئ محمد بن سلمان على اغتيال الخاشقجي.

ويبدو أنه يتبلور استناداً الى رأي جديد من تركيا يقول إن اغتيال الخاشقجي ليس إلا جريمة «جنائية» وليست سياسية، بمعنى أن الضحية قتلت بإشكال شخصي «فوري» وليس بكمين محكم جرى إعداده لتصفية إعلامي معادٍ لسياسات ابن سلمان.

وللأميركيين هنا دورهم، الأمر الذي يكشف انهم أرسلوا الى فريق الحريري – باسيل بوسائل مختلفة أن إيران لن تصمد حتى حزيران المقبل، لذلك فالمستحسن تشكيل الحكومة بعد هذا التاريخ مع تحالف مقاومة ضعيف ومنكسر يقبل بالمتيسر.

فإذا كان ارتضى بسبعة وزراء وهو المنتصر في الإقليم ويحوز على تمثيل نيابي يصل الى أكثر من ثلث عدد البرلمان فبكم سيكتفي في أوضاع تكون فيها إيران مهزومة مقابل حلف تركي سعودي أميركي منتصر؟

لجهة «إسرائيل» التي اعتدت منذ يومين على غرب دمشق، فهناك معلومات تُروج لحرب اسرائيلية كبيرة على لبنان تجعل موازنات القوى لغير مصلحة فريق المقاومة.

هذه الرهانات الثلاثة تَشُدُ من أزر حلف الحريري باسيل الذي يبدو أنه نسج معادلة سياسية. ومنذ أشهر عدة تقوم على أن يبقى الحريري رئيساً دائماً للوزراء خلال الولاية الكاملة للرئيس عون مقابل تأييد الحريرية السعودية لترئيس الوزير باسيل في الولاية الرئاسية المقبلة وبذلك يبقى «السعد» عشر سنوات مقبلة رئيساً للحكومة، ويتسلّم «الباسيل» رئاسة الجمهورية المقبلة من «جبران» الحاكم الفعلي للبنان في هذه المرحلة أيضاً.

إن تحميل مسؤولية التعطيل لهذا الفريق بمفرده ليس صحيحاً، لأنه كان على فريق «حزب الله» «امل» و»التحالفات» قياس ما يستحقونه فعلاً على مستوى التمثيل الوزاري، فلديهم 45 نائباً يجب أن يتمثلوا بعشرة وزراء على الأقل، حيث وحدة القياس الحريري الباسيلي، علماً بأنهم كتلة وطنية تحتوي على ممثلين من كل الطوائف، بما يسمح لهم تمثيلاً متنوعاً عاكساً لحركة داخلية لبنانية عامة لها تحالفاتها في الإقليم التي تأخذ غالباً بوجهات نظرها، فهل هي ذريعة قابلة للتصديق تلك المزاعم الحريرية التي تزعم أن اللقاء التشاوري هم مجموعة نواب جرى تجميعهم من كتل أخرى للسطو على مقعد من «بي السنة»؟ وهل من الطبيعي على رئيس الحكومة ان يمتنع عن استقبالهم وهو الذي يلتقي يومياً بعشرات الفئات المتنوعة المواهب والفنون؟ والتي لا تمثل أحداً.

وكما قال أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله ان التواضع السياسي في لبنان يضعف صاحبه، لأن البيئة السياسية اللبنانية تفهمه على غير وجهته. وترى فيه ضعفاً، فهذا يدفع الى الانتقال الى الواقعية السياسية ذات البعد الوطني الذي يُجسّد الحقيقة السياسية، فحزب الله لم يذهب الى سورية ليدافع عن الشيعة فقط، ذهب مقتنعاً بضرورة الدفاع عن كل المذاهب والطوائف والعرب والعجم من خطر الإرهاب الأممي الذي كاد ان يفتك بلبنان لولا مجاهدوه، ولم يكن ليوفر مصالح الحريري وباسيل.

ولولا تحرّكه في الوقت المناسب في جرود عرسال لكان البلد بأسره في عصر «الخلافة الإرهابية».

أما دليل اعتراف اللبنانيين بهذا الدور، فهو في ذلك الانتصار الانتخابي الكبير الى جانب الحلفاء، ولولا طائفية النظام الانتخابي لكان الحجم النيابي لحلف المقاومة أكبر.

المطلوب اذاً أن يتحرك رئيس المجلس النيابي نبيه بري ويدعو نحو 45 نائباً الى وقفة وطنية تُصرّ على عشرة وزراء من حكومة ثلاثينية بما تستحقه من حقائب وازنة لمصلحة الناس والناس فقط.

وهناك مَن ينصح الحريري وباسيل بالتوقف عن اللعب مع سياسي مخضرم وشديد النباهة كـ»الأستاذ» الذي يجد نفسه في هذه الأيام مضطراً الى وقف لعبة «تفجير لبنان» لأن المراهنات على الإقليم لن تؤدي الا الى خسارة الحريري وباسيل معظم ما يريدونه من الحكومة المقبلة والرئاسة المشتهاة بعد أربع سنين والأعمار بيد الله والراسخين في العلم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى