«قمة عُزلة لبنان»: تكرار لأفكار من دون مشاريع…

محمد حمية

لعل النجاح الوحيد الذي حصده لبنان من انعقاد القمة الاقتصادية العربية على أرضه هو النجاح التنظيمي وحسن الضيافة، فإلى جانب التمثيل العربي الباهت في أهم المؤتمرات العربية الاقتصادية، جاءت النتائج السياسية كما الاقتصادية مخيبة للآمال رغم الجهود الكبيرة التي بذلتها الأمانة العامة للجامعة العربية ووزارة الخارجية وفريق رئاسة الجمهورية لتظهير صورة مغايرة للواقع، عبر تسليط الضوء على مشاريع حظيت بتوافق المؤتمرين إلا أنها مشاريع ليست بجديدة بل طُرحت في قمة العام 2011 وبقيت حبراً على ورق حتى الآن، ما يمكن لأي مراقب اختصار قمة بيروت بأنها تكرار لأفكار من دون مشاريع.

فلجهة التمثيل، عكس بشكل واضح قراراً أميركياً وخليجياً بمنع الرؤساء العرب من المشاركة في قمة العرب، إذ إن واشنطن تراهن على قمة «وارسو» لا على القمة العربية، وعلمت «البناء» من أوساط دبلوماسية أن تعليمات أميركية وصلت لدول الخليج بمقاطعة القمة على مستوى الرؤساء كما تجميد الانفتاح العربي على سورية وأي اندفاعة لبنانية مرتقبة عليها أيضاً وهذا ما يفسر الاعتذارات المتتالية والمفاجئة للرؤساء عن عدم الحضور عقب زيارة وزير الخارجية الأميركية الى المنطقة!

ورغم تدخل رئيس الجمهورية على خط استنقاذ القمة عبر رفع مستوى التمثيل فيها، إلا أنه لم يلبِ النداء سوى أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، فقد أكدت مصادر بعبدا لـ»البناء» أن «الرئيس عون أجرى سلسلة اتصالات برؤساء عرب لإقناعهم بالحضور ولا سيما بالأمير القطري غير أن كلاً منهم قدم عذراً مختلفاً»، وعن استفسار لبنان عن أسباب عدول الرؤساء عن الحضور، أوضحت المصادر أن «لبنان لا يمكنه التدخل في شؤون الدول الأخرى فلكل دولة أسبابها للغياب وحقها في تحديد مستوى تمثيلها، ولو أن ذلك يعكس إشارات سياسية معينة لكن لن تؤثر على نتائج القمة على المستوى الاقتصادي».

وترى المصادر عقد القمة بحد ذاته على الأراضي اللبنانية يشكل إنجازاً الى جانب حضور الأمير القطري ومبادرة الرئيس ميشال عون بإنشاء مصرف عربي لإعادة الإعمار ومساعدة الدول العربية على تجاوز أزماتها، ونجاح لبنان بتضمين «إعلان بيروت» الصادر عن القمة بند «العودة التحفيزية» للنازحين السوريين الى بلدهم بتوافق عربي ومساعدة هذه الدول على تقديم كل ما يلزم لهذه الغاية وتحميل المجتمع الدولي مسؤولياته على هذا الصعيد، الى جانب الهبتين الماليتين القطرية والكويتية.

أما لجهة الحصاد الاقتصادي والمالي، فأبلغ دليل على فشل المؤتمر هو عجز ممثلي 22 دولة عن جمع 200 مليون دولار لتمويل الصندوق العربي للاستثمار في مجالات التكنولوجيا والاقتصاد الرقمي، فلم تُبادر للمساهمة سوى الكويت وقطر بـ 50 مليون دولار لكل منهما.

فهل فعلاً حققت القمة إنجازات؟

نعم، نجح القرار الاميركي بتفخيخ القمة على ثلاثة صعد: الأول عقد القمة بمستوى تمثيل منخفض الى حده الأدنى. وهذا ما ظهر في الوفد الخليجي والسعودي تحديداً ما عكس استمرار المناخ السياسي العربي والخليجي بمقاطعة لبنان وتشديد العزلة العربية عليه، ويخفي ضغطاً أميركياً كبيراً على بيروت ربطاً بملفات استراتيجية تبدأ بسلاح المقاومة ودورها العسكري والسياسي بعد نهاية الحرب في سورية وترسيم الحدود النفطية وملف النازحين السوريين، ثانياً نجاح أميركي بتغييب سورية عن قمة تُعقد في أقرب دولة لها. وبالتالي زيادة في تأزم العلاقات اللبنانية – السورية، ثالثاً تقليص نتائجها الاقتصادية الى أدنى مستوى.

فقد كان كلام الوزير جبران باسيل في مؤتمره الصحافي مع الأمين العام للجامعة أحمد ابو الغيط بالغ الدلالة، بإعلانه أن حضور أمير قطر كسر الحصار على القمة، فيا ترى مَن حاصر القمة؟ لم يُجب باسيل بوضوح على هذا السؤال مستعيناً بصلاحياته الدبولوماسية لإنقاذ أبو الغيط من الإحراج الذي وقع فيه قبل أن يتحوّل هذا الإحراج غضباً وتوتراً في رده على سؤال أحد الصحافيين عن مدى الالتزام بتطبيق مقررات القمة.

وقد علمت «البناء» أن «الامانة العامة تبلغت امتعاض لبنان من مستوى التمثيل، فسارعت الى التعويض عن ذلك باجتماعات مكثفة تُوِجت في اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب لرفع إنتاجية القمة الاقتصادية والاجتماعية، وقد تمكّنت الدبلوماسية اللبنانية من انتزاع بند النازحين من «فم السبع العربي»، لكن تبقى العبرة بالتنفيذ، فما الذي يضمن تطبيق هذا البند في ظل الموقف الخليجي «المُدبلج» أميركياً برفض عودة النازحين إلا الطوعية والآمنة؟

غِبطة رئيس الدبلوماسية اللبنانية بهذا الإنجاز لم تُعمِر طويلاً، إذ لم يُخفِ باسيل شكوكه حيال تطبيق هذا البند وهناك سوابق على ذلك.

لا شك في أن تجارب قمم بلاد العرب على أنواعها السياسية والاقتصادية أثبتت بالدليل القاطع فشل العمل العربي المشترك لصالح نجاح تجربة العمل الثنائي والبيني والثلاثي بين الدول لا سيما بين الدول الشرق أوسطية وهذا ما تُبينه العلاقات بين كل من العراق وسورية وبين سورية والأردن عبر اعادة فتح معبر جابر – نصيب وبين العراق والأردن، لوجود وقائع جغرافية واقتصادية واجتماعية وأمنية حاكمة، ما يرسم علامات استفهام حول تخلف لبنان عن هذا الالتحاق بالمعادلة الجديدة وتُراه يعود للتمسك بالعمل العربي المشترك ويراهن على نتائجه رغم الفشل منذ تأسيس الجامعة، في وقت بلغت التحالفات الجغرافية والإقليمية على الأقل على المستويات الاقتصادية أوجها، فلبنان يتنفس من الرئة السورية فلماذا لا ينسج معها تحالفات سياسية تُنتج اقتصاداً ديناميكياً وعبرها مع الدول المجاورة لها، فلبنان يكفيه الاتفاق مع دولة أو اثنتين مجاورتين لانتشال اقتصاده المدمّر لا 22 دولة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى