خريف فرنسي ولا شماتة!

في ملعب السياسة عكس غيرها من الملاعب يهالك العجب بما يحصل بين المُدافع والهدّاف، ولا يضيع سوى حق المتفرّج لكونه الخاسر الوحيد لأنّه يستنفد وقته وأعصابه، وبالأخص عندما تؤجل الأهداف.

ولكوننا نحن الشعوب العربية كنّا ولوقت قريب نمثل الكرة في مرماهم أنصفنا الزمان لنصير من الجمهور على الأقل لن نخسر إلّا القليل من الوقت والكثير من الضحكات الرنّانة التي فقدناها مدى ثماني سنوات من الألم والتعب. في الشتاء الفرنسي الحالي تشهد فرنسا الخريف الأصفر الذي صفّقت لمجيئه السترات الصفراء تلك الرافضة رفضاً قاطعاً أن تُنشر على حبل الغسيل إذا هي سمحت بالمكوث الطويل لِمن لا يتكيّف مع مزاجها في أن يمثّلها أحسن تمثيل. إيمانويل ماكرون الذي يحاول أن يجتاز أصعب امتحان في تاريخه السياسي، ويجتهد الآن في أن يحفظ المقرّر، بعد أن أخلف وتأخّر. المسرح الفرنسي الحالي الذي يفصّل المشاهد الاحتجاجية ويرصدها تباعاً في المسرح الكبير الذي لا يخرج عن حلبة سباق خيول الربيع العربي تلك التي تَعِدُ بكسر الحاجز تلو الحاجز لتجديد دماء الهزائم والانتصارات. ها هو اليوم يمارس سياسة ضبط النفس على أن يرد على المحتجين بفصل رؤوسهم عن أجسادهم بمنشار لكونه الأكثر استخداماً اليوم في القتل أو تذويبهم في حمام من حمض الأسيد للتخلص من صداع الرأس.

فرنسا سادس أكبر اقتصاد في العالم تهزّها ضريبة والحكومة لا تدعم شيئاً، وسورية تساند بقدر استطاعتها رغم تراجع اقتصادها على مدى ثماني سنوات حالكة حوّلت الأخضر جماداً، ورغم ذلك ما زالت الحكومة السورية تدعم أكثر من مطلب من الخبز وغيره.

رئيس حكومة فرنسا يصرّح: ابتداءً من يناير المقبل فرنسا ستفرض ضرائب جديدة على شركات التكنولوجيا. وهذا فقط بعد أشهر من هبوط الإرهاب عليهم بمظلات هوائية. وفي سورية باتت خدمة الإنترنت متوفرة في الجامعات السورية رغم الحصار الاقتصادي والسياسي والأصح الروحي الذي حاكته علينا أكثر من 140 دولة ولله الحمد. واقعة التفجير الإرهابي الذي شهدته ستراسبورغ زرعت الخوف في نفوس الفرنسيين الصفر وجعلتهم يقطعون خطوة إلى الوراء تحسّباً لأي مدّ إرهابي آخر قد لا يخطر على بال. وفي سورية وبعد آلاف التفجيرات التي راح ضحيتها ربيع شبابنا وما زلنا في كلّ صباح نتجه إلى مدارسنا وجامعاتنا ومؤسساتنا إيماناً بأن الحق سينتصر ولو بعد حين. الموقف يرسم أكثر من علامة تعجّب واستفهام لما يحصل في فرنسا!؟ كانوا يزعمون أنّ التاريخ يشهد بتدفق عطفهم على اللاجئين واليوم أعداد منهم تلجأ إلى بلدنا الذي أسموه حتّى وقت قريب بالبلد الإرهابي. لماذا؟ لأن ما يحصل اليوم في بلدهم غير خريطة وجهها من ميسون الجميلة إلى المومياء العوراء تمثلاً بزوجة ماكرون الجميلة!!! وماكرون الشاب الأنيق خرج عن النص ووصل إلى الهامش وهو يظن أنّه ما زال المُدافع وليس الكرة بعد أن أعلن اشتغال النيران والغاز المسيل للدموع والاعتقالات ولوقت قريب كان يتهمنا بالبلد الإرهابي ويسبّ ويشتم تعامل الحكومات العربية مع شعوبها ودون شماتة بتنا اليوم ننعته بالمكّار المتلّون، فذيل الفوضى حلّ عروس العواصم باريس التي حظيت بالكثير من الصور وبالأخص برجها إيفل وكنت من معجبيه. أمّا الآن وبعد أن انقلب السحر على الساحر سيسمح غربال ثورتهم بتنحّي اللاعبين غير المدافعين عن مرمى الإجراءات المصيرية التي قد تغيّر فرنسا. ويا دار ما دخلك شر.

صباح برجس العلي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى