الأميركيون والروس عاجزون عن الجمع بين الترك والكرد؟

د. وفيق إبراهيم

اصطدمت مساعي الأميركيين في شمال سورية بحائط تركي مسدود يرفض أيّ دور للكرد في الشمال والشرق، لأنه بداية لمشروع الدولة الكردية المستقلة، التي تهدّد وحدة الكيان التركي نفسه كما يزعم.

في الإطار نفسه لم تتمكن روسيا من إقناع الرئيس التركي أردوغان بضرورة التخلي عن منظمة النصرة الإرهابية في محافظة ادلب وضواحي حلب وحماة.

هنا يتذرعُ «الرجب» بضرورة القضاء المسبق على المشروع الكردي ما يعني إرجاء أي حل للانتشار العسكري التركي في سورية الى المراحل النهائية من المفاوضات.

هذان الرفضان التركيان يهدّدان فعلياً المشروع الأميركي في الانسحاب من سورية والتنظيم المسبق للأدوات البديلة التي يريدها «البنتاغون» في منطقة تمتدّ من الحدود الشمالية حتى الجنوبية والشرقية مع العراق.

لم ترفض انقرة ما عرضه عليها المستشار الرئاسي الأميركي بولتون في زيارته الأخيرة لها، كان يحمل خارطة ملوّنة لمناطق الشمال والشرق السورية تبدأ بمنطقة حدودية من جرابلس حتى المالكية والقامشلي شرق العراق تشكل منطقة آمنة برعاية الجيش التركي وبعمق يتوغلُ ثلاثين كيلومتراً داخل سورية، على أن تليها منطقة للتحالف الدولي «العربي» تكون فاصلة بين النفوذ التركي الحدودي والكانتون الكردي الذي يُفترض أن يصل الى حدود العراق جنوباً وشرقاً وتنتصب على مقربة منه قاعدة التنف الأميركية التي قد تتراجع مئات الأمتار فقط بضغط روسي، لكنها تحافظ على مهمتها من داخل حدود العراق وهي عرقلة التعاون السوري – العراقي من طريق الانتقال البري.

روسيا بدورها عرضت على أردوغان الخروج من إدلب وعفرين مقابل ضمان تسوية سياسية للمشروع الكردي، مع حق الجيش التركي بملاحقة «اي معتدٍ» على أراضي بلاده بالتوغل حتى الـ 15 كيلومترات داخل الحدود السورية، وهذا ما تلحظه اتفاقية «اضنة» في 1998 حول ملاحقة الإرهابيين من حزب العمال الكردستاني بموافقة من الطرفين الموقعين سورية وتركيا.

لكن التطرّف العثماني الأردوغاني تشبث بمضامين اتفاق اضنة انما مع رفضه المطلق لضرب جبهة النصرة أو سحب قواته من محافظة إدلب ومنطقة عفرين مركزاً على أن هذا الأمر مرتبط بالحل النهائي للأزمة السورية، ما يكشف التلازم بين عدوانيته العسكرية وطموحات بلاده السياسية المصرّة على دور ملحوظ في المؤسسات السياسية السورية الجديدة من خلال الاخوان المسلمين والتركمان السوريين وما تسميه «معارضة معتدلة» تتنقل بين أنقرة وتل أبيب وتدعو الى مصالحة وتطبيع كاملين مع الكيان الغاصب.

هذا الرفض التركي فرض على روسيا الإعلان الصريح بأن أنقرة لا تلتزم كلياً باتفاق إدلب الناتج عن مؤتمرات آستانا التي تجمع روسيا وتركيا مع إيران، ويجنحُ موقف موسكو الى المزيد من رفض هذا الدور التركي المفضوح الذي يريد الاستفادة من كل عناصر الأزمة السورية، فيأخذ من الأميركيين شيئاً ولا ينسى «دغدغة» الروس مستعملاً أهمية بلاده في سورية فيتدلّع لمزيد من الابتزاز.

اما مع إيران فيؤدي أردوغان دور الحريص عليها من الهجوم الغربي الأميركي الخليجي الذي يستهدفها محاولاً شراء صمتها في الميدانين السوري والعراقي.

ويواصل الأتراك استعمال منظمات الإرهاب متخلّين عن داعش المهزومة لمصلحة «النصرة» التي انتشرت بالقوة العسكرية في مناطق كانت تديرها منظمات موالية لتركيا تحت نظر ورعاية المخابرات التركية والوحدات العسكرية والأقمار الاصطناعية الأميركية والتحالف الدولي.

اما مظاهر الازمة بين كل من روسيا وأميركا مع الاتراك فواضحة في الإعلان الروسي عن هذا الخلاف وتوقف العروض الأميركية التي كانت تتهافت على اردوغان الى جانب اشتباكات اندلعت في محافظة دهوك الكردية العراقية بين متظاهرين أكراد هاجموا معسكراً تركياً في منطقة شيلادزي احتجاجاً على قصف الطيران التركي لمناطق أكراد العراق في المنطقة، للإشارة فإن المتظاهرين الذين سقط منهم قتلى وجرحى اجتاحوا المعسكر ودمّروه، علماً ان هناك قاعدة أميركية في المنطقة نفسها كانت تتابع ما يجري باهتمام وصولاً الى حدود التشجيع.

يدلّ هذا الخلاف على صعوبتين غير مستحيلتين: الانسحاب الأميركي السريع من شرق سورية وبداية التعثر في أدوار مؤتمر استانا.

لكن البديل عنهما ليس بعيداً وبإمكانه رعاية انسحاب أميركي سريع وتطوير للدور الروسي في آن معاً، هذا ما لاحظته موسكو وتعمل على إقراره، إنما وسط استياء أميركي واضح، لقد اعتبر الروس أن ما يضمن ضبط المشروع الكردي هو الدولة السورية القادرة على احتواء المطالب الذاتية في مناطقهم في «بعض» الشرق وقسم من الشمال مع حقهم باستعمال لغتهم الكردية الأم الى جانب العربية في الإدارات والتعليم. وفي هذا الصدد هناك مفاوضات تبدأ في اليومين المقبلين بين الطرفين للتوصل الى اتفاق نهائي بإمكانه خفض منسوب التوتر الكردي عند الترك. هذا إذا كان الأمر صحيحاً، أما لجهة اتفاق «اضنة» فأنقرة هي التي دمّرته، بفتح حدودها لمئة ألف إرهابي دخلوا سورية ودمّروها برعاية المخابرات العالمية منذ 2012، لذلك تعرض دمشق انتشار جيشها في المناطق الحدودية بشكل يضمن أمن سورية وتركيا على السواء، وقد ترضى بشكل مؤقت بنشر قوات روسية إذا شعر الأتراك بحاجتهم اليها في هذا الوقت بالذات للمزيد من الاطمئنان.

الدولة السورية اذاً هي الحل لكل من تركيا والكرد وروسيا وإيران، لكن الفريق الأميركي الاسرائيلي وبعض العربان يرون أن الاستمرار في إنهاك سورية «فرصة» لتجديد الهيمنة الأميركية في المنطقة وهؤلاء حالمون لأن الزمن لا يعود الى الوراء ودمشق تجتاز الأميال الأخيرة في رحلة الألف ميل التي اثبتت ان سورية المستقرة القادرة حاجة استراتيجية لكامل منطقة الشرق الاوسط.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى