التشجيع والمواكبة… سيف ذو حدّين
ابراهيم موسى وزنه
للتشجيع الجماهيري والحضاري من على مدرجات الملاعب الكروية أو السلوية خلال سير المباريات وعند احتدام البطولات نكهة ما بعدها نكهة وفائدة تجر خلفها فوائد، ومن النتائج الإيجابية لجماهيرية أية لعبة، نقرأ الآتي: أحقّيتها بالمواكبة الإعلامية المحترمة، ارتقاء مستوياتها الفنية وبالتالي انعكاسها إيجاباً على المنتخبات الوطنية، تشجّع المعلنين وأصحاب الشركات والمصانع لتسويق منتجاتهم وماركاتهم، تزايد أعداد الجماهير والمشجّعين وهذا ما يساهم فعلياً في ضخ مداخيل تنعش صناديق الأندية ناهيكم عن اندفاع المتمولين الساعين إلى الفوز بالتطوّر الاجتماعي من خلال دعم الأندية المتناسبة مع طموحاتهم، وهذه المنظومة المساهمة في تطوير ورقي الحركة الرياضية في أية بقعة من العالم تلزمها أجواء طبيعية خالية من الخضّات الأمنية المتتالية أو الانقسامات السياسية الحادة.
وعلى المقلب الآخر، فإذا كانت العصبية والطائفية هي اللغة الوحيدة السائدة في موشحات الجماهير، والأجواء والأحداث السياسية تتحكم في شعارات المشجعين، والشغب سيد الموقف في سياق التعامل مع الهفوات التحكيمية، فيلجأ الأمنيون إلى إطلاق النار لردع بعض الثائرين الرياضيين ـ وهذا ما حصل بالفعل في مدرجات فريق الهومنتمن على ملعب برج حمود منذ أسبوعين، إذ سقط أربعة جرحى ـ ناهيكم عن معاناة معظم الأندية الرياضية في لبنان لجهة تأمين موازناتها الموسمية. عند ذلك، لا شكّ في أن ما ذكرناه في الشقّ الأول من كلامنا سيتلاشى وستغيب الإيجابية بشكلٍ تدريجي عن واقعنا الرياضي بكل مفرداته وتفاصيله، لتأتي العواقب وخيمة والنتائج سلبية بامتياز، ومنها على سبيل المثال: التراجع الحتمي في المستوى الفني، هروب وتهرّب المتمولين والداعمين، تناقص أعداد المشجعين والمواكبين، غياب المعلنين وانسحاب بعض الأندية من الوسط الرياضي بشكلٍ نهائي.
وما بين المشهدين المتناقضين، يقع رياضيونا في حيرة كبيرة ورياضاتنا في فخّ التراجع، في حين يمعن أهل الاختصاص في توجيه اهتماماتهم إلى مكان آخر، فلا وزارة الشباب والرياضة تملك عصا سحرية ولا اللجنة الأولمبية تخطط بواقعية ولا الاتحادات الرياضية تتمتع بعافية مادية وحالها كأنديتها المتعبة بالمصاريف… وما أكثرها.
وبناء على ما تقدّم لا بدّ من لفت النظر إلى أن أهل الرياضة هم المعنيون الأساسيون بإعادة الوهج إلى ألعابهم وملاعبهم، ابتداءً من المشجع الحضاري المدرك سلفاً بأن خسارة فريقه واردة وأن الحكم من لحم ودم وهو معرض للخطأ وسوء التقدير، مروراً بالقيّمين على إدارة الاتحادات والأندية والمباريات، فالمطلوب منهم التزام الحياد الإداري والعدل الوظيفي، وصولاً إلى الوزارة المعنية واللجنة الأولمبية، والجهتان بحاجة إلى دعم حكومي وموازانات محترمة وشخصيات وازنة لها صيت إداري ذائع أو تاريخ رياضي حافل، وبالانتقال إلى اللاعبين وهم أساس الحركة الرياضية، فمسؤولياتهم كبيرة ولا تقل أهمية عن الإداريين والحكام والمدربين، باختصار عليهم أن يراعوا في مسيرتهم سعيهم المستمر إلى تطوير مستوياتهم على جميع الأصعدة وخصوصاً فهم القوانين والاجتهاد الذاتي والتزام تعليمات المدربين مع الانتباه إلى الصحة والتحلي الدائم بالروح الرياضية السمحاء. ختاماً، نعود لنذكّر بأن الارتقاء الرياضي في بلدنا لم ولن يتحقق طالما يصر البعض على خلط الأوراق السياسية بالرياضية في ظل تمادي أفراد العائلة الرياضية في خروجهم عن الأصول، وتفشي ظاهرة التعصّب الأعمى في صفوف الجماهير. نعرض أمامكم خريطة الطريق إلى النجاح والفشل ولكم حرية الاختيار، لكن الجواب الصحيح على كل ما طرحناه في هذه العجالة يبقى عند أهل الحل والربط ممن ذكرناهم، فمن يراقب يستنتج ومن يعش يرَ… ما زلنا حتى هذه اللحظة على المفترق.
صحافي وناقد رياضي