بوتين يُعيد أردوغان إلى مسار أستانة… وقمة ثلاثية في شباط أسبوع حكومي حاسم… حسم الحقائب أولاً ثم التفرّغ للوزير الملك

كتب المحرّر السياسيّ

فجأة ظهرت المعركة التي ستحسم مستقبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب في السباق الرئاسي المقبل، فالفشل العسكري في آسيا من سورية والعراق وأفغانستان واليمن، يوازيه الفشل السياسي في تطويع إيران وروسيا والصين وكوريا الشمالية. وفي أوروبا خسائر لا يمكن إحصاؤها، حيث التمايز الأميركي الأوروبي سيظهر تبايناً مع إعلان وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان عن تبلور آلية التبادل المالي مع إيران خلال أيام قليلة مقبلة، حفاظاً على التزام إيران بالتفاهم النووي، ومنعاً لمخاطر العقوبات الأميركية، وقبل أيام كان الأوروبيون يُنجزون مع روسيا تفاهماً حول تدفق الغاز بالشراكة مع أوكرانيا، تنقصه بعض التفاصيل كما يقول وزير النفط الروسي ألكسندر نوفاك، وها هو ترامب ومعه حلفاؤه في شمال أميركا وجنوبها يعلنون التلاعب بالشرعية الدستورية في فنزويلا، عبر الاعتراف برئيس البرلمان الفنزويلي خوان غوايدو رئيساً مؤقتاً للدولة، بديلاً من الرئيس المنتخب نيكولاس مادورو، ما يعني اندلاع الحرب بين شرعيتين لا يمكنهما التعايش، وشرط حياة إحداهما هو موت الأخرى. والخطوة الأميركية المدبرة يفترض أنها مبنية على خطط حسم السيطرة على فنزويلا، عبر ما قالت مصادر متابعة للوضع في أميركا اللاتينية. ويمكن للاعتراف السريع لكولومبيا والبيرو بغوايدو رئيساً أن يلقي بعض الضوء على خطط عسكرية لإشعال حرب حدودية تمتدّ جذورها بين كولومبيا وفنزويلا لسنوات طويلة. ويراهن الكولومبيون أن يمكنهم الاستناد إلى شرعية غوايدو المفترضة من تشكيل منطقة نفوذ وقاعدة ارتكاز داخل الحدود الفنزويلية تحوّل الصراع الحدودي حرباً أهلية، تتضافر خلالها الإمكانات المالية والعسكرية التي يوفرها الأميركيون والكنديون، مقابل الحصار المفروض على حكم الرئيس مادورو، في ظل أوضاع اقتصادية غاية في الصعوبة، لخلق معطيات تتيح التخلّص من القاعدة المتقدمة التي تمثلها فنزويلا في مواجهة الهيمنة الأميركية على القارة اللاتينية، لكن ردّ الرئيس مادورو لم يتأخّر فقرّر إقفال السفارة الأميركية فوراً وطرد الدبلوماسيين الأميركيين وخاطب الحشود التي قصدته إلى القصر الرئاسي بالإعلان عن عزيمة المواجهة حتى النصر.

على ضفة موازية للعبث الأميركي سقط الرهان على تورّط تركيا في مغامرة عسكرية شمال شرق سورية، حيث انتهت القمة التي جمعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالرئيس التركي رجب أردوغان إلى الاتفاق على ربط أي خطوات أمنية وعسكرية في سورية بمسار أستانة، الذي ستنعقد قمته الثلاثية الروسية التركية الإيرانية في موسكو الشهر المقبل، وستكون الأوضاع في إدلب على رأس جدول الأعمال بعدما انتهت المهل الممددة التي طلبتها تركيا لحسم الوضع مع جبهة النصرة. وكانت النتيجة كارثية كما قال وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف، وبات العمل العسكري في إدلب هو الأولوية، بينما نصح بوتين أردوغان بالتفكير ملياً بالعودة لاتفاق أضنة الذي كان يجمع بين تركيا وسورية قبل التورط التركي في الحرب على سورية، وبموجبه تضمن الدولة السورية الوضع الحدودي، وعدم تعرّض تركيا لأي مخاطر أمنية عبر الحدود مع سورية، والانفتاح على فكرة توسيع نطاق الحل السياسي لاستيعاب الأكراد ضمن محادثات جنيف لفتح الطريق أمام بديل عن صيغ التقسيم التي أغرتهم بها واشنطن، وكشف تهرب أردوغان في المؤتمر الصحافي المشترك مع الرئيس بوتين، من الحديث عن المنطقة الآمنة والتركيز على الجانب الاقتصادي في المحادثات، فشل الرهان التركي على إجراء مقايضات تضمن الحصول على موافقة روسية على تموضع تركي عسكري شمال شرق سورية، بصورة تصفها موسكو بتقاسم الجغرافيا السورية على حساب ما تعتبره موسكو خطوطاً حمراء تمثّلها وحدة سورية وسيادتها، وترمز إليها بالدعوة لاحترام القانون الدولي والقرارات الأممية، خصوصاً القرار 2254، كما قالت مصادر روسية إعلامية متابعة لأعمال القمة.

لبنانياً، تجمّعت المعطيات المتصلة بالوضع الاقتصادي والتصنيفات الائتمانية، والاستحقاقات المالية، وتلك التي تشير إلى أوضاع ساخنة تتجمع حول المنطقة مع اقتراب موعد الانسحاب الأميركي من سورية من جهة وموعد الانتخابات الإسرائيلية من جهة أخرى، فانطلقت المساعي لتذليل العقبات التي حالت دون ولادة الحكومة خلال ثمانية شهور، كانت كافية لبلوغ النقمة الشعبية وصولاً للغضب إلى الحد الذي لم يعد ينفع معه إطلاق الوعود، فيما رئيس الجمهورية بات في مناخات جديدة مع انقضاء قرابة السنة من عهده بين الانتخابات النيابية وتشكيل الحكومة، ليقوم الرئيس المكلف بجوجلة مشاوراته حول توزيع الحقائب وحسم أمرها للتفرغ لبلورة حل وسط ينهي تمثيل اللقاء التشاوري، بصيغة وزير ملك موضع قبول من الجميع، وفقاً لروح مبادرة المدير العام للأمن العام، وهو ما وصفته مصادر مطلعة بأسباب كافية لاعتبار هذا الأسبوع حاسماً في المسار الحكومي.

الحريري أمام خيارين: التنازل إما الاعتذار…

استمرّ المناخ التفاؤلي الذي خيّم على المشهد الحكومي مطلع الأسبوع الحالي بقرب ولادة الحكومة مع مواصلة الرئيس سعد الحريري لقاءاته ومشاوراته لتذليل بعض العقد المتعلقة بتوزيع بعض الحقائب على خطوط «التيار» «أمل» «الاشتراكي» – «القوات».

وقد استكمل الحريري أمس، سلسلة اللقاءات التي بدأها الاثنين بلقاء رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، على أن يتوجّه الى معراب اليوم أو غداً للقاء رئيس القوات سمير جعجع على أن يختم جولته الجديدة بزيارة بعبدا لوضع رئيس الجمهورية ميشال عون بحصيلة مشاوراته وبعدها يتجه الى مرحلة حسم الأمور الاسبوع المقبل، بحسب ما أعلن أمس.

فما هي الخيارات أمام الرئيس المكلف؟ هل سيُقدِم صيغة حكومية الى الرئيس عون ويرمي الثقل الحكومي وكرة نار التأليف في ملعب بعبدا ويترك للرئيس أمر التوقيع عليها وإرسالها الى المجلس النيابي لتنال الثقة؟ أم ينتقل الى السراي الحكومي لتصريف الأعمال لسد الفراغ الحكومي الحاصل وتمرير قانون الموازنة وإصلاحات مؤتمر سيدر وتسيير عجلة الدولة منعاً للانهيار الاقتصادي والمالي الشامل لا سيما مع حديث رئيس لجنة المال والموازنة النيابية النائب ابراهيم كنعان عن العمل لإيجاد مخارج قانونية لتأمين استمرارية الدولة في الدفع، وذلك بعد تحذير وزير المال بأن وزارته لن تكون قادرة على دفع الرواتب الشهر المقبل؟ أم يقدّم الحريري اعتذاره ويصار الى تكليفه من جديد أم يدخل في مرحلة اعتكاف حتى إشعار آخر؟

من الصعب استكشاف المكان الذي يتجه اليه الواقع الحكومي وحتى المقرّبين من الحريري لا يملكون أدنى فكرة عن طبيعة المرحلة المقبلة، إذا ما تعثر التأليف في جولته الأخيرة. وتكتفي مصادر بيت الوسط بالتأكيد أن الحريري يقوم بواجبه ويجري جولة مفاوضات جديدة وأنه معني بتذليل عقد ما تبقى من حقائب، أما لجهة عقدة تمثيل سنة 8 آذار فليست عنده بل عند الآخرين، ولا مانع لديه من نيل الرئيس عون الثلث الضامن، أما أوساط مطلعة على موقف بعبدا فتشير لـ«البناء» الى أن «الرئيس عون لن يقف مكتوف اليدين أمام هذا الواقع وسيستعمل كل ما يملك من صلاحيات دستورية وضغط سياسي وشعبي ونيابي لفك أسر الحكومة»، موضحة أن «الرئيس لن يضحّي بأولى حكومات العهد للحصول على الثلث، فهو يمثل الثلث والحكومة والكل الضامن للحكومة وإنتاجيتها وللبلد ككل»، مؤكدة بأن «رئيس الجمهورية كما ترك أثراً كبيراً في مسيرته العسكرية ثم النيابية كرئيس لتكتل نيابي كبير، فلن يسمح بانتهاء ولايته من دون أن يترك بصمة لعهده»، إلا أن الأوساط لاحظت محاولات داخلية وخارجية لحصار العهد وتدفيعه ثمن مواقفه الوطنية لا سيما موقفه في المحافل الدولية والعربية من سلاح المقاومة وأزمة النازحين والإرهاب والعلاقة بسورية. وهذا تجلى في المقاطعة العربية لقمة بيروت»، لكنها أبدت تفاؤلها بـ»وجود إرادة جدية وجديدة للخروج من المأزق الحكومي، ملاحظة حركة جدية يقوم بها الحريري إضافة الى إلغاء مشاركته في مؤتمر دافوس والكلام الإيجابي الذي نقله بري عنه».

لكن إذا كان فريق الرئاسة لا يتمسك بالثلث الحكومي، فما أسباب الصراع على الأثلاث في الحكومة العتيدة؟ علماً أن في الحكومات السابقة ولا سيما الأخيرة منها أي حكومة تصريف الاعمال الحالية، لم تشهد التصويت على اي ملف أو قضية إلا ما ندر، ما يؤشر الى أن تمسك التيار الحر والرئيس عون بالثلث الضامن يُخفي نية عونية بطرح سلة قضايا وملفات داخلية وخارجية على طاولة التصويت كسلاح مضاد لتعطيل خطط العهد لا سيما في ما يتعلق بمكافحة الفساد. وقد أشر عون الى ذلك خلال الايام القليلة الماضية ما يعني أن عون يريد الإمساك بثلث حكومي ضامن في وجه أي نية لتعطيل المشروع الإصلاحي الذي سيبدأ بطرحه عون في مجلس الوزراء فور تأليفه.

أما اللقاء التشاوري فلفتت مصادره لـ«البناء» الى أنه متشدّد بموقفه لـ«جهة اختيار ممثله من بين النواب الستة أو من بين الاسماء الثلاثة ويكون ممثلاً للقاء ويصوّت معه وليس مع أي أحد آخر». وأكد عضو « اللقاء « النائب عبد الرحيم مراد في تصريح «نسمع عن صيغة الـ 32 وزيرا وطروحات اخرى ولكن لم يتصل بنا أحد ليطرح اية فكرة، وبالتالي اذا كان هذا الحراك جدياً، واذا كانت العقدة فقط في تمثيلنا، فيجب ان يكون الاتصال اولاً بنا». وشدّد مراد على «ضرورة ان يكون هذا الوزير عضواً في اللقاء التشاوري، فحيث يكون هذا اللقاء يكون وزيره حاضراً ومشاركاً».

وكان الحريري أعلن في تصريح له بعد لقائه جنبلاط إلى أن «هناك أموراً إيجابية تتبلور بشأن الحكومة والاسبوع المقبل سأحسم الموضوع». وأشار إلى أن «موضوع الحقائب لم يكن مطروحاً فقط خلال الزيارة بل هناك أمور كثيرة جرت في البلاد وتم التهجّم علينا وعلى جنبلاط ونرص صفوفنا. وبالنسبة للحكومة هناك أمور تحدث لن أتحدث بها كي لا «تتخرب».

وأكد «اننا لسنا في حالة مواجهة مع أحد والخلافات الاقليمية داخل البلاد والحكومة لن توقف العمل من أجل مصلحة المواطن اللبناني».

من جهته رأى جنبلاط ان «هناك قوة تريد إضعاف البنية الاقتصادية والاجتماعية للبنان من اجل السيطرة على البلد»، مشيراً الى ان «هذه القوى استنهضت نفسها أخيراً لتهاجم الآخرين، وهؤلاء لا يهمهم الوضع الاقتصادي في لبنان وبخاصة بعد تصنيف «موديز» للاقتصاد اللبناني». في السياق، أكدت مصادر الحزب الاشتراكي «أن لا تنازل عن حقيبتي التربية والصناعة، وما وافقنا عليه لا تراجع عنه».

وجدّد الرئيس بري أمام النواب في لقاء الأربعاء النيابي، القول إن «هناك نفساً وزخماً جديدين لتشكيل الحكومة في غضون اسبوع او اقل»، كما سمع من الرئيس الحريري. وقال «الأجواء جيدة وإيجابية، وإذا ما استمررنا بالتأخر في تأليف الحكومة نكون بدأنا بارتكاب جريمة وطنية». وركز بري خلال اللقاء على الاوضاع الاقتصادية والمالية، وأشار الى أن «ما ورد في تقرير موديز عن تصنيف لبنان يتطلب من الجميع أن يخرجوا من التجاذبات والانقسامات لننصرف الى مواجهة كل التحديات، وبوجود الحكومة يمكن اتخاذ الإجراءات المناسبة والإجابة عن كل الأسئلة المتعلقة». وكرر انه اذا لم تتشكل الحكومة الجديدة فإنه سيطالب بعقد جلسة للحكومة من اجل تحويل الموازنة للمجلس النيابي، مشيراً الى انه سيدعو ايضاً الى جلسات تشريعية متتالية. وأعلن النائب علي بزي أنّ 31 كانون الثاني هو الـdeadline» « في ما خصّ تشكيل الحكومة.

هل تغير إفادة أرسلان مجرى التحقيقات؟

على صعيد آخر، شهد ملف حادثة الشويفات تطوراً قضائياً تمثل بإدلاء النائب طلال أرسلان بإفادته أمام القضاء والتي قد تغير في مجرى التحقيق ومصير القضية. وقال أرسلان في تصريح له من امام قصر العدل في بعبدا : «النائب جنبلاط يريد القضاء وطلال ارسلان يريد القضاء، ولكن لا يمكن القول نريد القضاء على أمين السوقي والمتهمين بحادثة الشويفات ولا نريد القضاء على أكرم شهيب، فالأمور لا تسير بهذه الطريقة ولا يمكن لأحد أن يتلطى خلف حصانته النيابية فأمين السوقي والمتهمون بحادثة الشويفات أكبر من 10 نواب».

واتهمت مصادر الحزب الديمقراطي عناصر الحزب الاشتراكي بالهجوم على السراي الأرسلانية في الشويفات ما تسبّب بمقتل الشهيد علاء ابو فرج، مشيرة لـ«البناء» الى أن الهجوم كان قرار سياسي من النائب أكرم شهيب بتصفية أرسلان لإحداث فتنة في مدينة أرسلان الشويفات، مشيرة الى أن اتهام أمين السوقي بالجريمة هدفه حرف التحقيق وإلباسه الاتهام، لكن المصادر أكدت بأن الحزب لن يسلّم السوقي، موضحة أن القضاء لا يملك أي دليل على إدانة السوقي وتفاجأ بالوثائق والمعطيات والأدلة التي قدمها أرسلان من ضمنها فيديوهات تسجيل عن الاشتباك المسلح الذي حصل في الشويفات ما قد تغيّر في مسار التحقيق والقرار الظني. وجددت المصادر ثقتها بالقضاء متمنية عدم رضوخه للضغط السياسي وإحقاق الحق لتجنيب الجبل فتنة أهلية. واستغربت كلام جنبلاط حول علاقة سورية بما حصل، مؤكدة أن ليس لها علاقة لا من قريب ولا من بعيد.

إفادة وتصريح أرسلان استفزا رئيس الاشتراكي الذي كتب على تويتر: «يبدو أن الشيطان الاكبر دخل على التحقيق في قضية الشهيد محمد أبو ذياب فاختفت كل الأدلة بسحر ساحر كما دخل الشيطان الأصغر على قضية الشهيد علاء ابو فرج». فأتاه الرد من رئيس حزب التوحيد العربي وئام وهاب ، قائلاً: «أتمنّى عليك يا وليد بك عدم التدخل بالتحقيق في اغتيال محمد أبو ذياب، الأدلة واضحة عند القاضي في المحكمة العسكرية ، لذا نتمنّى عليك وقف التظليل»، مشدّدًا على أنّ «هذا الموضوع سيصل إلى النهاية وسنحاكم القاتل، وهذا ما أبلغته اليوم لمرجع كبير».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى