سرقة فلسطين: مَن الذي جرّ الفلسطينيين إلى الحرب في سورية؟

ترجمة وإعداد: ليلى زيدان عبد الخالق

منذ بدء المؤامرة الأخيرة على المنطقة، والتي ارتبطت بما سمّي جزافاً «الربيع العربي»، كتب كثيرون عن أنّ أيّ ربيع لا يمكن أن يكون مزهراً ما لم يكن مرتبطاً بالقضية الأساس… فلسطين. وأنّ أيّ ربيع يؤجّل قضية فلسطين، أو يزيحها قيد أنملة عن تفكير الشعوب العربية، أو يحاول أن يلهي هذه الشعوب عنها بمسائل أخرى، لن يكون ربيعاً، بل وبالٌ على العالم العربي بأسره، وهذا ما حصل فعلاً: معارك واقتتال ودم في ليبيا، تهديد مستمرّ للبنية الشعبية المصرية من خلال تنامي المجموعات المتطرّفة بعد «تحجيم» جماعة الإخوان المسلمين من جرّاء صحوة المصريين، عراق يستأنف المجازر بعد توقّفها لفترات قصيرة بُعيد خروج الاحتلال الاميركي منه مع أنّه لم يخرج وزاد عديده فيه مجدّداً ، سورية تصارع التنّين متعدّد الرؤوس، ولبنان بشقّه المقاوِم والممانع يساندها في معركة الوجود.

ولأن سورية كانت وما زالت تعي أن القضية الأساس هي فلسطين، وأن البوصلة إن لم تكن تشير إلى كامل الأراضي الفلسطينية تكون معطّلة، ها هي اليوم تتنكّب الصراع من أجل فلسطين وتحريرها. ومَن يعتبر أن هذا الحديث مجرّد شعارات واهية، وأنّ ما يجري في سورية ليس إلا مطالبة «متمرّدين» أو «ثوار» بالحرية المزعومة، من يعتبر ذلك، فليقرأ الأحداث جيّداً وليتّعظ.

منذ بدء الحرب على سورية، حاول كثيرون زجّ الفلسطينيين اللاجئين في تلك الحرب. والإعلام «المفبرِك» كان جاهزاً ليصوّر للعالم أن النظام السوري بقيادة الرئيس بشار الأسد، يقصف المخيّمات الفلسطينية ويقتل اللاجئين. وكان هذا الإعلام جاهزاً أيضاً ليصوّر للعالم أنّ اللاجئين الفلسطينيين ـ في معظمهم ـ يحاربون النظام ويساندون «المتمرّدين».

في هذا التقرير الذي أعدّته شارمين نارواني، وهي معلّقة ومحلّلة تغطي العلاقات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، دحض لكل تلك الادّعاءات وغيرها. إذ تروي ما حدث معها خلال زيارتها إلى بعض المخيّمات في سورية، وتنقل من هناك صوراً عن التأييد العارم للرئيس بشار الأسد وللقضية الفلسطينية، وعن رفض «الربيع العربي» بكل ما تمخّض عنه. فالفلسطينيون في سورية يؤمنون أشدّ الإيمان بأن قضية فلسطين ستسقط مع سقوط سورية.

كتبت شارمين نارواني:

لم يقفز الفلسطينيون إلى المعمعة الحاصلة في سورية. بل هم انجرّوا إليها جرّاً ـ بالعنف وعلى مضض. هاكم القصّة التي تخبركم كيف ولماذا أصبح 14 مخيماً للفلسطينيين أهدافاً استراتيجية للحرب الدائرة في سورية.

جاءت زيارتي الأولى إلى مخيّم اليرموك بعد أيام قليلة من مقتل عشرين شخصاً من جرّاء قصف كبير استهدف المخيم في آب عام 2012. وأراني السكان آثار قذائف الهاون التي أصابت سقف شقة سكنية صغيرة غير بعيدة من «التضامن»، وهي ضاحية دمشقية كان يقتتل فيها «المتمرّدون» والقوات النظامية يومياً. وفيما هرع المارة لمعاينة الضرر، أصابت قذيفة ثانية شارعاً ضيقاً حيث كان آخرون قد تجمّعوا، ما أصاب العشرات.

أشارت وسائل الإعلام الغربية إلى أن قوات الحكومة السورية استهدفت مخيّم اليرموك، لكن الفلسطينيين أنفسهم داخل المخيّم أعربوا عن شكّهم في مثل هذه الأخبار. فالبعض أكدوا أنّ هذه قذائف «المتمرّدين» من الأحياء المجاورة، وكان من الواضح أنّ أحداً لم يستطع أن يقدّم إجابات قاطعة على أنها قد تكون مجرّد مدافع طائشة أصابت المكان.

