شاعريّة مرهفة ومصداقيّة لافتة في ديوان «شبابيك سوف يدخلها الضّوء» للشاعر عبّاس ياسين
خلود عبد النّبي ياسين
«شبابيك سوف يدخلها الضّوء» هو الدّيوان السّادس للشّاعر اللّبنانيّ عبّاس ياسين، والصّادر عن شركة دار مكتبة المعارف في العام 2014 م، قوامه 44 قصيدة كتبها الشّاعر في آونة مبكرة من مسيرته الشّعريّة، ويُمكننا القول إنّها تمثّل باكورة أشعاره بجُرأتها المحمّلة بعبق الحُلم، وحيويّتها، وتعدّد نكهاتها.
يستخدم الشّاعر في ديوانه مفردة «شبابيك» ويُشرّعها، وهو على يقين أن الضّوء سيتسلّل إليها على جناحي الشّعر، وسوف يدخل غرف الشّاعر المشرّعة شبابيكها له، ولعلّ استخدام كلمة «شبابيك» هنا وليس «نوافذ»، يُفيد التّشابك وليس النّفاذ، ليتسنّى للضّوء السّاطع التّداخل والتّشابك مع كلّ ما يمرّ من خلاله.
تنطق نصوص عبّاس ياسين بصدقه، على الرّغم من تشتّته وقلقه بسبب معاناته من الغربة، فهي تعبّر عن حبّه، وأحلامه، وثورته، ومغامراته، وآلامه.
يُسلّط الشّاعر الضّوء في هذا الدّيوان على الحالة السّياسيّة الّتي كانت قائمة في لبنان والمنطقة العربيّة آنذاك، فالشّاعر هو ترجمان حديث الشّعوب المقهورة، ينطق باسمهم، وينبض بوهج ثورتهم، لكنّه يُؤمن بأنّ الوطن ستُغرّد فيه زهرة زنبق:
«ستعودُ البسمةُ للباب الأزرق
وتعودُ تُغرّدُ في وطني.. زهرةُ زنبق
وتعود تُحلّقُ نوْرسةٌ .. في حب يغرق
لن نبقى دوماً نحن النّار
لن نبقى نركع.. نحبو لجحافل هذي النّار».
يستحضر عبّاس ياسين وقائع تاريخيّة مهمّة في قصائده، وهذا يعكس أهميّة نصّ الذّاكرة، ووظيفة الذّاكرة الشّعريّة في صياغة النصّ الشّعري، واستحضار الأحداث، ونقلها من حيّزها الماضويّ إلى حيّز الزّمن، ومن ثمّ القيام بمعالجتها على وفق الوعي الآتي بها:
«مولايَ…
وأجرعُ في نفسي جرحَ الأمسِ
وينفجرُ الجرحُ، وينكشفُ التّاريخُ على عتبة روحي..
يضحكُ.. ما زال ابن الملجم يضحكُ يا مولاي
ما زلنا نعبثُ بالسّيف المسمومِ
نقبّلهُ..».
نلاحظ أنّ قصيدته تتأثّر بالحدث والمشاعر، أكثر من تأثّرها بحركة تطوّر القصيدة، فنجده يُصغي لصوت كلمته، ويكتب بلغة الحياة، مستخدماً أسلوب السّرد المشتعل بخلجات الحنين للأمّ، للوطن، وللحبيبة:
«أمّاه..
وعند البردِ أضمُّ ثيابي، يا أمّاهُ..
وأشعلُ بضعَ لفافةْ
وأكلِّمُ نفسي بضعَ كُليْماتٍ…
وحينَ أكلِّمُ نفسي يا أمّاهُ
أحنُّ إليْكِ».
وينطلق ياسين في عالم الأحلام على الرّغم من مرارة الواقع، ولا ينتابه اليأس، حاله كحال كلّ لبنانيّ لا يعرف اليأس، وينبعث من جديد بعد كلّ محنة، فالعامليّ عند الشّاعر كطائر «الأنكو» الّذي ما انفكّ يُقاوم ويقاوم، وهو مؤمن بأنّ الأمل سيُزهر يوماً ما:
«رفوفُ طيور الأنكو ترجعُ من سفرتها..
أنا أعرف أنّ الأنكو لا يفنى أبداً…».
لا تعلو اللّغة عند الشّاعر على المعاني، فتتجاوز لغة التّقرير إلى لغة التّعبير، وتسعى للكشف عن العواطف والأحاسيس، والانفعالات الكامنة في قلبه، لتصل مباشرة إلى قلب المتلقّي:
«أهواكِ وأنسى شطآني..
أنسحبُ على عشق الذّكرى
فالذّكرى وهواكِ جِناني
لا تدعي قلبي مشطوراً
فهوايَ يرجِّعُ ألحاني».
لقد استمدّ الشّاعر صوره من الواقع، معبّراً عن لا شعوره بمشاعر دفّاقة تتشابك لتُدخل الضّوء إلينا بلغة شفّافة تعتمد على المصداقيّة المرافقة لرحلة ياسين الشّعريّة والّتي بدأت في العام 1976، ولا تزال تتوهّج وتتألّق لغاية الآن.
عبّاس ياسين شاعر يُزيّن مكتبتنا بنتاج شعريّ له نكهة خاصّة، يستحقّ أن نقف عنده ونقرأه، فلكلماته القدرة بأن تُشرِق في وجدان وضمير القارئ على الدّوام.