جيوب القلب الخفيّة..

محبّو السينما يتذكرون جيداً الفيلم الأميركي الرائع «البجعة السوداء» والذي جسّدت بطولته الممثلة ناتالي بورتمان وحصلت على أوسكارها الأول عنه. تمثل بورتمان بالنسبة لـ»إسرائيل» واحدة من أيقونات الوطنية الإبداعية وهو ما حدا بـ»إسرائيل» منحها جائزة جينيسيس برايز والتي تبلغ قيمتها المادية مليون دولار، عدا عن قيمتها المعنوية. لكنّ ما حصل أن بورتمان رفضت الذهاب إلى «إسرائيل» لتسلم الجائزة، قائلة: «إنها غير مرتاحة وهي تتسلم جائزة من حكومة إسرائيل التي تقوم حالياً بقنص أطفال غزّة، وتشن حربها على فلسطين، وإنها ستبدو لو ذهبت داعمة لسياسات نتنياهو بخصوص فلسطين، وهو ما ترفضه تماماً». هكذا ببساطة شديدة رفضت مليون دولار وجائزة وطنية كبيرة، وهي تعلم علم اليقين مدى سيطرة اللوبي الإسرائيلي على صناعة السينما في هوليوود، ومدى ما يمكن ما يتركه موقفها هذا من أثر سلبي على مستقبلها في هوليوود. ما جعلني أسرد هذه التفاصيل هو محاولة مقارنة بين موقف بارتمان وموقف الكثير من الفنانين السوريين الذين تتناولهم وسائل التواصل والإعلام في الآونة الأخيرة جرّاء الوضع الاجتماعي المزري الذي وصل له الحال السوري من غلاء فاحش في الأسعار واختفاء الكهرباء وتسرب الغاز إلى المريخ وسفر المازوت إلى الزهرة. أن يظهر بعض الفنانين ويظهروا مدى تعاطفهم مع الوضع الحالي وهم في الأراضي السورية مثل شكران مرتجي وبشار اسماعيل لشيء مغتفر له أو لنقل يصدق إلى حدّ ما لكونهم يقبعون معنا في الرقعة نفسها من هذا الكوكب. ولكن أن يتملق غيرهم من الفنانين ويغزون العالم الأزرق بكل مسمياته من فيس بوك وتويتر وانستغرام، ويجعلون من مواقفهم المشلّحة أقصد المشرفة وتعاطفهم مع الشعب السوري إنه لجريمة بحق الفن والفنانين إذ لا يتكؤون في مواقفهم سوى على عدم أخلاقهم ويشوّهون رسالة الفن الحقيقية. فالأجواء الفنية باتت ملوّثة بين الاستقطاب والتصنيف والعبثية وطغى عليها شعار الرئيس الأميركي الأسبق – جورج بوش الصغير – إن لم تكن معي فأنت ضدّي فينهالون سباً وشتيمة على نقابة الفنانين وعلى كل من أظهر عطفه وتضامنه مع أخيه السوري في المصير من الفنانين القابعين في حضن الوطن. ورسائلهم لا تخلو من الكوميديا السوداء وكأنه انقلاب الأذيال على الأذناب. وما زال المرء لا يتوقع من أين ستأتي الركلة الأخيرة التي ستفرشخ هذا الكوكب وتلقي به في الهاوية وبالأخص عندما نشاهد كيف أنّ تضاد الآراء والتغيرات في المكان بين مواطن يجلس في حضن الوطن وآخر يبعد عنه مقدار حد في حضن بلد آخر جعلت هذه التغيرات من الآخر يشمت من أبناء جلدته، يرجو لهم حياة الآخرة لأن الوطن لم يعد المكان الأكثر أماناً وراحة، حسب تعبيره. نقول لهؤلاء المرتزقة: تعلموا من ناتالي بورتمان كيف تكون الإنسانية والأخلاق والاتساق المحترم بين السمعة الإبداعية والإنسانية، أم أنّ الإنسانية جزء من الطبع ولا يمكن تعلمها؟! هو يسر انتظارنا بعد عسر، هذا وعد إلهي بلغة اليقين.

صباح برجس العلي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى