نجاح نسبي للإضراب التحذيري… وتعاون مصرفي… مستقبلي قواتي لإفشاله عضّ أصابع بين الحريري وباسيل بين وزير للقاء التشاوري أو حكومة الـ32
كتب المحرّر السياسيّ
تتسارع التطورات الميدانية في أرياف حلب وإدلب وتتسع الاشتباكات بين جبهة النصرة والجماعات التي تتبع للقيادة التركية، والحصيلة تخطت الألف إصابة بين قتيل وجريح، وتخللت الاشتباكات عمليات اغتيال متبادلة لقادة من الطرفين. بينما نجحت جبهة النصرة باكتساح مواقع الجماعات التابعة لتركيا في ريف حلب الشمالي الغربي، شهدت مناطق ريف إدلب عمليات كر وفر بين الفريقين، وبدت الحصيلة الميدانية تأكيداً جديداً على هشاشة البنى التي تتبع لتركيا في مواجهة جبهة النصرة ما يجعل الترجمة الوحيدة لتوافقات أستانة بالحل العسكري للحسم مع جبهة النصرة مشروطاً بدخول الجيش السوري إلى المناطق التي تسيطر عليها، وحسم تركيا والجماعات التابعة لها لأمرهم بين تسهيل مهمة الجيش السوري والانكفاء أمامه، أو العودة إلى نقطة الانطلاق التي كانوا عليها سابقاً، وفق معادلة التساكن مع جبهة النصرة أفضل من التسليم للجيش السوري، لتصير العملية العسكرية السورية عندها أوسع وأشمل وفقاً لقرار القيادة السورية باستعادة كامل الجغرافيا التي تقع خارج نطاق سيطرة الدولة السورية، بالوسائل السياسية حيث يتاح ذلك، وإلا فبالقوة العسكرية.
في لبنان نجحت دعوة الاتحاد العمالي العام وهيئات نقابية وشعبية في تحقيق درجة جيدة من التجاوب مع الدعوة للإضراب التحذيري تحت عنوان المطالبة بتسريع ولادة الحكومة، وبالرغم من العنوان الجامع لعنوان الإضراب استنفرت جمعية المصارف وتيار المستقبل والقوات اللبنانية لإفشال الإضراب، وكان كافياً لمعرفة ذلك رؤية المصارف تبذل كل جهدها لعدم مشاركة موظفيها في الإضراب، وبالمقابل الاستماع للتوصيفات التي أطلقتها القنوات التلفزيونية المتأثرة بخيارات تيار المستقبل والقوات للإضراب، ووصفه بالفاشل واتهام القيمين عليه بخدمة أهداف سياسية.
على المستوى الحكومي تصاعد التعقيد من المراوحة التي كان عليها إلى التأزم، حيث قالت مصادر متابعة إن الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري متمسك برفض كل الصيغ التي عرضها عليه وزير الخارجية جبران باسيل، ولن يقبل بحل عقدة تمثيل اللقاء التشاوري إلا بصيغة واحدة، وهي مقعد وزاري من حصة رئيس الجمهورية، يمنح لشخصية لا تزعج الحريري ويرتضيها كل من اللقاء التشاوري ورئيس الجمهورية بتفاهم بينهما، لا يعتبر الحريري أنه معني بمضمونه، بينما يتمسك الوزير باسيل بصيغة حكومة الـ 32 وزيراً ويراها مخرجاً مناسباً لجميع الأطراف فينال اللقاء التشاوري وزيراً يمثله، ويحتفظ رئيس الجمهورية بحصته الوزارية، وفيما يراهن الحريري على اضطرار باسيل للتراجع عن صيغة حكومة الـ 32 التي يرفضها الحريري ويقول إنه لن يكرس عرف منح الطائفة العلوية مقعداً وزارياً، يراهن باسيل على تراجع الحريري، وتستمر الأزمة ويدفع اللبنانيون المزيد من الأثمان في ظل عض الأصابع الذي يوجعهم ويدفعهم هم وحدهم للصراخ وليس هناك مَن يسمع الصراخ.
تراجعت الأجواء التفاؤلية بتأليف الحكومة خلال الأيام المقبلة وقد عكست تغريدة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أمس، أجواء تشاؤمية مردّها إلى أنّ الخلافات في الخيارات السياسية. كما غرّد الرئيس عون لا تزال تعرقل تشكيل الحكومة، معتبراً أنه لا تجوز إضاعة ما تحقق من أمن واستقرار خلال الحروب الداخلية الباردة، داعياً جميع المعنيين إلى تحمّل مسؤولياتهم الوطنية وتسهيل عملية التشكيل.
