الأسباب الحقيقية للهستيريا الجوية «الإسرائيلية»

الأسباب الحقيقية للهستيريا الجوية «الإسرائيلية»

هل فقدت تل أبيب زمام المبادرة؟

محمد صادق الحسيني

تكشف مصادر وثيقة الصلة بالميدان السوري ما سبق ان أكدناه… وهو انّ القيادة الروسية التي لديها أكثر من ألف موقع عسكري مشترك بينها وبين القوات السورية على الأراضي السورية بدأت تقلق جدياً من احتمال تعرّضها للأذى في حال استمرّت تل أبيب في تصعيدها الهستيري في الميدان السوري.

وحتى لا تتكرّر حادثة الطائرة الروسية المشؤومة وحفاظاً على جنودها فإنّ القيادة الروسية العليا قرّرت منذ ذلك الوقت فتح مقرّ القيادتين الجوفضائية الروسية والسورية على بعضهما من موسكو الى دمشق وبالعكس.

وهذا يعني مدّ الدفاعات الجوية السورية بكلّ ما يصل من معلومات بالكومبيوتر ولحظة بلحظة للقيادة الجوفضائية السورية.

وانّ مسالة إسقاط طائرة إسرائيلية او حتى طائرات فوق سماء فلسطين سيكون من مفاجآت الحرب المقبلة وانْ كان متاحاً الآن لكنه مؤجل إلا إذا دهم الميدان خطر محدق!

وهذا التعاون الثنائي بالمناسبة أمر غير مسبوق وغير موجود حتى بين القيادتين الأميركية و«الإسرائيلية» رغم تحالفهما الاستراتيجي المعروف. فهل تكون هذه إحدى أسباب الهستيريا «الإسرائيلية» خاصة بعد ان فقدت تل أبيب مساحة المناورة في السماء السورية وتكاد تفقد مثيلتها اللبنانية؟

من جهة أخرى فقد أفاد أحد خبراء تحليل العمليات الجوية، وهو جنرال سابق في سلاح الجو لإحدى الدول الأوروبية العظمى، تعليقاً على الغارات الجوية والصاروخية «الإسرائيلية»، التي اتخذت شكلاً هستيرياً فجر الاثنين الماضي، أفاد بما يلي:

1 ـ انّ تصريحات رئيس وحدة الإعلام في الجيش الإسرائيلي وعضو هيئة الأركان العامة في الجيش، الجنرال رونين مانيليس Ronen Manelis، التي أصدرها صباح الاثنين 21/1/2019، حول الأسباب التي دفعت «إسرائيل» إلى تنفيذ سلسلة الغارات الجوية والصاروخية على أهداف عسكرية سورية فجراً، هي تصريحات مضللة وغير دقيقة ولا تعبّر عن الحقيقة.

وإنما هي إعلان «إسرائيلي» رسمي عن النية المبيّتة لتنفيذ الغارات، خاصة إذا ما علمنا انّ وحدة الإعلام الناطق العسكري باسم الجيش هي جزء من قسم العمليات في الجيش «الإسرائيلي». وعليه فإنّ كلام هذا الجنرال، الذي يتولى رئاسة هذه اللجنة منذ أن عيّنه رئيس الأركان السابق، أيزنكوت في هذا المنصب في شهر شباط من العام 2017، يختلف عن كلام أفيخاي أدرعي الذي يعتبر ليس أكثر من بوق دعائي. في حين انّ كلام الجنرال مانيليس لا يمكن اعتباره إلا إعلاناً لأوامر عمليات قيد التنفيذ.

2 ـ من هنا، فإنّ كلامه عن صاروخ أرض/ أرض إيراني الصنع من طراز فاتح 110، تمّ إطلاقه من قبل وحدات من الحرس الثوري الإيراني، من قاعدة لها في ريف دمشق باتجاه مراصد الجيش «الإسرائيلي» في جبل الشيخ، ليس الا إعلاناً رسمياً إسرائيلياً، صادراً عن قسم العمليات في الجيش الإسرائيلي، أكدت «إسرائيل» من خلاله وجود قرار سياسي «إسرائيلي»، بغطاء أميركي سعودي، بمواصلة عمليات القصف الجوي والصاروخي ضدّ أهداف عسكرية سورية، بحجة منع التموضع الإيراني في سورية، الأمر الذي يتطابق مع كلام وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، في الجامعة الأميركية في القاهرة أواسط هذا الشهر، عندما قال انّ الولايات المتحدة سوف تعمل على إخراج آخر جندي إيراني

من سورية.

3 ـ لكن الوزير بومبيو ورئيس الوزراء «الإسرائيلي»، إلى جانب رئيس أركان جيشه الجديد افيف كوخافي، يعلمون تماماً انّ ذلك ليس من حقهم ولا هم قادرون على تنفيذه لأسباب عدة، لا مجال لمعالجتها في هذا السياق، خاصة أنّ الوجود الإيراني في سورية قائم على اتفاقات ثنائية مع الحكومة الشرعية السورية، وهي اتفاقيات مطابقة تماماً لنصوص القانون الدولي.

وفِي ظلّ انعدام إمكانية تأثير هذه الغارات على موازين القوى، في الميدان السوري بشكل عام وعلى جبهة الجولان بشكل خاص، على عكس تأثير الغارات الجوية الأميركية على جبل الثردة في دير الزُّور، بتاريخ 17/9/2016، والتي أعقبها تحرك بري واسع وبغطاء جوي أميركي لعصابات الهاغاناه التي يطلق عليها اسم داعش، أدّى الى سيطرتهم على الجبل وتشديد الحصار على المدينة ومطارها وقوات حلف المقاومة المدافعة عنهما.

نقول إنه في ظلّ انعدام مثل هذا الهدف وهذه الإمكانية في الجنوب السوري، ومن خلال هذا النشاط الجوي الهستيري الذي يقوم به سلاح الجو «الإسرائيلي»، فما الذي يريد ان يصل إليه الطرف الأميركي الإسرائيلي من خلال ذلك…؟

4 ـ لا شك انّ هناك هدفاً تكتيكياً وآخر استراتيجيياً من وراء هذه العمليات الهستيرية التي لم يحكمها أيّ منطق عسكري حتى الآن. لكن التحليل الدقيق لنقاط تموضع الطائرات «الإسرائيلية» المغيرة، عند إطلاق صواريخها، وتنسيق عمليات القصف الجوي مع عمليات إطلاق صواريخ أرض/ ارض، إلى جانب طبيعة وأماكن الأهداف التي هاجمها «الإسرائيليون» في أرياف دمشق، وبالنظر الى تتابعية عمليات القصف فإننا نصل إلى نتيجة مؤدّاها ما يلي:

انّ الأهداف التكتيكية للقيادة العسكرية «الإسرائيلية»، من وراء هذه العمليات قد تمثلت في:

أ ـ رفع معنويات الجمهور «الإسرائيلي» الذي أصيب بصدمة كبرى، بعد انفضاح أكاذيب الإعلام «الإسرائيلي» والدوائر الأمنية والعسكرية «الإسرائيلية» التي توجه هذا الإعلام، إثر إعلان قناة «الميادين» عن موعد لبث مقابلة تلفزيونية حبلى بالمفاجآت مع السيد حسن نصر الله مساء يوم السبت المقبل. خاصة انّ هذا الإعلام قد دأب على بث الإشاعات والأكاذيب حول الوضع الصحي للسيد نصر الله طوال الشهرين الماضيين.

وبمناسبة انكشاف أكاذيب الإعلام «الإسرائيلي» وبؤس الأجهزة الاستخبارية «الإسرائيلية»، المدنية منها والعسكرية، فلعلّ من المفيد التذكير بالهاشتاغ الذي أطلقه طبل الجيش الإسرائيلي الأجوف، المدعو أفيخاي أدرعي، قبل أسابيع وموجهاً كلامه للسيد نصر الله، تحت شعار: ليش ساكت.

يوم السبت القادم…

ستكشف لك الأيام ما كنت جاهلاً

ويأتيك بالأخبار من لم تزَوِّدِ

ب ـ التاكيد على كلام نتن ياهو، الذي أطلقه من تشاد يوم أمس، حول عزمه على مواصلة قصف «أهداف إيرانية» في سورية وذلك بعد الغارة التي شنتها الطائرات «الإسرائيلية» على مطار دمشق.

ج ـ إرسال رسائل لمن يعنيه الأمر، خاصة شركات النقل الجوي الخليجية والعربية الأخرى، بأنّ مطار دمشق ليس آمناً ولا يمكن تسيير رحلات جوية مدنية إليه.

د ـ استطلاع بالنيران لوسائل الدفاع الجوي السوري ولوسائل الحرب الالكترونية المكمّلة للدفاع الجوي، لمعرفة قدراتها وجهوزيتها لردّ الفعل وإمكانيات طائرات سلاح الجو «الإسرائيلي» للتعامل معها حالياً ومستقبلاً.

أما الأهداف الاستراتيجية من وراء تلك العمليات الجوية «الإسرائيلية» فتتمثل في التالي:

أولاً: توسيع نطاق عمليات القصف الجوي «الإسرائيلي»، بشكل يستفز القيادة العسكرية السورية، ويضطرها وقيادة حلفائها الى الردّ العنيف، الذي سيتبعه ردّ آخر من قبل الجيش «الإسرائيلي»، وصولاً الى تدحرج الوضع الى عملية عسكرية كبيرة على الجبهة السورية على ان تبقى دون مستوى الحرب الشاملة، وذلك بهدف استجلاب تدخل لمجلس الأمن الدولي، بهدف الوصول الى وقف لإطلاق النار، والدخول في مفاوضات فصل قوات، تريدها «إسرائيل» والولايات المتحده، ان تتحوّل الى مفاوضات حول إنهاء التعاون العسكري الإيراني السوري وإلغاء الاتفاقيات الناظمة لهذا التعاون بين الدولتين.

وإذا ما قمنا بتحليل بسيط، لهذا الهدف، فإننا لا بدّ ان نصل الى نتيجة مؤدّاها: انّ الحلف «الإسرائيلي» الأميركي يعمل على فرض معركة استراتيجية، على سورية وحلفائها بتوقيت تختاره واشنطن وتل أبيب، وذلك استباقاً لاستكمال سورية وحلفائها بناء قوتهم العسكرية الضرورية لتحقيق الانتصار في المواجهة الكبرى، التي ستقع مع «إسرائيل» حسب التوقيت الإيراني السوري اللبناني.

ولكن سورية وحلفاءها واعون تماماً لهذه المخططات وأهدافها، مما يجعلهم يتصرّفون بمنتهى الهدوء والتؤدة، وليس بالنزق وردود الفعل، التي ومهما كانت عنيفة، إلا أنها ليست مضمونة النتائج كالتخطيط العلمي الممنهج، ذي المنطلق الاستراتيجي والأهداف الواضحة.

وهذا يعني بالضبط الفشل الكامل لهذه العملية الجوية ولسلاح الجو «الإسرائيلي» ولرئيس أركان الجيش «الإسرائيلي» الجديد الذي قام بجولة على جبهة الجولان قبل يومين فقط ليتفقد تعزيزات جيشه التي كانت تصل تباعاً إلى جبهة الجولان بسبب توقع الجانب «الإسرائيلي» لردّ فوري على هذه العملية الفاشلة.

ثانياً: أما الهدف الاستراتيجي الثاني، لهذه العملية الجوية الفاشلة إنما يَصبّ في نفس اتجاه الهدف الأول، ألا وهو تصعيد الضغط على إيران، من خلال توجيه رسالة إلى المؤتمر المناهض لها، والمنوي عقده في وارسو منتصف شهر شباط المقبل، الى جانب رفع مستوى الضغط على الدول الأوروبية الرافضة للمشاركة في هذا التجمع، وعلى المفوضية الأوروبية بشكل خاص، والتي رفضت مفوضة الشؤون الخارجية فيها، السيدة فيديريكا موغيريني، المشاركة فيه بسبب ارتباط مسبق لها في مؤتمر آخر في إحدى الدول الأفريقية.

أيّ انّ الولايات المتحدة الأميركية تريد ان تقول لمن سيحضر هذا اللقاء، الذي سيحضره نتن ياهو بالطبع، بانّ الحرب ضدّ إيران قد بدأت، من خلال الضربات التي توجهها «إسرائيل» للوجود العسكري الإيراني في سورية، الأمر الذي سيحدّ من نفوذها في المنطقة العربية على الرغم من انّ الهدف لن يتحقق بشكل سريع حسب التقديرات الأميركية و«الإسرائيلية». وفِي ذلك محاولة أميركية «إسرائيلية» للضغط على سورية وحلفائها بهدف إجبارهم على تغيير خططهم الاستراتيجية الخاصة بالصراع على المنطقة.

وبكلمات أخرى فإنّ الراعي الأميركي سيصدر أمراً، لمن تنطلي عليهم هذه الخزعبلات من أعراب الجزيرة العربية، بدفع المزيد من الأموال لتمويل ما ستسمّيه واشنطن «الحرب على الاٍرهاب» الذي تمارسه إيران وحلفاؤها. وذلك في محاولة منها لتسويق موضوع مؤتمر وارسو على أنه جزء من «الجهود الدولية لمحاربة الاٍرهاب» ودمج «إسرائيل» في هذا التجمع تسهيلاً لإعلان التطبيع معها وتحالفها هي مع أمراء الطوائف النفطية العربية في الجزيرة العربية.

لكن مؤتمراً دولياً يُعقد في وارسو ولن تحضره من الدول الأوروبية إلا وارسو/ بولندا/ لن يكون سوى مهرجان سيرك، يشكل مناسبة لالتقاط الصور التذكارية، ومسرحاً لإعادة عزف أسطوانة الهولوكوست المشروخة. ولا نستبعد ان يقوم منظمو المؤتمر بتنظيم زيارة للمشاركين فيه، الى معسكر الاعتقال النازي في اوشفيتس، والذي لا يبعد سوى ما يقارب الثلاثمائة كيلو متر جنوب غرب وارسو، بالقرب من مدينة كراكوفيا على الحدود مع جمهورية تشيكيا.

اما ما نخلص إليه فهو انّ هذه السلسلة، من الغارات الجوية والصاروخية «الإسرائيلية»، على أهداف عسكرية في سورية، والتي ستواصل «إسرائيل» القيام بها، بالتنسيق مع الولايات المتحدة وأعراب الجزيرة العربية، لن تفضي الى اية نتيجة إيجابية للعدو ولن يكون لها أيّ تأثير على التعاون الإيراني السوري ولا على خطط حلف المقاومة المتعلقة بالاستعداد للمواجهة الكبرى مع الجيش «الإسرائيلي» والتي نعتقد بأنها ستكون بمثابة يوم القيامة والمواجهة الأخيره ونهاية آلام من اكتوى بنار العدوان الإسرائيلي المباشرة، في فلسطين ودول الطوق العربية، أيّ لبنان، سورية، الأردن ومصر، والتي ستنتهي بتفككك الكيان «الإسرائيلي» وزواله من الوجود نهائياً ربما حتى قبل نهاية ولاية رئيس أركان جيشه الجديد، الجنرال افيف كوخافي.

بعدنا طيّبين قولوا الله…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى