منبج وشرق الفرات والانتصار السوري.. وقائع ومعطيات
أمجد إسماعيل الآغا
تطورات متسارعة فرضها الإيقاع السياسي والميداني للحرب على سورية، هو إيقاع جاء ترجمة للاستراتيجية الناجعة التي اعتمدتها الدولة السورية في التعاطي مع التطورات والمسارات المرافقة ليوميات الحرب السورية، حيث إن الربط بين المسارين السياسي والعسكري من قبل الدولة السورية وجيشها، شكل في جزئياته مفاجأة لم تكن ضمن حسابات محور أعداء سورية، ولعل القرار الأميركي بالانسحاب من سورية، لم يبتعد ضمناً عن تلازم المسارين السياسي والعسكري اللذين فرضتهما الدولة السورية، فقرار الانسحاب جاء صادماً في لحظة غير متوقعة خليجياً وغربياً، ما أجبر محور العدوان على إعادة حساباته، واعتماد المناورات الدبلوماسية سبيلاً للعودة إلى سورية المنتصرة، لا سيما أنّ دول الخليج شكّلت في معادلة الحرب على سورية رأس حربة، وبالتالي فإنّ التطورات السياسية والانتصارات العسكرية، شكلت بمجملها نقطة ارتكاز وتحول استراتيجي، الأمر الذي سيُشكل دافعاً سورياً لتحرير ما تبقى من الجغرافية السورية.
لا نبالغ إنْ قلنا بأنّ الشمال السوري بات قاب قوسين أو أدنى من إعلانه مُحرّراً، هنا لا يمكن أيضاً أن نغفل قول الرئيس الأسد بأنّ «العلم السوري سيرفرف على كامل الجغرافيا السورية»، فالترجمة الحقيقية لقول الأسد جاءت عبر دخول وحدات من الجيش السوري مدينة منبج في ريف حلب الشمالي الشرقي، حيث إنّ هذه المدينة كانت هدفاً للزحف التركي بُغية السيطرة عليها، خاصة بعد الإعلان الأميركي عن الانسحاب من سورية، فكان دخول الجيش السوري إلى منبج، مُحركاً للورقة التي سعى الأميركي والتركي لاستخدامها كقوة ضاغطة على الدولة السورية، وعليه ما فرضه الجيش السوري تُرجم مكسباً سياسياً في عملية التفاوض التي جمعت وزراء الخارجية والدفاع لكلّ من روسيا وتركيا، فعملية التفاوض بُنيت على أساس التفاهم حول منبج وشرق الفرات، وبالوثبة السورية نحو منبج، تمّ قطع الطريق التركي الذي بات أمام أمر واقع، ولا يمكن بأي حال من الأحوال تصور أن يُقدم التركي على مهاجمة القوات السورية في محيط المدينة، فبهذا سيفتح مشهداً جديداً لا يقوى التركي وإرهابيوه على احتواء تداعياته، يُضاف إلى ذلك فإنّ السيطرة على منبج سيكون لها بُعد ميداني هامّ يؤسّس لمشهد جديد من الانتصار في شرق الفرات، فضلاً عن استكمال جزئيات المشهد السياسي والعسكري في إدلب.
صحيح أنّ الانتشار الميداني للجيش السوري كان محدوداً في منبج، لكن بهذا الانتشار تمّ توجيه العديد من الرسائل القوية لـ تركيا وأدواتها، فالمناورة المفاجئة التي اعتمدها الجيش السوري سيزعزع التحالف الأردوغاني مع الفصائل الإرهابية، وفي المقلب الآخر فإنّ الهاجس الكردي المتمثل بالخوف من التهديدات التركية، سيتبدّد جراء الدخول العسكري السوري للمناطق الخاضعة لسيطرة قوات سورية الديمقراطية. وتمكن هنا الإضاءة على نقطتين تؤكدان أنّ الجيش السوري سيفرض سيطرته على كامل الشرق السوري، فمن جهة سيكون الاتفاق بين الدولة السورية والقوات الكردية مبنياً على قاعدة الاندماج في تشكيلات مقاتلة إلى جانب الجيش السوري، وسيتمّ استيعابهم ليكونوا مشاركين في الحرب على جيوب داعش المتبقية في المنطقة، ومن ناحية أخرى سيكون للأكراد تمثيل سياسي متناغم مع السيادة السورية ولا ينفصل عنها، وبهذه الاستراتيجية السورية الروسية، تكون تركيا قد بُدّدت هواجسها جراء التهديد الكردي لأمنها القومي «بحسب ادّعاءاتها»، إضافة إلى احتواء تركيا وجذبها لتكون طرفاً سياسياً فقط في التأسيس للحل السياسي في سورية، وعلى قاعدة جائزة الترضية، بعد أن تعهّدت لطرفي استانا الروسي والإيراني باحترام السيادة السورية.
لا شك في أنّ الاستراتيجية السورية الروسية تأخذ بالحسبان تداعيات القرار الأميركي بالانسحاب من سورية، مع الأخذ بعين الاعتبار تمركز قوات غير شرعية كالقوات الفرنسية والبريطانية، والتي تحاول ملأ الفراغ الأميركي، لا سيما ذريعة داعش وإمكانية استخدامه من جديد، والجدير بالذكر أنّ واشنطن لا تزال القوة المهيمنة على الشرق السوري، وتمسك ببعض الخيوط السياسية التي من الممكن أن تُعيد تفعيلها مع الشركاء الأوروبيين. هذا الأمر يشي بحدوث فضاء واسع من التعقيدات، لكن التطورات الدراماتيكية التي فرضتها الدولة السورية وحلفاؤها كفيلة بتحييد هوامش أي صراع محتمل، فالميدان السوري بات حِكراً على الجيش السوري. وهذه الحقيقة تستند في تفاصيلها على نتائج الميدان العسكرية.
بين هذا وذاك، ثمة زحام سياسي يفرضه الشأن السوري، مع تضيق خيارات الطامعين بالجغرافية السورية، لتكون النتيجة بأن محور أعداء دمشق سيضع في حساباته جدوى البقاء في سورية، مع تحديد العناصر التفاوضية لأي تسوية سياسية، فالدولة السورية وجيشها وحلفاؤها، حددوا جولة التفاوض الأخيرة والتي ستكون حتماً بتوقيت دمشق، وعلى الراغبين بالحصول على توقيت سياسي، عليهم بطرق أبواب دمشق، فالرئيس الأسد أطلق الرصاصة الأخيرة على المؤامرة، لتعلن سورية انتصارها.