وتؤكد مصادر مطلعة لـ»البناء» أنّ رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل وضع ثلاث لاءات خلال اتصالاته الحكومية وتتمثل بأنّ الوزير السني يجب أن يكون من حصة رئيس الجمهورية، وعدم الفصل بين حصة الرئيس وتكتل لبنان القوي، فضلاً عن إصراره على حصة من 11 وزيراً. وتلفت المصادر الى أنّ ما تقدّم أعاد الأمور الى نقطة الصفر، لا سيما انّ الوزير الذي سيختاره اللقاء التشاوري من خارج النواب الستة، من المنطقي أن يمثل اللقاء داخل مجلس الوزراء.
وكان باسيل أكد في تصريح من الصرح البطريركي أنه قدّم خمسة أفكار جديدة وأنه يقوم بالاتصالات وينتظر الأجوبة وكلي أمل بنتيجة إيجابية ولا مشكلة عند حزب الله بإعطائنا الثلث المعطل. وأشار إلى أنّ الحلّ يقوم به من يوافق عليه ولسنا في سباق صنع مبادرات ولا نربط هذا الاستحقاق بأيّ استحقاق آخر ولا يمكن رفض كلّ هذه الأفكار والحلول القائمة. ورأى أنّ «ربط تشكيل الحكومة بالاستحقاق الرئاسي عيب في حق ذكاء اللبنانيين، فكيف نعرقل الأفكار التي نقدّمها؟»
وبعيداً عن هذه الأجواء السلبية، رشحت أمس أجواء إيجابية عكستها مصادر حزب الله التي أكدت لـ «البناء» أنّ المسعى القائم ينطلق من ثوابت حزب الله تجاه علاقاته برئيس الجمهورية العماد ميشال عون والتيار الوطني الحر واللقاء التشاوري، مشدّدة على انّ ايّ حلّ لن يكون على حساب النواب السنة المستقلين، ولفتت المصادر إلى أنّ الحلّ ينطلق من أن يكون الوزير الذي يختاره النواب السنة المستقلون ممثلاً لهم في مجلس الوزراء، وفي الوقت عينه من ضمن حصة رئيس الجمهورية، فيمكن على سبيل المثال لممثل اللقاء التشاوري أن يحضر إذا رغب في حضور اجتماعات تكتل لبنان القوي على غرار ممثل حزب الطاشناق في الحكومة، او ممثل الوزير طلال أرسلان، شرط أن يكون ممثلاً للقاء التشاوري. وأشارت المصادر الى انّ الأمور لا تخلو من ممانعة بعض المعنيين غير أنّ الحراك مستمرّ لإنضاج الحلّ الذي سيحترم مطلب اللقاء التشاوري وحقه بالتمثيل من دون منّة من أحد. وشدّدت المصادر على انّ المسعى أساسه حكومة من 30 وزيراً بعيداً عن أيّ صيغ أخرى لا سيما صيغة الـ 32 التي رفضت من الرئيس المكلف سعد الحريري.
وفي هذا الإطار، لفت عضو المجلس المركزي في «حزب الله» الشيخ نبيل قاووق خلال احتفال تأبيني في بلدة عبا الجنوبية «إلى وجود صيغة تضمن أن لا يتنازل أحد عن حصته وتضمن تمثيل اللقاء التشاوري، صيغة لا تكسر ولا تستفز أحداً وتمثل السنة المستقلين وهي صيغة 32 وزيراً لتبقى حصة رئيس الجمهورية وبتزيد وحصة الرئيس المكلف وبتزيد ، ولكن هذه الصيغة التي وافقت عليها غالبية الأطراف تعرقلت برفض الرئيس المكلف، لأنه لا يريدهم ولا يريد أن يجلس معهم ولا أن يعترف بهم ولا بدو يرحمهم ولا بدو يخلي رحمة الله تنزل عليهم .
إلى ذلك، غمز وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال نهاد المشنوق من قناة الوزير جبران باسيل، حيث أكد من بكركي بعد لقائه البطريرك الماروني بشارة الراعي، أنّ «هناك صراعاً خفياً وجدياً وعميقاً حول المسألة الرئاسية، ما أخرج العفاريت السياسية، وفتح ملف الرئاسة هو الذي عطل الحكومة».
رأى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط «أنّ أبواب تشكيل الوزارة مقفلة أو أنّ الضوء الأخضر لم يأت بعد». وقال في تغريدة عبر «تويتر»: «يبدو أنّ أبواب تشكيل الوزارة مقفلة او انّ الضوء الأخضر لم يأت بعد. إنه مجرد تحليل ولا أملك معلومات. لكن اقتراح بري بعقد جلسة استثنائية لإقرار الموازنة أكثر من ضروري لمحاولة ضبط الإنفاق. السؤال لماذا البعض متردّد»؟ إلى ذلك، ينشغل لبنان الرسمي بالإعداد للقمة العربية التنموية: الاقتصادية والاجتماعية في دورتها الرابعة بعد نحو 14 يوماً، وفي هذا الإطار تردّدت معلومات مفادها أنّ الدول العربية تتجه الى تخفيض مستوى تمثيلها في حال لم تتشكل الحكومة قبل القمة. أما في ما خصّ دعوة سورية فإنّ الأخيرة تدرك أنّ الدعوة لن تحصل لاعتبارات لبنانية لم تعد مقبولة عند الدولة السورية، وفق ما تؤكد مصادر سورية لـ «البناء» فلا يجوز بحسب المصادر، أن يبقى لبنان أسير مواقف بعض أفرقائه المحليين الذين يكابرون أكثر من أقرب حلفائهم الخليجيين الذين أعاد بعضهم فتح سفاراتهم في دمشق ويمهّدون لعودة سفارات دول خليجية أخرى، قائلة من المفترض بلبنان ان يستلحق نفسه قبل فوات الأوان.
قال الوزير جبران باسيل ليس لبنان من يدعو بل يتقيّد بقرار الجامعة العربية، لكن لبنان يستطيع أن يبادر ويعمل لعودة سورية الى الجامعة ورأينا واضح كفريق سياسي وخارجية لبنانية.
وأكد وزير الداخلية نهاد المشنوق أمس من بكركي «انّ لبنان ليس هو المخوّل في الدعوة، إنما الجامعة العربية»، متوقعاً أن «لا تتمّ إعادة سورية الى الجامعة في الوقت الحاضر»، مضيفاً «أنا أصف طبيعة الدعوة ولكن ليس كجهة سياسية».
من ناحية أخرى أوضحت جمعية مصارف لبنان أنّ «بعض وسائل الإعلام تناقلت موضوع دعوى مدنية ضدّ عدد من المصارف اللبنانية أمام القضاء الأميركي من قبل متضرّرين مزعومين في العراق، ونسب التسبّب بالضرر جزئياً إلى حزب الله، كما لحقتها دعوى ثانية مماثلة عائدة إلى حرب تموز 2006». ولفتت الى أنه «سبق أن أقيمت دعوى مماثلة عام 2007 ضدّ خمسة مصارف لبنانية ورفضتها المحاكم الأميركية المعنية في نيويورك».
وأكدت الجمعية أنّ يقينها «ثابت بعدم صحة وجدية دعاوى كهذه وبعدالة القضاء الأميركي كما أثبته سابقاً»، مشدّدة على أنه «ليس لهاتين الدعويين أية أسس واقعية وقانونية، وستتخذ المصارف مع محاميها الخطوات اللازمة لمتابعة هذا الموضوع».
وسط هذه الأجواء، لبّى عمال لبنان، بنسب متفاوتة، دعوة المجلس التنفيذي للاتحاد العمالي العام واتحادي المصالح المستقلة والمؤسسات العامة والخاصة وحزب «سبعة» ومجموعات ناشطة، إلى إضراب عام شامل في كلّ المناطق اللبنانية تحت شعار «تأليف الحكومة»، مع التزام الهيئات الاقتصادية قرار عدم المشاركة…
وأكد رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر في مؤتمر صحافي عن الإضراب العام، أنهم دعاة حوار وليسوا هواة إقفال مؤسسات، موضحاً أنه لم تتمّ الدعوة الى إقفال الأفران او الصيدليات أو المستشفيات الحكومية. وقال: «نحن لا نبتغي الخسارة في الاقتصاد الوطني». وأوضح أنّ الإضراب اليوم هو خطوة أولى وصرخة متجدّدة في وجه الظلم الاقتصادي والاجتماعي. وشدّد الأمين العام لحزب «سبعة» جاد داغر من جهته، على انّ الإضراب كان موجهاً للكلّ وليس ضدّ أحد، محذراً من انه سيكون هناك تصعيد في حال عدم تشكيل حكومة.
معيشياً أيضاً، رأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، اجتماعاً للجنة الخاصة للمدارس الكاثوليكية، حيث أكد «انّ القانون 46 كما هو غير قابل للتنفيذ، إذا كانت الدولة لا تستطيع الدفع والتنفيذ»، معتبراً أنّ «القانون يمرّ بمشاكل أكثر وأكثر».