هل ستتمكّن روسيا من وضع حدّ للحرب في سورية كلها؟
د. هدى رزق
عند تدخلها في الحرب السورية، وضعت موسكو نصب أعينها العديد من الأهداف. دعمت الدولة السورية، وحققت معظم أهدافها، فازدادت قوتها وتمدَّد نفوذها الإقليمي والدولي.
وهي اليوم تقضي على الإرهابيين بمساعدة تركيا في إدلب.
تحاول روسيا اليوم مع انسحاب القوات الأميركية في سورية تفادي الصراع التركي – السوري وإعادة فرض سيطرة الحكومة السورية على المناطق التي تسيطر عليها حتى الآن قوات سورية الديمقراطية.
زار وفد وزاري تركي موسكو في 29 ديسمبر/ كانون الأول من أجل العمل على التنسيق معها عند الانسحاب الأميركي. لا تستطيع تركيا أخذ قرار المعركة من دون تحريك طائراتها. وهذه المسألة غاية في الأهمية. وهي في يد موسكو. قال أردوغان في 28 كانون الأول/ ديسمبر «بمجرد مغادرة المنظمات الإرهابية للمنطقة، لن يبقى لدينا شيء نفعله هناك. ونحن مع وحدة سورية». يريد الرجل أن يجمع الأوراق السياسية عبر معاركه العسكرية من أجل ان يكسب سياسياً على طاولة المفاوضات السورية وداخلياً عبر ضرب وحدات الحماية الكردية وهو في طريقه الى الانتخابات المحلية.
أما الولايات المتحدة فهي تريد الاستفادة من التحوّل الجديد في سياستها مع تركيا لمواجهة إيران في سورية، تركيا تتفاوض مع الولايات المتحدة لوضع خريطة طريق للمنطقة الواقعة شرق نهر الفرات. وهي حاولت التنسيق مع موسكو للحصول على الضوء الأخضر من أجل العملية العسكرية المحتملة ضدّ القوات الكردية. في هذا الوقت تمّ نقل اثنين من كبار العسكريين الأتراك إلى وظائف مكتبيّة، وهما القائد الذي يدير جبهات العراق وسورية الذي كان قائد عمليات درع الفرات وغصن الزيتون في سورية، كذلك قائد اللواء الرابع وهي وحدة كومندوس، بسبب اعتراضاتهما على خطط شرق الفرات. تبلورت الاعتراضات في ثلاث نقاط:
– التهديد الذي ستواجهه تركيا الذي يختلف عما كانت الأمور عليه في عمليات درع الفرات وعفرين.
اذ تتلقى وحدات حماية الشعب دعماً أميركياً وهي أفضل تجهيزاً ومدرّبة على حرب المدن.
عدم وضوح مواقف كلّ من روسيا والولايات المتحدة.
كما يمكن للظروف المناخية والطوبوغرافية أن تعمل ضدّ الأهداف التي تتمثل بالحدّ من الإصابات وهم يرون انه ليس مطلوباً من تركيا محاربة داعش بعيداً عن حدودها.
كانت خطة أنقرة الأصلية، إقامة منطقة عازلة بطول 10 -40 كيلومتراً 6 ـ 25 ميل بين نهري دجلة والفرات والتي سيتمّ تطهيرها من وحدات حماية الشعب. ليس لدى تركيا أي طموح للذهاب إلى عمق الأراضي السورية والوصول إلى دير الزور لمحاربة داعش، أما الولايات المتحدة فهي تريد إعطاء مهمة مكافحة داعش إلى تركيا، أنقرة تتحدث عن القضاء على الهياكل الكردية المستقلة التي تظهر في شمال شرق سورية أما إبعاد إيران عن سورية فهو ليس مصدر قلق حقيقي لديها في الوقت الراهن… «الحكومة التركية تقترب من المسألة بحذر، وتتعاون مع واشنطن لتسهيل انسحاب القوات الأميركية المنسّق والمنظم من المنطقة. لكن ترامب أعرب عن وجهات نظر هزت العلاقة اذ صرّح بأنه «ستتمّ حماية الحلفاء الأكراد».
زيارة بولتون الى تركيا هي لتطمينها على أنها ستحصل على المنطقة العازلة التي تحتاجها. إذا كانت المنطقة العازلة هي صيغة لإبعاد الأكراد مسافة من الحدود، فكيف سيتمّ تأمينها بدون صدامات؟ كيف يمكن للولايات المتحدة، التي تخطط لسحب قواتها البالغ قوامها 2000 جندي من الميدان، أن تفرض المنطقة العازلة؟
تحاول روسيا إقناع أنقرة بالتخلي عن خططها ونشر الجيش السوري في منبج وشرق الفرات. فوفقاً للتفكير الروسي، الذي أعدّ الأرضية لمحادثات بين قوات سورية الديمقراطية والدولة السورية أنه عندما يدخل الجيش السوري شرق الفرات، ستنتهي سيطرة وحدات حماية الشعب. كما أنّ الدولة السورية لن ترسل قوات إلى المنطقة إلا عندما تنسحب وحدات الحماية.
فوجئ بعض المسؤولين الأميركيين بقرار من وحدات حماية الشعب الكردية للحصول على دعم من الحكومة السورية لردع أيّ هجوم من قبل تركيا، قال فورد سفير أميركا السابق إنه ينبغي على الولايات المتحدة أن تتعاون مع روسيا للتوصل إلى اتفاق بين قوات سورية الديمقراطية ودمشق يسمح للقوات السورية بالعودة إلى شرق سورية بطريقة تستجيب لمخاوف أمنية تركية ولا تعطي مساحة جديدة للدولة الإسلامية.
كان بوتين في 20 كانون الأوّل/ ديسمبر قد أثنى على التعاون الروسي الأميركي لمعالجة القضايا الحادة في مكافحة الإرهاب في سورية. بشكل عام، يبدو أنّ التفاعل البنّاء، وإن كان متردّداً بين جيشي البلدين، يتضاءل وربما يُنظر إليه على أنه لم يعد ضرورياً. من الجدير بالذكر أنّ انسحاب القوات الأميركية من سورية الذي أعلنه ترامب لم يسبّب أيّ غضب في موسكو، ونظراً للحالة الراهنة للعلاقات الأميركية الروسية، فإنّ سورية كانت تقريباً المنطقة الوحيدة للتفاعل البنّاء نسبياً. يمكن وصف العداء الأميركي – الروسي بأنه قائم على قواعد، ميّزت الوضع في سورية حتى الآن بفضل قمة العلاقات الثنائية بين بوتين وترامب. الحفاظ على السلام في سورية سوف يتطلب في نهاية المطاف تنسيقاً أميركياً وروسياً أكثر عمقاً لإدارة انسحاب القوات الأميركية ومنع جولة أخرى من إراقة الدماء المكلفة.
بانتظار ما سوف تسفر عنه معارك إدلب حيث تحاول تركيا ترك مسألة تصفية هيئة تحرير الشام الى الطيران الروسي بعد أن عجزت القوات الرديفة وهي 17 فصيلاً اسلامياً بعد انفصال بعضها عن هيئة تحرير الشام من النجاح في القضاء عليها بل انسحبت.
لا يبدو أنّ تركيا تريد الزجّ بجيشها في هذه الحرب. فهي تعتبر أنها أنجزت فصل الإرهابيين عن المسلحين المنتمين لها الذين ليسوا بالقوة الكافية التي تستطيع القضاء على الهيئة والتي تتضمّن أشرس المقاتلين السوريين والأجانب. في هذه الأثناء تدور المفاوضات والمحادثات السياسية التي يمكن أن توضح ما سيأتي.