سمير جعجع العرّاف الخائب…

جهاد أيوب

بعد التمديد النيابي الثاني في لبنان اختفت نوعاً ما تصريحات العديد من الوجوه السياسية التي كانت قائمة في ما كان يطلق عليها جماعة 14 شباط، وتحديداً عند قائد «القوات» سمير جعجع، فلا مؤتمرات ارتجالية كما عوّدنا بمناسبة ومن دونها، ولا نافذة فضائية ليتحدث عن حالة غير واقعية، ولا تصريحات هجومية تتنبّأ بما سيحصل في المستقبل اللبناني سياسياً وأمنياً رغم عدم صحة ما يتنبّأ به، فقط أتخمنا بهجومه وهجوم من معه على العماد ميشال عون، ورسم حجم اللعبة السياسية المسيحية بتفاصيل ومزاعم، ناسفاً كلّ الزعامات الأخرى كأنه هو الوحيد المسيطر والحاكم والقائد والقائل، وفي هذه الحال من حقنا أن نسأل لماذا خفّت الحدة السياسية في تعليقات جعجع، وزادت ضدّ التيار الوطني الحر؟ ولماذا لا تتحقق تنبؤاته، وقيادته متأرجحة تنتظر مصيبة كي تتربّع عليها؟

منذ خروجه من السجن بعفو نيابي، وهو المدان في جريمة اغتيال رئيس وزراء لبنان رشيد كرامي، وارتكابه للعديد من الجرائم، ها هو يقدم نفسه في الليل والنهار عبر القنوات الفضائية على أنه عارف في الغيب، وما سيحدث من أمور مصيرية في لبنان، لا بل وصلت به الأمور الى حدّ تحديده خطوات الغير، ما يذكرنا بقراء الطالع والفنجان على صبحية نسائية، ومهما كان الاختلاف السياسي معه إلا أنه يصرّ على أن يكون من جماعة العرّافيين من خلال قراءاته في الساحة المحلية والعربية والعالمية، او أحلامه التي يتمنى ويرغب في أن تتحقق… وما من مرة أطلّ فيها إلا وأصرّ على أن يكون العرّاف الذي يقدم تطلعاته المستقبلية لأمور كثيرة تشكل جدلاً بين الأفرقاء السياسيين اللبنانيين، ولن نطيل الحديث بما تنبّأه ولم تثبت صحته، فالأقوال كثيرة يستطيع المتابع أن يتعرّف إليها ببساطة، ومن باب التذكير لمن يرغب ومن لا يريد أن يحرك عقله ويستمرّ في السير وراء العرّاف إلى مصير مجهول نطلب منهم أن يطلوا على الذاكرة لربما استفادوا منها!

تنبأ السيد جعجع سابقاً بعدم توزير جبران باسيل، من سابع المستحيلات توزير الراسبين في الانتخابات، لن يحصل ميشال عون على وزارة الاتصالات، ولن تأخذ المعارضة ما تريد في الحكومة، ومن الصعوبة أن يمرّ بند سلاح المقاومة في البيانات الوزارية… باي باي يا حلوين، التمديد النيابي غير وارد، لن نحارب الجماعات السلفية والتكفيرية لأنهم منا وأصدقاء لنا ولن يحاربونا، لن يصل «داعش» إلى لبنان، لا مشاكل في طرابلس، لا إرهابيين في عرسال، «داعش» كذبة، الوضع في سورية سيُحسم خلال أسابيع، انتهاء النظام السوري قريباً، لن تعقد طاولة الحوار، لن نشارك في حكومة سلام ومن ثم ندم… ولن نتحدث عما بشرنا به سابقاً ولم يتحقق منه أي شيء، ونظراً لذاكرة اللبنانيين المسرعة والمتسرّعة والمكثفة بالمشاكل والأحداث السريعة ونعمة النسيان الساخرة والساذجة نلفت إلى أنّ سمير جعجع كعرّاف أخطأ ولم يصب الهدف، كما كان الأمر معه حين حمل السلاح، فهو أكثر الأفرقاء المسيحيين العاملين في 14 شباط تضرّراً من التركيبات الوزارية في كلّ الحكومات، وظهر صغيراً في اللعبة السياسية الداخلية، وخلط أوراق التوافقات أضاع أوراقه رغم التبريرات غير المقنعة من طرفه، وببساطة وفي كلّ حدث حكومي أو نيابي أو سياسي نجد أنّ ميشال عون وتياره الممثل الفعلي للمسيحيين في الدولة، فالحقائب الموزعة بالأمس واليوم تجعل الجنرال الشريك الحقيقي والفعلي في بناء الحكومة إضافة إلى الوزير سليمان فرنجية، ولم يعد مسموحاً المقارنة في هذا المكان!

سمير جعجع يعيش اليوم انزعاجاً كبيراً ومقلقاً لعدم صحة تنبّؤاته وإفلاسها، ولعدم استطاعته أن يجاري الجنرال في شعبيته وسيطرته على مقاعد المسيحيين في الدولة من وزراء ونواب، إضافة إلى ان الدعم الإعلامي والمالي من دولة خليجية كانت مكلفة بتغذيته خفت إن لم يكن شحت، وحركة تصريحاته الحالية تكاد تكون محصورة فقط بحركة التيار البرتقالي ورئيسه، علماً أنّ ميشال عون يسعد إذا هوجم من قبل القوات وقائدها، لأنّ في ذلك انكشافاً للحقائق أمام الرأي العام الذي سيعرف طبيعة الهجوم وأسبابه وحقيقته وخباياه والصوت المرتفع بعصبية من قبل الفريق الأخر.

من هنا نصحه أحد الإعلاميين الذي يعمل في محطة فضائية بالتوقف عن مهاجمة العماد ميشال عون، والعودة إلى رفع وتيرة الهجوم على المقاومة وسلاحها وخطابها، وعدم التطرّق بشكل واسع وجدي إلى تدخل حزب الله في سورية، بل فقط اتهامه بأنه هو السبب الأول لدخول «داعش» و»النصرة» إلى لبنان!

كما نُصح بأن يكون له أكثر من طلة تلفزيونية قريبة عبر LBC و MTV محورها الحديث عن الوضع المسيحي ورئاسة الجمهورية فقط، وشرح سبب موافقته على التمديد النيابي.

إذاً، وقريباً سمير جعجع سيزيد من ظهوره المتلفز مع انه لم يبتعد عنه، ولكن هل سيطلّ كعرّاف، ومشترط، وخبير في علم الغيب وما سيحدث في المستقبل من خلال التنجيم والتبصير، أم انه سيكتفي بالهجوم على المقاومة وسلاحها كما نُصح؟

إنْ فعل سيجد في المقلب الاّخر عدم الاكتراث لهجومه، ولا يوجد في الأصل رغبة في الردّ عليه، فالمقاومة تشكل اليوم قوة إقليمية كبرى لا يستهان بها… «ليك وين بعدهم!»، ووجود الأصوات التي اعتادت التطاول والانتقاد والتهجم على المقاومة أصبحت روتينية وغير مضرة، وربما يبحث عنها كما يفعل الطفل بلعبته حتى ينام!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى