اتفاق أضنة 1997… التوازن المفقود!
محمد ح. الحاج
شكلت تركيا البوابة الأوسع للعدوان على الدولة السورية منذ العام 2011، ولم تكن خارج المخطط الذي جرى إعداده لهذا الأمر فقد بدأت تقيم البنية اللازمة لمخيمات استقبال النازحين منذ الشهر العاشر 2010 بموجب اتفاقية بين وزيري الخارجية الفرنسي جوبيه والتركي داوود اوغلو. نشر نصها باللغات الفرنسية والانجليزية وترجم إلى العربية .
التزمت تركيا فتح حدودها أمام القادمين من ّ أصقاع العالم لـ«الجهاد» في سورية وكأنّ الاحتلال انتقل من فلسطين إليها، وأدّت الاستخبارات التركية دورها دون تردّد، ووقفت العدالة التركية خصماً لكلّ من فضح الدور التركي في عمليات الإمداد اللوجستي وتهريب السلاح، وفي كثير من الأحيان تدخل الجيش التركي لحماية رجال العصابات عندما تعرّضوا للحصار في جسر الشغور وريفها أو في ريف اللاذقية الشمالي وغيره، وأعلن رئيس تركيا موقفاً عدائياً صريحاً وواضحاً ضدّ الرئاسة الشرعية للدولة السورية، متخذاً لنفسه دور الوصي أو الولي، مطلقاً الوعود بأنه سوف يؤدّي الصلاة في جامع بني أمية الكبير بدمشق وهذا ما لم يحصل.
استغلت الحكومة التركية شتى الذرائع مدّعية أنّ أطرافاً ضمن الأراضي السورية تهدّد أمنها فيما كانت هي الطرف الذي يهدّد الأمن السوري، تقدمت فاحتلت جرابلس وجوارها، ثم الباب، وحاولت التقدّم إلى منبج ولم تنجح فقد سبقها إليها الكرد برعاية أميركية، وأخيراً احتلت تركيا عفرين وشرّدت الكثير من السوريين، وتعرّضت في كثير من الأحيان لوحدات من الجيش السوري قصفاً بالمدفعية والدبابات مدّعية أنهم من الوحدات الكردية أو أنّ قذيفة سقطت على الجانب التركي أو ما يسمّونه حدوداً دولية وأنّ مصدرها الجانب السوري…
أخيراً تفاجئ تركيا العالم بطلبها إحياء اتفاقية أضنة – 1997 – التي نقضتها وتجاوزتها وأسقطت بنودها واحداً تلو الآخر، بل هي طوّرت بعض البنود لمصلحة تدخلها العسكري وهو النص غير المتوازن في الاتفاقية المذكورة!
بالعودة إلى اتفاقية أضنه السيئة الذكر نقرأ اتفاقاً على محاربة الارهاب واعتبار حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية على الجانب السوري طرده وتسليم زعيمه… إلخ، وهذا البند انتهى في حينه واقتصر وجود هذا التنظيم على الشمال العراقي والداخل التركي، أما محاربة الإرهاب فالجانب الوحيد الذي يحاربه هو الجانب السوري بينما يدعمه ويشجعه ويمدّه بكلّ أسباب الاستمرار الجانب التركي الذي تماهى موقفه مع الأطراف الأخرى، أميركية وغربية أو عربية، وبدا أنّ الدافع التركي هو العامل المالي تحت ستارة المعتقد الديني المذهبي الداعم لتنظيم الاخوان المسلمين والوهابية قبل أن يصلا إلى الافتراق ومن ثم الصدام الذي انعكس على العلاقة بين دول هؤلاء واولئك حيث تمّ عزل قطر بعد أن فضح وزير خارجيتها السابق موقف الجماعة بعدها طلبت قطر الحماية التركية ووثقت علاقاتها مع الخصم اللدود لأعراب الخليج إيران وبدا أنها لم تثق بالحماية الأميركية رغم وجود أضخم قاعدة جوية أميركية في «الشرق الأوسط» على أراضيها.
فتحت تركيا حدودها بوجه النازحين من الأراضي السورية بناء على وعد بتلقي مليارات اليورو، ودخول جنة الاتحاد الأوروبي، واعتراف فرنسي لتركيا بحقها في محافظتي حلب وإدلب، في المقابل لا تعترض تركيا على إقامة قاعدة جوية أميركية في دير الزور، والذين دخلوا الأراضي التركية لم يشكلوا خطراً على الأمن التركي، على العكس قامت تركيا بتجنيد معظم شبابهم ليكونوا شكلاً من جيش انكشاري تستخدمهم ضدّ وطنهم، وهذا ما فعلته في الشمال عبر كلس إلى الباب، وفي الغرب عفرين إنهم الخارجون على الوطن.. خونة أمهم وأمتهم! كما استثمرت القضية لابتزاز دول أوروبا دون استثناء.
هناك البند الذي يسمح للقوات التركية بأن تتوغل بالعمق لمسافة خمسة كيلومترات ضمن الأرض السورية، فهل هو مسموح في المقابل للجيش السوري أن يفعل ذلك ولنفس المسافة؟ وبما أنه لم يرد ما يؤكد ذلك فهذا هو عيب في الاتفاق وإجحاف بحق الجانب السوري، وإذا كان الأمر مؤقتاً ومرهوناً بوجود قوات حزب العمال الكردستاني فقد سقطت الذريعة وأصبح لزاماً اسقاط هذا البند أو تصويبه بحيث ينص على حق متبادل لكلا الطرفين حال وجود تهديد للأمن القومي، ومعلوم أنّ سورية حالياً مهدّدة في صميم أمنها عبر الحدود الواقعة تحت سيطرة تركيا وهي أراض سورية بالأساس، وأيضاً بالعرف الدولي هي كذلك حتى اللحظة.
البند العجيب الغريب الذي يبعث على الريبة هو إسقاط حق الجانب السوري بالمطالبة بأراض تركية، وهو بند ملتبس ويتضمّن ذكاء حاداً للجانب السوري الذي وافق على هذا البند، فسورية لم، ولا تطالب بأراض تركية، بل بأراض سورية، يعرفها العالم أجمع، وهي ما زالت موضع خلاف لم تجر تسويته ولم يتمّ ترسيم الحدود بين البلدين، لقد كانت حقول الألغام هي صاحبة الكلمة وخط الفصل على الحدود، كيليكية الصغرى والمحافظات الأخرى المقتطعة تعادل مساحة الجمهورية الحالية ولولا الشعور التركي بأنها أراض سورية لما التفتوا لصياغة هكذا بند، مع ذلك لم تلتفت الحكومات السورية للمطالبة بغير لواء الاسكندرون الذي كذبت بشأنه كلّ القيادات التركية وأعلنت 1936 أن لا أطماع لها به وأنها فقط تريد ضمانة حقوق – الأقلية التركية – والتي أصبحت أغلبية لاحقاً بعد طرد سكان اللواء أو أغلبهم وخلق دويلة وهمية ما لبثت أن ألحقت بالحكومة التركية رغم المعارضة الفرنسية، وقبلها الشعبية ونتائج الاستطلاعات وتقرير لجنة عصبة الأمم، فهل انتهت القضية، وكيف تصبح الأرض تركية بمجرد الادّعاء ثم يقولون بسقوط حق الجانب السوري بالمطالبة بها على أنها أراض تركية اسمها هاتاي! يقول شيخ كردي ببساطة أنّ اسم الله هو خوديه وهكذا يكون الله كردي.. وعلى نفس القاعدة أطلق الأتراك على لواء الاسكندرون اسم هاتاي لتصبح أرض تركية، وهي لن تكون، ولن تسقط المطالبة بها أبداً.
احياء اتفاقية أضنه أمر منطقي بعد تعديلها بما يتلاءم مع الواقع وبعد إعلان التزام تركيا بها عملياً وكما أعلن الجانب السوري، بعد عودة الإدارة الرسمية إلى حدود ما قبل 2011، وخروج القوات التركية وغيرها ووقف عمليات التتريك والتغيير الديمغرافي وإقامة جدار على حدود اللواء قرب كسب، وقد قضم مئات الأمتار من عمق أراضي مزارعي المنطقة.. وهذا ما نتابعه ونراه يحصل، بالأحرى لا بدّ من إعادة النظر باتفاقية لوزان 1923، والعودة قبلها إلى اتفاقية سيفر وأنقرة 1920 مع أنها تتضمّن تنازلات عن أراض سورية لم تكن يوماً من بلاد الأناضول، ويعلم العالم أنّ التسويات بين الدول المستعمرة بكسر الميم كانت تتمّ على حساب الشعوب المقهورة والأراضي المستباحة، حدود سورية الطبيعية في الشمال هي قمم طوروس والهضبة الأرمنية منابع الفرات – وسهول ديار بكر وماردين وأورفة وعنتاب وهذه كيليكية الكبرى إضافة لها كيليكية الصغرى وعاصمتها أضنه ومعهم اللواء السليب الذي لم تزل أوراق قضيته في أدراج الأمم المتحدة وريثة عصبة الأمم وكلاهما مؤسّسة سيئة الذكر مهامها استباحة وظلم الشعوب الفقيرة ونهب ثرواتها لصالح دول الاستكبار والاستعمار وليس خدمة الأمن والسلام وتحقيق العدالة الدولية.