بدا مخيم اليرموك الذي كان يوماً منزلاً يؤوي أكثر من مليون وستة مئة ألف لاجئ فلسطيني، وكأنه واحة من الهدوء يوم زيارتي ذاك الصيف. بينما ظهرت أحياء: التضامن ويلدة والحجر الأسود، التي يحتلها «المتمرّدون»، والتي مررتُ بها أثناء دخولي إلى المخيم وخروجي منه، مناطق مفعمة بالدمار والخراب والمساكن المحروقة والمحال المقفلة والركام في الشوراع، فضلاً عن نقاط التفتيش في إشارة إلى مناطق النزاع الجديدة.

العودة إلى اليرموك

بعد سنة ونصف السنة، أي في آذار عام 2014، زرتُ «اليرموك» مجدّداً. لم أتمكن من التعرّف إلى المخيّم حينذاك، فالصور التي رأيناها لا تفي الدمار حقّه. رحّبت بنا عند مدخل المخيّم جماعة فلسطينية مسلّحة من ضمن المجموعات الـ14 من «قوّات المتطوّعين» لحماية اليرموك ولإيواء «المتمرّدين» المتغلغلين في المخيم. وتنضوي هذه المجموعة ضمن نطاق سيطرة اللجان الشعبية الفلسطينية لتحرير اليرموك.

عندما سألتهم من أين أتوا؟ أجابوا بسرعة: «صفد، لوبيا، حيفا، طبريا، القدس، عكا»، وهم بالطبع لم تتسنّ لهم فرصة زيارة هذه الأماكن. إنها المدن التي تحدّر منها آباؤهم وأجدادهم، والتي يحلمون بالعودة إليها يوماً. كان بينهم سوريّ واحد ترعرع في مخيّم اليرموك، ويعتبر نفسه فلسطينياً أكثر من الفلسطينيين أنفسهم.

القصص التي أخبرني إياها هؤلاء المقاتلون لم يصدف أن قرأتها يوماً باللغة الإنكليزية، أو حتى في أيّ دورية تُنشر خارج سورية. قصصهم بيضاء وسوداء. فقد اجتاح آلاف المقاتلين الإسلاميين مخيم اليرموك واحتلّوه في 17 كانون الأول 2012، وكان أن فرّ عدد من الفلسطينيين والسوريين من المخيم في صباح اليوم التالي.

يقولون إنّ هؤلاء دمّروا مخيمهم، قتلوا الناس، نهبوا المنازل، المستشفيات وأيّ شيء يقع تحت أيديهم. كانوا مصرّين على مقولة إنّ «المتمرّدين» لن يتمكنوا من السيطرة على اليرموك من دون مساعدة «حركة حماس»، وكانوا مقتنعين تماماً أن مناصري «حماس» لا يزالون داخل المخيم، أي «جبهة النصرة»، «أنصار بيت المقدس»، «العهدة العمرية»، «أحرار اليرموك»، «زهرة المدائن»، وغيرها من المجموعات «المتمرّدة» التي ادّعى هؤلاء الإسلاميون أنها تحتلّ المخيم، وأن «حماس» هي التي تساعد النازحين السوريين الذين فرّوا من أماكن الصراع في سورية ليستقروا في «اليرموك»، وكذلك تزوّدهم بالأموال.

«استأجرهم لأجل هذا الغرض»، يقول أحدهم. لقد ظلّلت الاتهامات الموجهة ضدّ «حماس» كلّ حواراتي مع اللاجئين في المخيمات الثلاثة التي قمتُ بزيارتها. فبينما خرج كلّ قادة «حماس» من سورية باكراً عند بدء الحرب، لم يقُم المنضمّون لـ«حماس بالمثل». إذا ما نظرنا من الخارج، نفهم أن «حماس» غير متواجدة هناك، لكن لدى دخولنا إلى المخيمات، نجد أن الناس يشيرون إلى المحرّضين على الفتنة على أنهم «شعب حماس». ما يؤكد أن محاولة قادة «حماس» طمس تورّطهم في دعم المسلّحين الإسلاميين في المخيم، مجرّد اتباع ما يُعرف بـ«سياسة الإنكار».

اتضح أوّل هذه الخطوط الغامضة في خريف عام 2011، عندما أصرّ أحد قياديّي «حماس» على ضرورة «إزاحة بعض الأشخاص» ممّن يرى أنهم متعاطفون أكثر من اللازم مع «المعارضة السورية».

لكن لنعد الآن إلى المقاتلين الفلسطينيين في «اليرموك». المعقل الأخير لـ«جيش التحرير الشعبي».

شدّت اهتمامي قصص عدّة من التي رواها لي أحدهم عن أفراد من «جبهة التحرير الفلسطينية PLA»، الذين أُعدموا أثناء التحضير لاحتلال المخيم.

يخضع كلّ الذكور من اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات السورية منذ سنّ السادسة عشر لدورات تدريبية إلزامية في «جبهة التحرير الفلسطينية» لمدّة ثمانية عشر شهراً. حيث يُدرّبون مباشرة من قبل هؤلاء، بينما يسلّحهم الجيش السوري. فبعد أن استضافت دول كمصر والعراق والأردن ولبنان هذه الجبهة وتعاونت معها، لم يبقَ لها اليوم من قاعدة في العالم العربي سوى في سورية.

أتوجه إلى مقرّ موقّت للجبهة الشعبية لأكتشف المزيد والمزيد. فقد انتقلوا موقتاً من المعضّمية إلى غرب الغوطة، وهي ضاحية دمشقية محتلة من قبل «المتمرّدين». وهناك قابلت اللواء حسن سالم والعميد نبيل يعقوب، وهما اثنان من كبار المسؤولين الذين ينقلون التقارير المباشرة إلى قائد «جبهة التحرير» اللواء طارق الخضرا. مهمة هذه الجبهة «تحرير فلسطين»، وأخبرني القادة المسؤولون جميعاً أنهم لا يلعبون دوراً في الدفاع عن المخيمات الفلسطينية أثناء الحرب في سورية. ووفقاً لكلّ الروايات يبدو كلامهم صحيحاً.

لكن، ومع حلول العام 2012 يبدو أن الجبهة انزلقت في وحول الأزمة السورية على غير قصد منها. ففي الخامس من كانون الثاني، اغتيل الرائد باسل أمين علي من قبل مجهول في عربين شرق جوبر في ضواحي دمشق، بينما كان يقوم بإصلاح سيارته على جانب الطريق. قُتل في الشهر التالي الرائد عبد الناصر موقري داخل مخيم اليرموك، وذلك في نهاية من شهر شباط، وبعد أسبوع، أي في السادس من آذار، اغتيل أيضاً العقيد رضا محيي الدين الخضرا بينما كان يقود سيارته عائداً إلى منزله الكائن في قطنة جنوب دمشق.

وفي الخامس من حزيران، قُتل العميد الدكتور أنور مصباح الصقعة في شارع «العدوي» في دمشق بوساطة عبوة مزروعة تحت مقعد سيارته، بينما كان يقلّ ابنته إلى الجامعة، إذ جُرحت هي وسائق السيارة. وبعد بضعة أسابيع، وتحديداً في 26 حزيران، قُتل أيضاً العميد أحمد صالح حسن في صحنايا في ريف دمشق. كما قُتل أيضاً العقيد عبد الرزاق سهيم هو وابنه وحارسهما في السادس والعشرين من تموز في بلدة المحالة من قبل «المتمردين»، وذلك قبل أسبوع تحديداً من مقتل عشرين من سكان المخيم بقذائف الهاون.

أما يوم 11 تموز، فقد شهد هجوماً مؤلماً على جبهة التحرير، إذ اختطفت «المعارضة» 14 جندياً فلسطينياً أثناء عودتهم إلى مخيم النيرب لقضاء عطلتهم بعد التدريبات المكثّفة التي خضعوا لها في مصياف 48 كيلومتراً جنوب غرب حماه. ووفقاً لأقوال الجنرالات الذين قابلتهم، فإن نصف هؤلاء الجنود قُتلوا، أما النصف الآخر فتعرّضوا للتعذيب قبل أن تُقطع رؤوسهم.

فلسطينيون كثر ممّن قابلتهم، أخبروني قصة سائق الحافلة التابع للجبهة، والذي لم يكن جندياً. إنه أحمد عزّ، شاب من مخيم النيرب في حلب، احتفظ به «المتمردّون» لفترة، ثم قرّروا ربطه بسيارة محمّلة بالمتفجرات الضخمة وأمروه بالتوجّه إلى نقطة تفتيش للجيش السوري. ووفقاً لعددٍ من التقارير الإخبارية العربية، فإن أحمد انحرف بحدّة في اللحظة الأخيرة عن نقطة التفتيش ليقوم «المتمرّدون» بتفجير السيارة، ويتسبّبوا بقتل أحمد الذي أنقذ حياة الجنود السوريين بتغيير مسار سيره.

خرج المئات من مخيم النيرب لتشييع جثمان أحمد، ويقول عنه محمد الذي تعيش عائلته خارج مخيم اليرموك: «رأينا في أحمد بطلاً ينقذ حياة الجنود السوريين». هذا ليس موقفاً فردياً، ففي النهاية، إن غالبية الشباب الفلسطينيين اللاجئين في سورية قد تدرّبوا على أيدي جبهة التحرير، وتحت رعاية القوات السورية المسلّحة.

عمدت الوسائل الإعلامية العالمية إلى التركيز على الأحداث في مخيم اليرموك على أنها واحدة من تلك القصص الكثيرة التي تحصل في سورية. غير أن هذا كان أبعد ما يكون عن الدقة والواقع. فهناك حوالى 14 مخيماً في البلاد، ولكلّ منها تجربته الخاصة في الحرب في سورية.

«مخيم جولي»

محطتي الثانية كانت في مخيم جولي. وهو معسكر صغير في ضواحي دمشق يمتدّ إلى ضواحي جرمانا الأكبر، والتي تعجّ الآن باللاجئين من المخيمات ومن المناطق المقصوفة في سورية.

جرمانا هي مكان جميل وهادئ، على رغم خرق قذائف الهاون والصواريخ وبعض «المتمرّدين» هذا الهدوء غالباً. فالمسلّحون يحاولون اقتحام المخيم بين الفينة والأخرى، وساكِنو مخيّم جرمانا لديهم «قوات متطوّعة» أسوةً باليرموك، يحرسها مسلّحون من الفصائل الفلسطينية الثلاثة: الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الجبهة الشعبية القيادة العامة بقيادة أحمد جبريل ، حركة فتح الانتفاضة ومنظمة الصاعقة. بعض المقاتلين الذين قابلتهم عند مدخل المخيم يعانون من كسور في أيديهم بسبب المناوشات الأخيرة مع «المتمرّدين».

آنجيلينا جولي هي التي جعلت هذا المخيم مشهوراً في تشرين الأول عام 2009، عندما زارت اللاجئين الفلسطينيين الهاربين من الصراع في العراق. يطالعنا على مدخل المخيم نصب تذكاري مقدّم إلى الشهداء الذين قُتلوا بقذائف الهاون. الأعلام السورية تنتصب جنباً إلى جنب تلك الفلسطينية على طول المخيم.

شاهدتُ عشرات الأطفال داخل المخيم في وضع احتفاليّ، يرتدون الملابس الرياضية والقومية الفلسطينية والأعلام السورية. يحمل أحدهم صورة كبيرة للرئيس السوري بشار الأسد. فالأولاد على وشك تقديم أداء لمناسبة يوم الأرض لإحياء ذكرى 1967 عندما صادرت «إسرائيل» آلاف الدونمات من الأراضي الفلسطينية. وقد أتحفوني بـ«بروفة» مرتجلة قبل ذهابهم إلى المسرح.

تابعتهم قاب قوسين أو أدنى إلى وجهتهم وأنا مندهشة ممّا قد أراه بعد قليل. إذ أُقيمت خيمة ملوّنة لإيواء الجموع التي احتشدت للاحتفال بـ«يوم الأرض»، المترافقة مع صور ضخمة للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، الرئيس بشار الأسد، المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي، وسلفه آية الله روح الله الخميني.

نُظّم هذا الحدث الذي كان عادةً يحدث في مخيم اليرموك، والذي تنظمه جمعية «الصداقة الفلسطينية الإيرانية»، منذ عشر سنوات على الأقلّ. أهمية هذا الحدث ليست سياسية، بل تهدف إلى تكريم المعلمين المتطوّعين في المخيمات مع تقديم الجوائز الهدايا لهم.

أثارت الأعلام السورية المتواجدة في كلّ مكان فضولي. أخبرني أحد المقيمين: «نادراً ما كنتِ ترين ذلك قبل الأزمة». ويعتقد أن هناك سببين أساسيين لانتشار هذه الأعلام: «إظهار التضامن، فنحن نؤمن بأن قضية فلسطين ستسقط مع سقوط سورية، ويمكن أن يكون السبب الثاني إظهار الولاء، بسبب بعض الشكوك التي أُثيرت».

عام 2012، وقعت جميع الفصائل الفلسطينية ـ باستثناء «حماس» ـ على اتفاقيتين منفصلتين، تعهدت فيهما على الحيادية في الصراع السوري. لذلك، لم يكن هذا الدعم اللامحدود للحكومة السورية متوقعاً.

ويستمرّ الدعم السوري

تستمرّ الدولة السورية بدعم اللاجئين الفلسطينيين بوسائل مختلفة: ففي داخل جرمانا، أنشأ السوريون مخازن كبيرة تتضمّن مساعدات غذائية متنوّعة بأسعار معقولة جدّاً لسكان المخيم والنازحين. فها هي إمرأة مسنّة تجلس في كشك خاص بها في المخيم، توزّع الخبز المدعوم من الدولة مقابل ليرات قليلة. وقد شاهدت في اليرموك أيضاً سندويشات الخبز والمربّى التي تبرّعت بها الحكومة للاجئين، في الوقت الذي ينتظرون فيه صناديق المعونة الغذائية من «الأونروا» .

نلاحظ في سوق المخيم الرئيسية وفرة في الخضار والفواكه على طول شارع ضيّق وعرضه. على رغم تضخّم عدد السكان بعد الحرب إلى أربع أو خمس مرّات ما كانت عليه، فتمكن السكان من التأقلم مع الوقائع الجديدة في جرمانا. فهم على الأقلّ ما زالوا يعيشون في منازلهم.

وعلى عكس اليرموك، لا يبدو هناك وجود واضح لـ«الأونروا» ـ وكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين الفلسطينيين ـ وأخبروني أنه لا يوجد لديهم أيّ مكاتب هنا. تدفق لاجئون فلسطينيون كثر، وكذلك نازحون سوريون إلى جرمانا خلال الأزمة، فعمدت لجان محلية كثيرة لتوفير الغذاء لهم يومياً، من مثل حمل الأواني المعدنية كبيرة الحجم من الرزّ المحليّ وكذلك أواني الحساء لتوزيعها على السكان الجدد.

مخيم جرمانا هو واحد من أصل 14 مخيماً رسمياً وغير رسمي للاجئين الفلسطينيين في سورية. وفي كلّ مقابلة مع المسؤولين الفلسطينيين، المساعدين الاجتماعيين والمدنيين أنفسهم، أستطلع منهم حول التحديثات الجديدة في هذه المخيمات. وتأتي ردود الفعل متشابهة من حيث أنّ تسارع الأحداث يبقي الأمور متحولة ومتقلّبة، خصوصاً في المناطق التي يسيطر عليها «المتمرّدون»، إذ تستمرّ النزاعات بين المليشيات والفصائل الفلسطينية، أو مع الجيش السوري على نقاط التماس.

ففي محيط دمشق وحدها، هناك الحسينية احتلها «المتمرّدون» ثمّ خرجوا منها بعد تدميرها ، اليرموك محتلّ من «المتمردين»، 18.000 لاجئ لا يزالون في داخله ، السيدة زينب جرمانا وخان دانون لا «متمرّدين» ، خان الشيخ محتلّة جزئياً، بقي فيها بعض المدنيين ، وسبَيْنه دُمّر 70 في المئة منه . بينما في حلب مخيمان متضرّران: «هاندارات»، الذي انهار بعد أن تركه «المتمرّدون» منذ وقت طويل، وكذلك مخيم «النيرب». واشترك متطوّعون فلسطينيون مسلّحون في قتال «المتمرّدين».

لم يكن هناك مدنيون كثر في مخيم درعا المدمّر. في الوقت الذي تحسّن فيه وضع مخيم «الرمل» في اللاذقية بعد تعرّضه لهجومين شرسين عام 2011. أما مخيم «الوافدين» القريب من دوما، فيبدو أنه ما من أحد يهتمّ لأمره أو يعرف الكثير عنه. لكن من المستغرب أن تكون مخيمات اللاجئين في حمص وحماه مزدهرة وخالية من المسلّحين «المتمرّدين» نظراً إلى تمركزها في محافظات عُرفت بمناوءتها للحكومة.

سافرتُ بعدها إلى مخيم حمص كي أرى مشاهداتي الخاصة. هو المخيم الوحيد الذي يوجد فيه مكتب خاص لـ«حماس». غير أن المجموعات المقاوِمة بكاملها قد تركت هذا المخيم وغادرت البلاد رسمياً عام 2011، وتلقائياً لم يعُد لمناصري «حماس» في المخيم أيّ صفة رسمية.

سألتُ مسؤولاً عن الجبهة الشعبية سؤالاً حول رأيه في وجود «حماس» في المخيم، فقال: «هناك بعض العناصر الذين تعهّدوا بإبقاء المخيم سالماً». ثمّ سألته إن كان في استطاعتنا تحضير اجتماع مع هؤلاء، فقام بعدّة محاولات للاتصال بهم أمامي، لكنهم لم يقبلوا الطلب «لأنهم لا يريدون أن يدخلوا في نزاعات ومشاكل مع قياداتهم».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى