الولايات «البريطانية» العظمى ومشروع بولتون لتقسيم سورية!

محمد الحاج

الخروج على المنطق والتاريخ والجغرافيا والقانون الدولي أمر لا تفتقر إليه الولايات المتحدة الأميركية فقد ورثت عن بريطانيا «العظمى» وهم الشعور بأنها تملك العالم ومن حقها «حق القوة» التصرف به أرضاً وثروات، وإذا كانت بريطانيا نفذت اتفاقية اقتسام المنطقة مع فرنسا بموجب مخطط وضعه وزيري الخارجية مارك سايكس وجورج بيكو فنحن نسمع اليوم عن مخطط أعدّه الوريث غير الشرعي للإمبراطورية العجوز فأخذ جون بولتون دور مارك سايكس ولكن، من سيكون الطرف الآخر البديل عن جورج بيكو، هل هو أردوغان أم نتن ياهو؟

عندما أعلن ترامب قراره بالخروج من سورية ربما لأن حكام الخليج قصروا بالتمويل فقد كان لا بدّ من السؤال: الانسحاب مقابل ماذا، وما هو الثمن؟ وربما تخيّل البعض أنّ اتفاقاً من تحت الطاولة حصل بين الروسي والأميركي لتقاسم النفوذ، وأنّ الأميركي حصل على ما يرضيه، لكن كثيرين ممّن لا يثقون بالإدارة الأميركية ونحن منهم كانوا بانتظار ما يمكن اعتباره مفاجأة من عيار ما، وكاحتمال كان مطروحاً استجابة أميركا لمطالب رئيس الوزراء الصهيوني والاعتراف بأحقيته في استمرار السيطرة على الجولان والعمل لتوفير شبه اعتراف دولي بهذا الشأن، وأيضاً عدم معارضة المخططات التركية حتى ولو طالت أمن ومصير الحلفاء الأكراد.

تذبذب الموقف الأميركي منذ إعلان قرار الانسحاب حتى اللحظة وضبابية الإجراءات والمواعيد كلّ ذلك أوحى بأنّ أمراً ما يتمّ طبخه على نار حامية وكان أكثر الطباخين إلحاحاً وعجلة هو نتن ياهو الباحث عن مكسب يقدّمه لقطعان مستوطنيه يؤخر عملية ملاحقته وإسقاطه بما ينوء تحت ثقله من تهم الفساد والفشل السياسي والعسكري على ساحة المنطقة خصوصاً بعد سقوط أدواته في المنطقة الجنوبية وخيبة أحلامه في الجدار الطيب وخط الحماية الفاصل.

بعد إطلاق ترامب لقراره والمباشرة بالتنفيذ، فوجئ قادة الكيان الصهيوني بأكثر مما فوجئ قادة العمالة في الشمال والشرق السوري، وإذا كان هؤلاء لا يستطيعون سوى الاستجداء فإنّ نتنياهو يمكنه قلب الطاولة على رأس ترامب، وهكذا تحركت آلة المحفل بأقصى قوتها وكأنها آلة تمّ تزييتها حديثاً، لتطويق قرار رأس الإدارة الأميركية أو استثماره والاستفادة منه بأقصى ما يمكن، ولأنّ نتنياهو طرح مسألة الجولان قبل ذلك فقد جاءت نصيحة المحفل، بالأحرى مطالبته ترامب بالاستجابة أو على الأقلّ تقديم بديل يرضي نتن ياهو ويوفر ما يطمئن الكيان وربما بضمانات تركية أو عربية ومنها كشف علاقات التطبيع السعودية وإشهارها على الملأ.

الحديث عن خريطة أميركية ملوّنة تحدّد المناطق المسموح للقوات التركية دخولها ووضعها تحت حمايتها، بعيداً عن مناطق التواجد الكردي! تبعث على السؤال؟ متى أنجزت مراكز الأبحاث الأميركية دراستها وحدّدت هذه المناطق، وهل يكون السماح الأميركي بدخول القوات التركية إلى مناطق العشائر العربية وقرى السريان والكلدو – آشور هكذا وبمنتهى البساطة وكأن السكان يتلقون أوامرهم من الشرطي الأميركي، أو كأنهم يعيشون على أرض أميركية وليست سورية.

الأميركي يحاول استعادة التاريخ رغم تغيّر الظروف واستحالة المقارنة، الأميركي يتجه لذات الممارسة البريطانية، «وعد من لا يملك لمن لا يستحق» والأشدّ وقاحة هو مطالبة الكيان الذي قام على كذبة ويعتبر مولود سفاح لأمّ بريطانية وآباء كثيرين يزداد شرهاً للأرض والتوسّع والثروات وتسخير القوى العالمية لمساندته والدفاع عنه، ويبقى السؤال الأهمّ: لماذا يتجاهل الأميركي الواقع الفعلي وهو أنّ الدولة السورية والشعب السوري هما أصحاب الأرض والقرار وأنّ معهما قوى عالمية تؤازر هذا الحق وتحول دون تنفيذ المخطط العدواني الذي حمله بولتون إلى تركيا لتسويقه أولاً، من ثم إلى تل أبيب مُبلّغاً نتائج غير مُرضية وغير مطمئنة لنتنياهو، فالحكومة التركية لا يعجبها المشروع الذي يؤسّس لسابقة تطالها في مرحلة لاحقة.. التقسيم!

أن يرفض الرئيس التركي استقبال المبعوث الأميركي أمر له مغزاه ودلالاته رفضاً لما يحمل ويسوّق، كما أعلن رفضه حماية الكرد من قبل أية جهة خارجية، وطبعاً دون أن يلمح إلى أنّ الحماية الوحيدة المقبولة هي وجود الجيش السوري على كامل الحدود وسيطرته عليها وخروج باقي القوى الغريبة بما فيها الكردية غير السورية ولو أننا نعتبر الامتداد الكردي في تركيا على أراض سورية محتلة التركي لم يتراجع عن مشروعه دخول شرق الفرات عسكرياً، ولن يوقف هذا المشروع سوى انتشار الجيش السوري كما قالت القيادة الروسية التي تعمل بتنسيق وتناغم مع التركي ومع الحليف السوري، وربما بعدها يتمّ جدولة انسحاب تركي من الشمال منطقتي عفرين والباب وحتى الحدود القائمة قبل 2011 مترافقة مع تسوية في إدلب.

الجامعة العربية وعلى لسان وزير الخارجية المصري تضع شروطاً لعودة سورية إلى الجامعة وكأنّ سورية تقدّمت بطلب استجداء العودة وتلحّ وتتوسط ذلك! الجامعة التي تجاوزت ميثاقها مخالفة شرط الإجماع عليها أن تتراجع عن قرار باطل وتعتذر من القيادة السورية وتطلب إليها العودة إلى موقعها بكرامة وإباء إنْ قبلت القيادة السورية – التي تعمل ما يحقق مصالح الشعب، وليس لتحقيق ما عجز العربان والعالم عن تحقيقه بالقوة والتآمر، الجامعة التي عملت ودعمت العصابات لهدم البنية السورية أصغر بكثير من أن تفرض رؤيتها على الدولة السورية، وهي رؤية لا تزال مؤيدة لموقف العصابات والمشاريع التقسيمية الأجنبية، والنصيحة الأكثر فائدة لمسؤولي الجامعة والدول العربية هي الامتناع عن إسداء النصائح وإملاء الشروط من موقع من لحقت بهم الهزيمة.

قد يكون مهماً للدولة السورية انعقاد المؤتمر الاقتصادي والذي لن يكون بوحي المصالح العربية فقط أو لمساعدة سورية على إعادة الإعمار، الأرجح سيكون بوابة لاختراق الحواجز التي تحول دون استفادة دول العدوان من عمليات الاستثمار في إعادة الإعمار وهي مشاريع مديدة، وطويلة الأجل قد تمتدّ لعقد أو أكثر، وليس مستبعدا أن تضع تركيا ذلك في صلب حوارها مع الروسي الوسيط قبل أن تعود للحوار المباشر مع القيادة السورية التي عادت وأقرّت بشرعيتها، وبذلك تسبق غيرها من دول الغرب المستعجلة للوصول إلى دمشق على طريق علاقات طبيعية وربما حميمية بشكل ما، ولو من تحت الطاولة.

ترتكب الدول العربية أفدح أخطائها إذ تشترط على الحكومة السورية اتخاذ إجراءات ترفضها وتعتبرها مساساً بالسيادة السورية وتدخلاً سافراً في قرارات يمليها ويؤيدها غالبية الشعب ولا اعتبار لمن هم خارجاً يتلقون أوامرهم وتعليماتهم ممن يموّلهم ويدفع لهم نفقات الإقامة في فنادق العالم، هؤلاء منسلخون عن القاعدة الشعبية إلا من رحم ربي ويعيش على حواف فتات موائدهم.

يعود بولتون إلى بلاده حاملاً خفي حنين بعد أن طوى خريطته، أما أن يتفاءل قادة الكيان الصهيوني ويحتفلون بتصريحات تؤيد سيطرتهم على الجولان المحتلّ فهذا لا يعني شيئاً ولا يغيّر في اعتبار الجولان أرضاً محتلة ربما لن يغادرها الاستيطان إلا في سياق مغادرة جماعية لكلّ الأراضي المحتلة وما ذلك بمستحيل مع توفر الإرادة والتصميم على التحرير، وهذا ما يدركه قادة الكيان ومراكز أبحاثهم ولن يكون مفاجئاً لهم أبداً ولا حتى لمستوطنيهم الذين بادر العديد منهم إلى الاعتراف بأنها ليست أرضهم ومنهم كثير حزم أمره وعاد من حيث أتى.

لسورية وحدها المستقبل والريادة في المنطقة وستنبعث بلا شكّ من تحت الرماد…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى