غياب الفنّان التشكيليّ ورسّام الكاريكاتور المصري أحمد طوغان
غاب الفنان التشكيلي ورسام الكاريكاتور المصري أحمد طوغان عن 88 عاماً بعد صراع مع المرض الذي لازمه في الآونة الأخيرة ومنعه عن حضور افتتاح معرضه الأخير «ذكريات من زمن فات» في أيلول الفائت في القاهرة.
ولد طوغان عام 1926 في مدينة المنيا في صعيد مصر، ثم انتقل في فتى إلى القاهرة حيث برزت موهبته في الرسم. ونشر رسومه الكاريكاتورية في العديد من الصحف والمجلات، كما ساهم في تأسيس صحيفة «الجمهورية». وتوجت مسيرة طوغان بنيله في حزيران 2014 جائزة النيل، أكبر الجوائز في مصر.
كان الفنّان الراحل قد أصدر بالتزامن مع معرضه «سيرة فنان صنعته الآلام»، منشورات «الدار المصرية ـ اللبنانية»، ويعرض فيه لتجربته الثرية التي أتاحت له التقاء ومزاملة روَّاد لمعت أسماؤهم في سماء الصحافة والأدب والسياسة، مثل صديق العمر محمود السعدني، وزكريا الحجاوي، ومحمد عبد المنعم رخا، وإحسان عبد القدوس، وعباس الأسواني، وصاروخان، وكامل زهيري، إلى أسماء قد نعرفها ولا ندرك قدرها مثل أبو الخير نجيب ومصطفى القشاشي وسعد زغلول فؤاد وعبد المنعم الصاوي.
في رحلته الثرية يأخذنا طوغان إلى أماكن يسكنها السحر وتطوف الأسطورة في أرجائها لنُحلِّق معه في أجواء ممتعة، قبل أن يُعيدنا إلى صلادة الواقع مرَّة أُخرى، متحدثاً عن صحيفتي «الجمهورية»، والكاريكاتور، ثم صدمة وفاة ابنه بسَّام، رغم أنه يضرب بفُرشاته الهموم ليُخرج منها بهجةً كامنةً، غير أنه لا يُخفي آلامه، التي صنعت منه فنانًا ذا مذاقٍ خاص.
الكتاب الصادر في 440 صفحة قطعاً كبيراً، والذي حرَّره أحمد كمال زكي، مقسّم إلى ستة أبواب، بالإضافة إلى ملحق للصور والرسوم والكاريكاتور، مع إهداء إلى أحفاد طوغان، إلى مقدمة كتبها الراحل خيري شلبي عن طوغان ومذكراته، قائلاً إنها «ليست مجرد مذكرات صحافي رسام حقَّق شهرة مدوية، إنما هي فصول من تاريخنا المعاصر، غير أنه التاريخ الحي، التاريخ غير المرئي، التاريخ المخبوء في كواليس استدرجنا إليها ليرينا ما لم نكن نعرفه عن شخصيات عايشناها وتتلمذنا على أيديها وتأثرنا بها».
يروي طوغان في الكتاب قصة حياته منذ ولادته في المنيا فانتقاله إلى أسيوط قائلاً: «وُلدتُ في مدينة المنيا في صعيد مصر في العشرين من كانون الأول عام 1926، وبدأت أدرك ما حولي في مدينة أسيوط. كان أبي ضابطًا في الشرطة، وأيامها كان ضباط الشرطة يتنقَّلون بين مختلف المدن حسب الحاجة إليهم». ويلفت إلى أنه كان البكر لوالدته، مرجحًا أن ذلك سبب وراء اهتمام أمه به رغم انشغالها في شؤون المنزل وفي هواية العزف على البيانو. إلا أنها تفرَّغت له معظم الوقت فعلَّمته القراءة والكتابة وأنشـأته على الجدية والالتزام وحب الناس واحترام الكبير، والاعتزاز بالنفس والصدق والصبر والقناعة وكره الظلم وعيادة المريض وعدم التفكير في الثأر أو الانتقام حتى من أولئك الذين يسيئون إليه لأن الله هو الذي يتولى عقابهم في الدنيا وفي الآخرة، مؤكداً أن الأيام أثبتت له صدق مقولتها!
بعد ذلك انتقل إلى الجيزة، لكن والده توفّى باكراً في عمر الرابعة والخمسين، كما توفى شقيقه عبد السلام الذي يصفه قائلاً: «كانت نفسه مليئة بالأحلام والآمال. في هذا العمر 19 عامًا اشترك في تمثيل فيلم سينمائي أذكر أن عنوانه كان: «أرض السلام» وكان يشاركه في الفيلم عمر الشريف وعبد السلام النابلسي، وكانت حوادث الفيلم تُصوَّر في مدينة الأقصر».
إلى الحديث عن أيامه في القاهرة، قائلاً: «حضرت إلى القاهرة وأنا في الخامسة والعشرين من عمري، وسكنت في أول شارع شريف، في عمارة أمامها حديقة صغيرة وذات بواب نوبي اسمه فرح. كان نبيل الوجه، فيه الأنفة والاعتزاز بالنفس مثل جميع أبناء النوبة، ويرتدي جلابية ذات لون أزرق مُحلَّى بالقصب في الشتاء، وفي الصيف جلابية بيضاء عليها النقوش نفسها، ويضع على رأسه عمامة بيضاء كبيرة».
يستفيض طوغان في الحديث عن أصدقاء ورفاق عمل أثر فيهم وأثروا فيه، في مقدمهم الكاتب الراحل محمود السعدني، صديق العمر، راوياً قصته معه وبداية تعرفه به، ثم رغبتهما في التطوع لأجل إنقاذ فلسطين، ورحلتهما معًا في طريق الصحافة، وإصدارهما مجلة «الأسبوع» التي نجحا في إخراج تسعة أعداد منها إلى النور، قبل أن تتوقف. لكن رحلتهما الصحافية لم تتوقف، وسارت في طريقها بثبات وتألق. من خلال الحديث عن عدد كبير من الشخصيات وما يرتبط بها من حوادث، تكشف مذكرات طوغان «كيف كانت الصحافة مرادفة للتحرر الوطني، وكيف ارتفع الصحافيّون بأدائهم ونضالهم، وكيف ارتفعت مكانة الصحافي وأصبح طليعة ندّية لقيمة الملك، وبعض هؤلاء محمد التابعي، محمود عزمي، محمد توفيق دياب، حافظ محمود، فكري أباظة، أحمد قاسم جودة، مصطفى مرعي، أحمد أبو الفتح، وسواهم، ولولاهم ما جاء مصطفى وعلي أمين وفاطمة اليوسف ومحمد عودة وإحسان عبد القدوس وأحمد بهاء الدين وبقية ذاك الجيل الذي عاش المجد الصحافي مع هؤلاء الرُّواد.