الأمين الراحل جبران عريجي في اجتماع إداري لمسؤولي الحزب في لبنان بتاريخ 16/1/2003: الخارطة الأميركية الجديدة لا تستثني أي نظام عربي
عبير حمدان
نقرأ في أوراق الأمس القريب نسبياً، فندرك أكثر حجم الخسارة التي أصابت الأمة جراء رحيل الأمين جبران عريجي، وهو الذي ناقش كلّ الاحتمالات المتصلة بأساليب الولايات المتحدة الأميركية لاستعمار المنطقة أكثر، وحذّر الأنظمة العربية من تبعات ارتهانها لهذا المشروع قبيل شنّ الحرب على العراق بفترة قليلة.
أدرك كلّ الأطماع النفطية التي تتطلب أن يسود منطق التفتيت لتصبح المنطقة على قياس الحاجات النفطية لواشنطن، من فلسطين إلى العراق، ولبنان المثقل بالطائفية ولم يغفل الواقع الاقتصادي والاجتماعي، كما أنّ التحذير مما قد يهدد سورية كان ضمن قراءته للواقع. وما أشبه اليوم بالأمس، ففي إجتماع إداري لمسؤولي الحزب السوري القومي الاجتماعي في لبنان عام 2003 وقبيل احتلال العراق بشهرين تحدث الأمين عريجي عن الخطر الداهم الذي يتربص بالعالم العربي، وعن المسؤولية التي يجب أن يتحملها العرب للتصدّي له، وعن داء الطائفية في لبنان وضرورة العمل على معالجة هذه الآفة ضمن إطار منهجي من خلال التركيز على الجامعات التي يجب أن تجمع الجيل تحت سقف المواطنة وليس الطائفية.
اليوم يغادرنا الأمين جبران عريجي ويبقى فكره شاهداً على تاريخ يتكرّر. يجب علينا التمعّن في مراجعته وقراءة كل تفاصيله، ولذا نعيد نشر ما قاله في 16/1/2003.
حذّر رئيس الحزب الأمين جبران عريجي من أحداث مثيرة تؤدّي إلى حدوث تحوّلات خطيرة في البنى السياسية لمعظم دول المنطقة، وهذا ما ينطوي عليه المخطط الذي يرسم خارطة جديدة للمنطقة تسمح للقوة الأميركية ـ الصهيونية أن تبسط كامل نفوذها وسيطرتها على ثرواتنا ومواردنا.
كلام حضرة الرئيس جاء في معرض لقائه مع المسؤولين الإداريين لفروع الحزب في لبنان من أجل التحضير لانتخابات أعضاء المجلس القومي.
وقال رئيس الحزب: إن أي كيان أو نظام عربي يعتقد أنه بمنأى عن الخطر الداهم أو عن نتائجه يكون وقع في محظور الحسابات الخاطئة. إن الولايات المتحدة الأميركية تحضر لاستعمار جديد للمنطقة، ومن الواضح أنها أنجزت الجزء الأكبر من مشروع حربها عبر وضع الخليج عملياً تحت سيطرتها العسكرية المباشرة.
وقال: بالنسبة لأميركا، المعركة نفطية بامتياز، وهي ستؤدي إلى إعادة تفكيك دول المنطقة وتفصيلها على قياس الحاجات النفطية لواشنطن. وهذا يعني صياغة أنظمة سياسية تحتذي بـ»قراضاي» افغانستان، تقوم على أسس عرقية وطائفية، بما يؤدي إلى سايكس ـ بيكو جديدة ترضي التطلعات الأميركية «الإسرائيلية» إلى الهيمنة والتوسع. فالتفتيت والإلغاء هو في صلب رؤية أميركا لمستقبل المنطقة، وأخطر ما في هذه الرؤية أنها تأتي في سياق عولمة ترمي إلى إلغاء هويتنا الحضارية وتدمير المقومات المادية الضرورية لتطور امتنا وتقدم شعوب العالم العربي.
أما بالنسبة لـ»إسرائيل» فالحرب الأميركية المعلنة على أمتنا انطلاقاً من العراق تشكل فرصتها التاريخية للتقدم بالمشروع الصهيوني، بدءاً من الإجهاز على ما تبقى من الفلسطينيين داخل فلسطين لتشريدهم عبر عمليات «ترانسفير» جماعية، وإنتهاءً بالتوسع العسكري والاقتصادي عبر الفجوات الاستراتيجية التي ستنجم عن خلخلة التوازن العسكري والاقتصادي القائم حالياً.
مسؤولية العرب
وأضاف: ليس مقبولاً أن تظل معظم أنظمة العالم العربي نائمة على حرير «الضمانات» الأميركية، بينما الخارطة الأميركية الجديدة لا تستثني أي نظام عربي من استراتيجيتها الرامية إلى ضرب النظام الرسمي العربي القائم، رغم هشاشته، واستبداله بنظام آخر أكثر هشاشة واستسلاماً لمشيئة الإمبراطورية الأميركية، وهذا الواقع يؤهل «إسرائيل» لأن تصبح قوة إقليمية عظمى.
وتابع: على معظم هذه الأنظمة أن تستشعر الخطر، وتقلع عن سلوكها الذي يظهر في العلن غير ما هو في الخفاء، وعليها أن تتخلى عن خطابها الزئبقي، وتسارع إلى مراجعة حساباتها علّها تستطيع أن تتماسك في تضامن عربي يصلح منطلقاً للرد على الأخطار الداهمة بدل استهلاك الوقت الثمين في المزيد من الشعارات التي تضلل الرأي العام العربي على خلفية طلب السلامة الموهومة. والخطوة الأولى في هذه المراجعة تبدأ بإعلان موقف صريح ضد الحرب الأميركية على العراق، والمطالبة بخروج القوات الأميركية من الخليج، وإقفال المعابر البحرية بوجه الأساطيل الحربية الأميركية والبريطانية، والاقتداء بنهج مثلث الصمود والمقاومة والانتفاضة، وهذا ما يساعد على بناء قاعدة صلبة للتضامن العربي تكون مدخلاً لقيام جبهة عربية تتصدّى للأخطار، وتحمي المصالح القومية وتصون الحقوق العربية، فقوة الموقف العربي شرط أساسي لدفع واشنطن وحلفائها إلى إعادة حساباتهم على غرار ما يحصل مع كوريا الشمالية، بدل أن تظل منتظرة متى تدق ساعة العدوان على العراق، وساعة بدء عمليات التهجير في فلسطين، وما يستتبع ذلك من تداعيات تضع المصير العربي برمّته في المجهول.
وإشار إلى أن «إسرائيل» مصمّمة على توظيف العدوان الأميركي على العراق للقيام بأعمال عدوانية تؤدي إلى ذبح الانتفاضة، وتدمير كل أشكال المقاومة عند شعبنا، وسيتم ذلك في إطار ممارسة المزيد من التهديدات ضد سورية ولبنان وهذا ما يملي علينا أن نكون مستعدّين لشتى الاحتمالات.
الطائفية مصدر خطر
وأفرد رئيس الحزب حيزاً في كلمته للأوضاع العامة التي يمر بها لبنان، فرأى أن الطائفية هي مصدر الخطر الحقيقي على مستقبل لبنان واللبنانيين، وأن ما نشهده من تجاذبات سياسية هو نتاج تركيبة النظام الطائفي، وأن تفاقم الوضع الاقتصادي والاجتماعي هو حصيلة حتمية لنهج المحاصصات الطائفية التي تلغي مبدأ المواطنة لتحوّل الناس إلى مجرد رعايا لطوائف ومذاهب، وما نشهده من إخلال في الأمن بين حين وآخر لا يفهم إلا من خلال قراءتنا للحالة الطائفية التي تصيب المجتمع بأعطاب كبيرة، وطبيعي أن تكون مثل هذه الجرائم من إفرازات النظام السياسي الطائفي المهيمن على لبنان.
أضاف: إن مسؤوليتنا كقوى مدنية ديمقراطية أن ندفع باتجاه بلورة خطاب سياسي مستقل عن إملاءات الطوائف، تتبناه الدولة في لبنان فيكون لها بذلك جمهور يؤسس لمواطنية حديثة، تحدث انقلابا حقيقياً في الحياة السياسية اللبنانية.
ولفت إلى أن تبني الحزب للقضايا الاجتماعية، وفي طليعتها حماية وتطوير الضمان الاجتماعي، ينطلق من قناعات راسخة بضرورة تعزيز مقوّمات دولة الرعاية التي عبرها تصان المقومات الوطنية والقومية للبلاد، إذ أن موجبات الصمود الوطني والقومي تتطلب تحصين الشعب في لقمة عيشه، وفي كتابه ودوائه.
مصنع الطائفيين
وختم قائلاً: بموازاة الاهتمام بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية فإننا نولي موضوع الجامعة اللبنانية كل اهتمام، ونرى في البناء الجامعي الموحّد خطوة على طريق تحرير الطلاب من الطوائفية، وإنقاذ الكليات من التطييف، موفرين بذلك أسواراً جامعية واحدة لـ»وطن» واحد. وألفت في هذا الصدد إلى ضرورة الشروع في إصلاح تربوي يطال مناهج الجامعات الخاصة كي تسهم هذه الجامعات في تعزيز الانتماء الوطني، ونحن من القائلين بأن بعض الجامعات الخاصة بمناهجها الحالية ومناخها العام هي ـ للأسف ـ مصنع للطائفيين.