الاعتداءات «الإسرائيلية» بين الردع والمنع
عامر نعيم الياس
لا تغيير في الموقف الغربي من سورية حتى اللحظة، وكلّ ما يُقال عن عودة للسفارات الغربية إلى سورية مرهونٌ بقرار أميركي لا يبدو أنه نضج حتى اللحظة، وحتى في ما يتعلق بالانسحاب الأميركي من سورية الذي أعلنه الرئيس دونالد ترامب في منتصف الشهر الماضي من العام المنصرم، لا يبدو أنّ الأمور تجري بسلاسة وبساطة، فترتيب الأوضاع في مناطق النفوذ الأميركي في سورية والعراق يحتلّ الأولوية، وفي سياق ما سبق تندرج الاعتداءات «الإسرائيلية» المكثّفة والهستيرية على سورية التي تحتلّ مساحة في التغطية الغربية الإعلامية اليوم، تلك التغطية التي تتبنّى العنوان «الإسرائيلي» الأبرز وهو «محاربة إيران في سورية»، هذا العنوان الذي يبدو أنه مريح حتى اللحظة لكافة الأطراف التي لا تريد الخوض في تفاصيل هذه الاعتداءات وأهدافها البعيدة، فهل الأمر حكر على إيران؟ ماذا عن روسيا وآلية الردع؟ وماذا عن البيت الأبيض وسياسته؟
مما لا شك فيه أنّ التحوّل في موازين القوى في المنطقة، وفي هذه المرحلة تحديداً، دفع الكيان الصهيوني إلى تكثيف اعتداءاته، وهنا لا بدّ من ذكر متغيّرَين أساسيَين:
الأول، قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالانسحاب من سورية الذي يساهم في كسر توازن القوى الذي تعتمد عليه «إسرائيل» والغرب في حربهما على سورية، الجدير بالذكر هنا أنّ الفرنسيين في سياق نقاشهم لأبعاد الانسحاب الأميركي، إنْ تمّ تنفيذه، أشاروا إلى انهم لا يستطيعون العمل في سورية دون الوجود العسكري الأميركي الذي يؤمّن الدعم السياسي والعسكري واللوجيستي الكامل لقوات ما يسمّى التحالف الدولي، فكيف يكون الحال بالنسبة للكيان الصهيوني الذي يشكل أحد أهمّ أذرع عمل القوات الأميركية في سورية خارج إطار ما يسمّى التحالف الدولي.
الثاني، المظلة الجوية الدفاعية السورية وتزويد دمشق بأحدث مضادات الدافاع الجوي في المنطقة، هذا الأمر الذي جعل من سورية من أقوى دول المنطقة في هذا المجال، الأمر الذي له تأثير مباشر على الاستراتيجية العسكرية «الإسرائيلية» في سورية، لذلك نلحظ أنّ اعتداءات صباح وفجر 22-21 من الشهر الحالي كانت مفرطة وهذا ناتج عن فعالية وسائط الدفاع الجوي السورية.
الردع في سورية أصبح أمراً واقعاً وهو هدف تحقق اليوم وهذا أمر لا يمكن إنكاره، لكنه ردع لا يمنع الاعتداء على البلاد، بل يُفشل هذا الاعتداء ويقيّده، وعند هذه النقطة تُطرح تساؤلات حول الموقف الروسي، وموقف حلفاء سورية من حزب الله إلى إيران، فهل تطوّر القوة، والتمدّد المضطرد للجيش السوري في الميدان أمران كافيان للسير قدُماً في استراتيجية استيعاب الضربات «الإسرائيلية» التي لا ترقى إلى مستوى حرب؟ وهل الأساس سيبقى في تفكير محور الدولة السورية والحلفاء هو عدم الإنزلاق إلى مواجهة كبرى يريدها الكيان «الإسرائيلي» اليوم أكثر من أيّ وقتٍ مضى على خلفية مأزق الردع، والمأزق السياسي الداخلي، وخلط الأوراق الذي ما زال يُفرزه قرار ترامب الانسحاب من سورية.
لكلّ معركةٍ ظروفها، ومن المؤكد أنّ الوقت اليوم في الداخل السوري ليس لخوض مواجهات مفتوحة، في ظلّ هذا الارتباك الذي يسيطر على المشهد من شمال سورية مروراً بشرق الفرات ووصولاً إلى وضعية العمل السوري العراقي المشترك والدور الأميركي في الضغط على الحكومة العراقية لمنعه، وليس انتهاءً بالدور الذي لعبته واشنطن أخيراً في لبنان وقمّته الاقتصادية التي فرّغت من كامل مضامينها وكانت في هشاشتها شاهداً على حجم التشظي الذي يحكم المنطقة، وحتى القدرة الأميركية على التأثير في الإقليم، تلك القدرة التي لم تتغيّر وتتراجع إلى الحدود التي يحلو للبعض الإشارة إليها أحياناً في سياق إدارة الصراع في المنطقة.
من المؤكد أنّ الدولة السورية انتصرت، لكن الحرب لم تنتهِ بعد، وهنا يمكن القول إنّ نقل المعركة إلى قلب الكيان الصهيوني يمكن أن يكون السبيل الوحيد لوقف الاعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة على سورية، وهي التي من شأنها وقف هذا الصلف الإعلامي والسياسي الغربي المتجاهل لسيادة الدولة السورية، والضاغط عليها لأهداف سياسية واقتصادية رخيصة، لكن هنا الحسابات مختلفة وتحمل كلف حروب متعدّدة بحجة أنّ الدمار الذي حلّ بسورية حرّرها من الخوف من الدمار بحدّ ذاته، لا يمكن وصفه بأنه تفكير عميق ورؤية كفيلة بتعزيز انتصار سورية، حيث تبقى الأولوية اليوم باتجاه تعزيز عوامل القوة الداخلية شعبياً وسياسياً وميدانياً في مواجهة بؤرتي شرق الفرات وإدلب في شمال غرب البلاد، فضلاً عن سبر حقيقة إعلان ترامب وإجراءاته التنفيذية لوضع ما وعد به قيد التنفيذ، إضافةً إلى استكمال تعزيز الوجود الفاعل والترابط القائم بين أطراف محور المقاومة بانتظار اللحظة التي ينضج فيها قرار إفشال ومنع الكيان الصهيوني من التفكير باعتداء على أيّ من أطراف هذا المحور، دون أن نغفل الغطاء الروسي الدولي السياسي الدولي ومصالحه.